"مودرن دبلوماسي": ما دور القوى المتوسطة في تشكيل النظام العالمي المتعدد الأقطاب؟
إن النظام الدولي يشهد تحولاً جذرياً من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب، والقوى المتوسطة تساهم في ذلك.
موقع مودرن دبلوماسي الأميركي ينشر مقالاً للكاتبة فريحة بتول، تتحدث فيه عن دور القوى المتوسطة في تشكيل النظام العالمي المتعدد الأقطاب، بدلاً من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
إنّ النظام الدولي يمر بتحول دراماتيكي من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب أكثر تعقيداً وتطوراً. ويتسم هذا التغيير بإنشاء العديد من مراكز القوّة التي يكون لكل منها نفوذ على مجالات مختلفة من الحوكمة العالمية.
ورغم أنّ التركيز في المحادثات حول السياسة العالمية ينصب في كثير من الأحيان على دور القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فإنّ القوى المتوسطة أصبحت أكثر أهمية في تشكيل هذا المشهد المتعدد الأقطاب المتغير.
وتحتل القوى المتوسطة مكانة خاصة في النظام الدولي بسبب دبلوماسيتها الاستباقية واقتصاداتها القوية ونفوذها المعتدل، وهي لا تشارك في الحوكمة العالمية فحسب، بل إنها تصممها أيضاً، باستخدام استقلاليتها الاستراتيجية لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف، واستقرار العالم، وحل النزاعات.
القوى المتوسطة هي دول ذات نفوذ إقليمي كبير وحضور راسخ في الدبلوماسية الدولية، لكنها تفتقر إلى قدرات الإسقاط الشامل للقوة التي تتمتع بها القوى العظمى. وتمتلك هذه الدول غالباً اقتصادات متطورة للغاية وشبكات دبلوماسية معقّدة وقوة عسكرية كافية للتأثير في ديناميكيات الأمن الإقليمي. تشمل الدول ذات القوى المتوسطة جنوب أفريقيا والبرازيل وأستراليا وكوريا الجنوبية وكندا وتركيا.
أحد الأشياء التي تميّز القوى المتوسطة هو استقلالها الاستراتيجي. غالباً ما تنفّذ القوى المتوسطة سياسات خارجية مستقلّة تمثل مصالحها الوطنية وأولوياتها الإقليمية، على النقيض من الدول الأصغر حجماً، والتي قد تتوافق بشكل وثيق مع القوى العظمى لأسباب أمنية واقتصادية. وبسبب استقلالها، غالباً ما تكون قادرة على ملء الفراغات التي خلّفتها القوى العظمى والعمل كمدافعين ووسطاء وبناة تحالفات لتغيير الحكومة العالمية.
تقدّم الدول المتوسطة الحجم مساهمات كبرى في الاقتصاد العالمي من خلال العمل كمحفزات مهمة للتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي. وتتمثل المحاور الرئيسية لاستراتيجياتها الاقتصادية في اتصالاتها التجارية، ومشاركتها في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز التعاون الإقليمي. وتستخدم الدول المتوسطة الحجم نفوذها الاقتصادي للتأثير في القرارات الاقتصادية الدولية، وتدفع في كثير من الأحيان نحو أنظمة اقتصادية دولية أكثر ليبرالية وشمولاً.
إنّ القوى المتوسطة تدعم جهود الأمن الإقليمي وحفظ السلام والوساطة في النزاعات، حتى وإن لم تكن تتمتع بالقوة العسكرية نفسها التي تتمتع بها القوى العظمى. وكثيراً ما تخدم الدول المتوسطة الحجم كقوات لحفظ السلام في مناطقها، فتتجنب الحروب وتحافظ على الهدوء باستخدام قوتها العسكرية واتصالاتها الدبلوماسية.
تعمل القوى المتوسطة غالباً كصانعة سلام ناجحة في النزاعات الدولية، باستخدام نزاهتها وذكائها الدبلوماسي لتشجيع التواصل بين الأطراف المتعارضة. لقد نجحت النرويج في ترسيخ صورتها العالمية كوسيط، بعدما توسّطت في حل النزاعات في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط. والنرويج مثال بارز على الدور الخاص الذي يمكن أن تؤديه القوى المتوسطة في تسوية النزاعات الدولية بسبب أسلوبها في الوساطة الذي يركز على الحلول طويلة الأجل.
في التعامل مع النظام العالمي المتعدد الأقطاب، تواجه القوى المتوسطة صعوبات مختلفة على الرغم من مساهماتها الجديرة بالملاحظة. وتشكّل ضرورة الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية مع إيجاد التوازن مع القوى العظمى أحد الشواغل الأساسية. وكثيراً ما تجد الدول المتوسطة الحجم نفسها في ظروف دبلوماسية صعبة، إذ يتعيّن عليها الموازنة بين المصالح المتضاربة للدول الأكثر قوة. على سبيل المثال، ونظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لكلا الدولتين لمصالحها الأمنية والاقتصادية، يتعين على كوريا الجنوبية أن تدير علاقاتها بعناية مع كل من الولايات المتحدة والصين.
ويتزايد دور القوى المتوسطة أهمية مع استمرار النظام العالمي في التحول نحو التعددية القطبية. هذه البلدان حيوية لاستقرار النظام الدولي وسير عمله بسلاسة بسبب استقلالها الاستراتيجي وتفانيها في التعددية وقوتها الاقتصادية ومساهماتها في الأمن الدولي. ولضمان انعكاس مصالح مجموعة واسعة من البلدان في الحوكمة العالمية، تعمل القوى المتوسطة كصانعي تحالفات ومثبتين ووسطاء.