"ذي إيكونوميست": النظام الدولي الليبرالي يتفكك ببطء
لسنوات، تآكل النظام الذي حكم الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وهو اليوم على وشك الانهيار، هناك عدد مثير للقلق من المحفزات التي يمكن أن تؤدي إلى الإنزلاق والفوضى.
-
"ذي إيكونوميست": عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من شأنها أن تواصل تآكل المؤسسات والمعايير
مجلة "ذي إيكونوميست" تنشر مقالاً تقول فيه إنّ النظام الدولي الليبرالي يتفكك ببطء، وترجح أن يكون انهياره مفاجئاً ولا رجعة فيه.
للوهلة الأولى، يبدو الاقتصاد العالمي مرناً على نحو مطمئن. فقد ازدهرت أميركا حتى مع تصاعد حربها التجارية مع الصين. وقد صمدت ألمانيا أمام فقدان إمدادات الغاز الروسي من دون أن تعاني من كارثة اقتصادية. ولم تجلب الحرب في الشرق الأوسط أي صدمة نفطية.
ومع ذلك، انظر بشكل أعمق، وسترى الهشاشة. فلسنوات، تآكل النظام الذي حكم الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. وهو اليوم على وشك الانهيار. هناك عدد مثير للقلق من المحفزات التي يمكن أن تؤدي إلى الإنزلاق والفوضى، حيث تكون القوة هي الحق وتكون الحرب مرة أخرى ملاذ القوى العظمى. وحتى لو لم يصل الأمر إلى الصراع، فإن تأثير انهيار المعايير على الاقتصاد قد يكون سريعاً ووحشياً.
إن تفكك النظام القديم واضح في كل مكان. لقد تم استخدام العقوبات بأربعة أضعاف ما كانت عليه خلال التسعينيات؛ وفرضت أميركا مؤخراً عقوبات "ثانوية" على الجهات التي تدعم الجيوش الروسية. إنّ حرب الدعم جارية الآن، حيث تسعى البلدان إلى تقليد الدعم الحكومي الضخم الذي تقدمه الصين وأميركا للتصنيع الأخضر. ورغم أنّ الدولار لا يزال مهيمناً وأنّ الاقتصادات الناشئة أكثر مرونة وقدرة على الصمود، فإن تدفقات رأس المال العالمية بدأت في التفتت.
إنّ المؤسسات التي كانت تحمي النظام القديم إما أنّها قد اندثرت بالفعل أو أنّها تفقد مصداقيتها بسرعة. وتبلغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين العام المقبل، ولكنها ستكون قد أمضت أكثر من خمس سنوات في حالة ركود بسبب الإهمال الأميركي. ويعاني صندوق النقد الدولي من أزمة هوية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشلول. والمحاكم فوق الوطنية مثل محكمة العدل الدولية يتم استخدامها بشكل متزايد كسلاح من قبل الأطراف المتحاربة. في الشهر الماضي هدد سياسيون أميركيون من بينهم ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات إذا ما أصدرت مذكرات اعتقال بحق قادة "إسرائيل".
لقد فرض التشرذم والانحلال حتى الآن ضريبة خفية على الاقتصاد العالمي يمكن إدراكها، ولكن فقط إذا كنت تعرف أين تنظر. ولسوء الحظ، يُظهر التاريخ أن الانهيارات الأعمق والأكثر فوضوية ممكنة - ويمكن أن تضرب فجأة بمجرد أن يبدأ الانحدار.
لقد قضت الحرب العالمية الأولى على العصر الذهبي للعولمة الذي افترض الكثيرون في ذلك الوقت أنه سيستمر إلى الأبد. في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، في أعقاب بداية الكساد وتعريفات سموت-هاولي، انهارت واردات أميركا بنسبة 40% في عامين فقط. وفي آب/أغسطس 1971، علّق ريتشارد نيكسون بشكل غير متوقع قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وبعد 19 شهراً فقط، انهار نظام "بريتون وودز" لأسعار الصرف الثابتة.
واليوم يبدو أن تمزقاً مماثلاً يمكن تصوره. فعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بنظرته الصفرية للعالم، من شأنها أن تواصل تآكل المؤسسات والمعايير. ويمكن أن يؤدي الخوف من موجة ثانية من الواردات الصينية الرخيصة إلى تسريع ذلك. وقد تؤدي الحرب الصريحة بين أميركا والصين حول تايوان، أو بين الغرب وروسيا، إلى انهيار هائل.
في العديد من هذه السيناريوهات، ستكون الخسارة أعمق مما يعتقده الكثيرون. من المألوف انتقاد العولمة الجامحة باعتبارها سبباً لعدم المساواة والأزمة المالية العالمية وإهمال المناخ. لكن الإنجازات التي تحققت في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين - ذروة الرأسمالية الليبرالية - لا مثيل لها في التاريخ.
ويهدد تدهور النظام بإبطاء هذا التقدم، أو حتى عكسه. وبمجرد انهياره، من غير المرجح أن تحل محله قواعد جديدة. وبدلاً من ذلك، سوف تنحدر الشؤون العالمية إلى حالتها الطبيعية من الفوضى التي تفضّل اللصوصية والعنف. فبدون الثقة وإطار مؤسسي للتعاون، سيصبح من الصعب على الدول التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين، من احتواء سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي إلى التعاون في الفضاء.
في نظر الحزب الشيوعي الصيني، أو فلاديمير بوتين أو غيرهم، فإنّ النظام الذي تكون فيه القوة على حق لن يكون بالأمر الجديد. إنهم لا ينظرون إلى النظام الليبرالي باعتباره تشريعاً للمثل العليا، بل باعتباره ممارسة للقوة الأميركية الخام، وهي القوة التي أصبحت الآن في تراجع نسبي.