"فايننشال تايمز": على الغرب كبح جماح نتنياهو قبل أن يطارده شبح أفعاله
يجب أن يتوقّف القصف في الشرق الأوسط، وأن يبدأ اليوم التالي، وإن لم يحدث هذا، فإنّ الدمار والمعاناة سوف يعودان ليطاردا الغرب.
هيئة تحرير صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً تقول فيه إنّه يجب على الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، كبح جماح نتنياهو، ووقف شحنات الأسلحة إلى "إسرائيل"، قبل أنّ يطارده الدمار، والمعاناة في الشرق الأوسط سوف تعود لتطارد الغرب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد أن استطاعت "إسرائيل" اغتيال مجموعة من قادة الصفّ الأوّل في حركة حماس، أعتقد على نطاق واسع أن يشكّل هذا نقطة تحوّل في الحملة الإسرائيلية العنيفة مُنذ أكثر من عام على الفلسطينيين في غزّة. لقد غاب يحيى السنوار المهندس الشرس لعملية "طوفان الأقصى"، والذي كان هدفاً إسرائيلياً رئيسياً في هذه الحرب، ما يتيح لنتنياهو لو أراد إعلان انتصاره العسكري وإنهاء الحرب، لكنّه فعل العكس تماماً وهو مُستمرّ بهجومه وتعميق الكارثة على الفلسطينيين المحاصرين وسط الدمار الشامل، وإطالة أمد الحرب ومعاناة عائلات الأسرى الإسرائيليين كذلك.
لقد كانت المشاهد في شمال غزّة على مدى الأسبوع الماضي مروّعة. إذ قتل العشرات من الضحايا المدنيين في الأيّام التي تلت اغتيال السنوار، وارتفع عدد الشهداء إلى 43 ألف فلسطيني مُعظمهم من الأطفال والنساء. وأجبر الآلاف على ترك منازلهم. حتّى إنّ الولايات المتحدة اتّخذت خطوة غير مسبوقة محذّرة "إسرائيل" من أنّها ستعلّق مبيعات الأسلحة لها إذا لم تفعل المزيد لتخفيف الكارثة الإنسانية المتكشّفة. كذلك، صعّدت "إسرائيل" من هجومها على لبنان، بالقصف الوحشي الذي تسبّب في دمار كبير في المباني السكنية في كلّ أنحاء المدن اللبنانية حيث دمرت قنابلها المباني، بينما يواصل رجال المقاومة اللبنانية التصدّي بنجاح محاولات الغزو الإسرائيلي في جنوب البلاد.
لا شك في أنّ "إسرائيل" متورّطة في حروب لا نهاية لها على جبهات متعدّدة. وبنيامين نتنياهو لا يزال يراهن على أنّه مع تركيز إدارة بايدن على الانتخابات الأميركية، لديه فرصة لاستمرار حروبه متجاهلاً الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار في غزّة أو مع لبنان. ومن المرجّح أن يحسب أنّ فوز دونالد ترامب، الذي منح نتنياهو خلال ولايته الأولى سلّة واسعة من السياسات الداعمة لـ "إسرائيل"، سيمنحه مجدّداً ترخيصاً أكبر للمزيد من الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين واللبنانيين.
مع ذلك، يبدو أنّ إدارة بايدن ترقص على إيقاع جرائم نتنياهو، وتتّخذ مواقف متناقضة، فعلى الرغم من دعوتها إلى وقف إطلاق النار في لبنان في لحظة ما، فإنّها تدعم هدف "إسرائيل" المتمثّل في تدمير قوّة حزب الله في الوقت عينه. وهذا لا يخدم استقرار الشرق الأوسط، أو حتّى المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل. فمن الممكن قصف حماس وحزب الله، لكنّهما لن يختفيا. ويُعْتقد أنّ العديد من مقاتلي المقاومة الفلسطينية هم أبناء أيتام لضحايا سقطوا في الصراعات السابقة، حيث تفرز الاعتداءات الإسرائيلية، أجيالاً جديدة من مُقاومي الاحتلال. وعندما يغتال أحد القادة، سيتولّى آخر زمام الأمور بسرعة، وحين تضعف القدرة العسكرية لمجموعة ما، فإنّها تعود إلى تكتيكات حرب العصابات. والتاريخ العسكري عموماً لكلّ قوّة احتلال، بما في ذلك تجارب "إسرائيل" السابقة في لبنان مليئة بحماقات التوسّع في المهامّ، حيث تتورّطُ جُيوش الاحتلال المتفوّقة تقنيّاً في مواجهة المقاومة التي ستجبرها في النهاية على المغادرة.
يتعيّنُ على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يُنهي دورة الموت والدمار التي يقودها بنيامين نتنياهو مُنذ أكثر من عام، ما يُهدّد باندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهو خطر يتزايد يوماً بعد يوم. ومن مصلحة الغرب الضغط على نتنياهو للتراجع عن عدوانه، فالصراع الإقليمي الشامل يهدّد بجرّ القوّات الأميركية إلى حرب مع إيران وحلفائها، ما من شأنه أن يعرض البنية الأساسية النفطية في الخليج للخطر، ويهدّد بمزيد من التعطيل للشحن عبر طرق التجارة الحيوية.
يملك بايدن الأدوات اللازمة لكبح جماح نتنياهو. ويتعيّن عليه أن يوقف مبيعات الأسلحة الهجومية إلى "إسرائيل"، خصوصاً تلك التي تُدمّر غزّة ولبنان بلا هوادة. ويمكنه أن يفعل ذلك من دون انتهاك التزام واشنطن بالدفاع عن "إسرائيل"، بما في ذلك توفير أنظمة الدفاع الجوّي. ولكنّ رسالة بايدن يجب أن تكون واضحة، يجب أن يتوقّف القصف وأن يبدأ اليوم التالي. إن لم يحدث هذا، فإنّ الدمار والمعاناة في الشرق الأوسط سوف يعودان ليطاردا الغرب.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.