"لو موند": في غزة عائلات بأكملها هلكت جراء القصف الإسرائيلي

في مقال نشر بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر في صحيفة "لو موند" الفرنسية، تنقل مراسلة الصحيفة شهادات عن سكان أهالي غزة تحت القصف الإسرائيلي الوحشي على القطاع.

  • مشهد للدمار في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر (أ ف ب) 

تحت عنوان: "في غزة، عائلات بأكملها هلكت جراء القصف الإسرائيلي"، استهلت كلوتيلد مرافكو مقالها في صحيفة "لو موند" بشهادة غزاوية دامية تقول: "إبني وابنة أخي وطفل آخر لا يزالون تحت الأنقاض".

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الإثنين 9 تشرين الأول/أكتوبر، تعرضت غزة لقصف مكثف من الطائرات الحربية الإسرائيلية لمدة 24 ساعة تقريباً. عائلة أبو دان تحصنت في منزلها في مخيم البريج وسط القطاع. كل من أفراد العائلة يتفحص هاتفه للتأكد من عدم وصول أي رسالة من الجيش الإسرائيلي تأمرهم بإخلاء المنزل. "لم تُسمع أي طلقة تحذيرية، ولم ترِد أي رسالة نصية، لا شيء. فجأة، سقطت قذيقة، تبعتها أخرى". هذا ما رواه لنا أحمد أبو دان عبر الهاتف ولم يعد من الممكن الوصول إلى غزة منذ يوم السبت.

هذا الفلسطيني البالغ من العمر 43 عاماً هو الناجي الوحيد من إخوته الذين يعيشون في نفس المبنى، كما هو الحال غالباً في غزة. قُتل ابنه ووالده وشقيقاه وغيرهم من أفراد عائلتهم. في الإجمال، لقي 14 شخصاً حتفهم، من بينهم 4 أطفال ومراهقَين. إحدى بنات أخيه كانت حاملاً.

"لقد دفنت حتى الآن 10 شهداء، لكن الأربعة الباقين لا يزالون تحت الأنقاض. أفعل كل ما بوسعي. تم انتشال عائلة أخي. لكن ابني وليد، 22 عاماً، لا يزال تحت الأنقاض، وكذلك ابنة أخي أميرة، 16 عاماً، وأحد أبناء ابنة أخت أخرى، كان عمره 7 سنوات على ما أعتقد. أليس من العار أن يُقتلوا»؟ سأل أحمد وقد امتلأت أنفاسه بالغضب. وفي اليوم التالي، تم دفن الجثث التي عثر عليها تحت الأنقاض على عجل في إذلال من نوع آخر. علق أحمد: "لم تكن جنازة، أخذناهم ودفناهم وغادرنا. وفي هذه الأثناء، كانت الانفجارات فوق رؤوسنا".

وفي يوم الغارة على مبنى عائلة أبو دان في مخيم البريج والمناطق المحيطة به، قُتل 27 شخصاً، بينهم 15 قاصراً، بحسب إحصاء مركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق، وهي 3 منظمات غير حكومية فلسطينية تعمل في مجال حقوق الإنسان. يصف أحمد أبو دان عنف ما حدث؛ "كان الأمر عنيفاً جداً: دمر القصف بنايتنا التي يبلغ ارتفاعها 35 متراً. تخيل أن مبنى من 4 طوابق ينهار عليك. أنا أعيش في الطابق الثالث. سقط كلا الجدارين علي. كنت مرعوباً. ماذا يمكن أن نشعر به في تلك اللحظة؟ الرعب! لقد قرأت الشهادة".

كل انتقال يمكن أن يعني الموت 

نجا 11 شخصاً آخر من أقارب أحمد من بينهم زوجته التي أصيبت بكسر في الورك. في شارعهم، تم قصف منزلهم فقط. لا يستطيع أحمد تفسير ذلك: كان شقيقه عاملاً في "إسرائيل"، لذا كان لديه تصريح لمغادرة غزة، وكان من المستحيل الحصول عليه لو كان لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية أدنى شك حول خلفيته الأمنية أو خلفية عائلته. وكان أحمد نفسه قد ذهب مرتين إلى القدس، حيث عولج ابنه من مشكلة في الرقبة. صحيفة لو موند حاولت التحقق من الجيش الإسرائيلي حول هذا الموضوع لكنه لم يعلق.

أطلقت "إسرائيل" أولى قنابلها على غزة يوم السبت، بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس، الحركة الإسلامية التي تسيطر على السلطة في القطاع، والذي خلف 1200 قتيل في الدولة اليهودية. ومنذ مساء الأحد، لم تتوقف الضربات من السماء والبحر والأرض فلم توفر شيئاً في المنطقة الصغيرة التي يعيش فيها 2.3 مليون نسمة بشكل منعزل. ووفقاً لتقرير مبدئي، قُتل 1200 من سكان غزة. وكما هو الحال مع عائلة أبو دان، تم القضاء جزئياً على الكثير من العائلات في التفجيرات التي أصابت المباني السكنية مثل عائلة أبو قوطة في رفح التي فقدت 19 شخصاً من أفراد أسرتها خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ومنذ ذلك الوقت، لم يعد أحد يجرؤ على المغامرة في الخارج للحصول على الإمدادات. كل خطوة، حتى من شارع إلى آخر، يمكن أن تكون قاتلة. رجال الإنقاذ في الدفاع المدني مرهقون. الهلال الأحمر الفلسطيني أعلن يوم الأربعاء أن 4 من عمال الإنقاذ قتلوا. وطلب أحمد أبو دان من هذه الفرق إخراج ابنه من تحت الأنقاض، لكن وسط الفوضى "ركزوا على الركام من حيث كانت الصراخ يأتي، حيث كان الناس لا يزالون على قيد الحياة".

"قتلوا أثناء نومهم"

يتعثر جابر وشاح قليلاً في كلامه. كانت الليلة مرعبة. في الثالثة من فجر يوم الأربعاء، استيقظ هذا الناشط من منظمة حقوقية على صوت انفجارات ضربت 4 منازل ومباني محيطة بمنزله، في نفس حي أبو دان. فرّ الرجل الغزاوي البالغ من العمر 73 عاماً بقدر ما أسعفته قواه مع والدته البالغة من العمر 94 عاماً وشقيقته التي تعاني من الإعاقة، خوفاً من تعرض منزلهم لقصف آخر. ويقول: "كان الناس في منازلهم، وقُتلوا أثناء نومهم".

بحلول وقت متأخر من الصباح، تم انتشال نحو 10 جثث من تحت الأنقاض، لكن جثثاً أخرى لا تزال تحت الركام. الشوارع وكأنها مُسحت. وقال جابر وشاح إن 4 عائلات استُهدفت، بينهم 4 أطفال. وفي المحافظة الوسطى وحدها، وسط قطاع غزة، قُتل 49 شخصاً، من بينهم 15 قاصراً في التفجيرات الليلية، بحسب ما أفاد مركز الميزان ومؤسسة الحق والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي تحدث عن غارات أخرى عنيفة للغاية طالت مخيم جباليا في الشمال، وكذلك في مدينة غزة وخان يونس ورفح في الجنوب.

وأكدت المنظمات غير الحكومية بأن "فرق الإنقاذ التابعة للدفاع المدني لم تتمكن بعد من الوصول إلى بعض المنازل بسبب نقص الموارد"، مؤكدة أنه في معظم الأحيان لم يتم التأكد من عدد الضحايا.

وقال جابر وشاح إن الجيش الإسرائيلي يضرب "عشوائياً وبشكل متعمد". وتابع: "الناس يخافون من القصف الشامل، عندما تبدأ بمبنى واحد ثم يتبعه الحي بأكمله. الجميع في حالة تأهب. تم تحذير بعض سكان البريج من تعرض منازلهم للقصف، ولم يتم استهدافهم حتى الآن. آخرون لم يتلقوا أي تحذير وتعرضوا للضرب.

آلاف المنازل تعرضت للأضرار. لحق بالجامعة الإسلامية في قلب غزة دمار كبير. أصيبت المؤسسات وسيارات الإسعاف، فضلاً عن المدارس والمباني التابعة للأونروا، وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين التي تأوي اليوم 338 ألف غزاوي هربوا من القصف. وأعلنت الأمم المتحدة مساء الأربعاء 11 الجاري، مقتل 11 من موظفيها منذ بدء الهجوم. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي، الذي كان يقول إنه يستهدف أهدافاً معينة خلال حروبه السابقة يعمد اليوم إلى تدمير كل شيء بسبب ما أصابه. يعلق جابر وشاح: "إنهم يريدون الانتقام بعد ما حدث في 7 أكتوبر".

لا مساعدات طارئة

يلخص أحمد أبو دان مصابه بالقول: "الأيام المقبلة ستكون رهيبة. ليس لدينا مأوى ولا سرير ولا حتى وسادة. ما زلت أرتدي البنطلون والقميص الممزق اللذين ارتديتهما عندما نجوت من القصف. كل مدخراتي وأعمالي أصبحت في مهب الريح". وكانت عائلته قد انتقلت إلى الشقة منذ ستة أشهر فقط. وعلى مدى اليومين الماضيين، مثل الكثير من الناجين الآخرين، كان ينام في المستشفى، حيث يأمل أن يجد المزيد من الأمان. لكن النظام الصحي أيضا على وشك الانهيار. وتوقفت محطة الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل الساعة الثانية بعد ظهر يوم الأربعاء بسبب نقص الوقود. وفي مساء الأربعاء، غرقت معظم الأراضي في الظلام.

منذ يوم الاثنين، لم يدخل أو يخرج أي شيء من القطاع الفلسطيني، الذي يخضع أصلاً لحصار إسرائيلي منذ أكثر من 16 عاماً. ودعت منظمة الصحة العالمية إلى إنشاء ممر إنساني. وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر: "من دون كهرباء، تواجه المستشفيات خطر التحول إلى مشارح. الأطفال حديثو الولادة في الحاضنات والمرضى المسنون الذين يعيشون على الأكسجين معرضون للخطر. غسيل الكلى سيتوقف ولا يمكن إجراء صور الأشعة السينية".

 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.