"Counterpunch": الولايات المتحدة والشرق الأوسط.. سياسة الحسابات الخاطئة

"Counterpunch" يتحدّث عن الحسابات الخاطئة للولايات المتحدة الأميركية في سياستها بالشرق الأوسط، على نحو أودى بها إلى فشل استراتيجي.

  • الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال استقبال جثث الجنود الأميركيين القتلى من جراء الهجوم على قاعدة
    الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال استقبال جثث الجنود الأميركيين القتلى من جراء الهجوم على قاعدة "البرج 22" في الأردن (أرشيف/أ ف ب)

موقع "Counterpunch" يتحدّث عن الحسابات الخاطئة للولايات المتحدة الأميركية في سياستها بالشرق الأوسط، منذ نحو 7 عقود، بما أدى إلى فشل استراتيجي، تمظهر أخيراً في سوء التقدير بما يخصّ الحرب الإسرائيلية على غزة.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية، بتصرف:

تشكل سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مادة لدراسة حيوية عن الحسابات الخاطئة في المجالين السياسي والعسكري التي تؤدي إلى الفشل الاستراتيجي، الذي يلتمسه العالم من مشاهدة الدعم الذي يقدمه الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس حكومة "تل أبيب" بنيامين نتنياهو، مما يجعل الولايات المتحدة متواطئة في حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وهذا أحدث مثالا على الفشل الأميركي وسوء التقدير.

عموما، أدت ممارسة هذه السياسات المعتمدة على الغطرسة العسكرية والتي كانت مصممة لتحقيق ميزة استراتيجية، إلى نتائج عكسية وإلى حالة من الفوضى في المنطقة وفي الخليج، وشرع أبوابها أمام فرص لحركة دبلوماسية متينة لروسيا والصين.

الحسابات الأميركية الخاطئة في الشرق الأوسط بدأت قبل ما يقرب من 70 عاما، حين عرض وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس آنذاك، دعم بناء سد أسوان في مصر ثم تراجع عنه فجأة، بعد أن خضعت دالاس لضغوط القوى اليمينية الأميركية لوقف الدعم المالي للسد، ما حدا الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى تأميم شركة قناة السويس.

العرض الأميركي لمصر أقلق "إسرائيل"، وأدى إلى زيادة كبيرة في الدعم العسكري الفرنسي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولاحقا تآمرت كل من باريس ولندن وتل أبيب لغزو سيناء والسيطرة على قناة السويس، "العدوان الثلاثي"، الذي أيضا أدى إلى مضاعفة الحضور السياسي والعسكري السوفييتي في القاهرة.

رحبت مصر بانتقادات ومعارضة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور لـ"العدوان الثلاثي"، لكن إعلان مبدأ أيزنهاور بعد عام كان انتقادا لناصر وللعلاقات السوفيتية المصرية القوية. أدى مبدأ أيزنهاور إلى دعم "وكالة المخابرات الأميركية المركزية" بشكل سري لمعارضي حكومة القاهرة وزعامة جمال عبد الناصر، فضلا عن عقاب مصر بمقاطعة اقتصادية كانت بمثابة نموذج للعقوبات اللاحقة غير الناجحة في الغالب ضد دول عالم الجنوب مثل كوبا وليبيا، مما فتح فرصا إضافية للنفوذ الدبلوماسي السوفييتي.

لقد خلفت الحروب التي خاضها الرئيسان الأميركيان جورج بوش الأب وجورج دبليو بوش الأبن، عواقب هائلة غير متوقعة، والتي لا تزال تولد مشاكل سياسية وعسكرية للولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة. يعتبر معظم النقاد حرب الخليج عام 1990، والمعروفة باسم عاصفة الصحراء، بمثابة نجاح كبير لحماية المصالح الأميركية، ولكن كان من الممكن تجنب الحرب العسكرية، خاصة وأن الرئيس السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف، قد حصل على موافقة صدام حسين على سحب القوات العراقية من الكويت، لكن الأوان كان قد فات بالنسبة لإدارة بوش التي التزمت باستخدام القوة.

وهذا أدى إلى صعوبات خطيرة لإدارة الرئيس بيل كلينتون في الشرق الأوسط لفترة طويلة من رئاسته التي استمرت لفترتين. علاوة على ذلك، كانت عملية "عاصفة الصحراء" مصدر إلهام لأسامة بن لادن لمهاجمة الولايات المتحدة.

ومن المثير للاهتمام أن بوش الأب ومستشاره للأمن القومي الجنرال برنت سكوكروفت بذلا جهودا جادة لإثناء بوش الابن عن قراره المصيري بالإطاحة بصدام حسين في عام 2003، وتشبيهها بحرب فيتنام باعتبارها أسوأ الحسابات الخاطئة في قرارات أمريكا..

زعم بوش الأب أن استخدام القوة العسكرية الأميركية من الممكن أن يؤدي إلى تمزيق الدولة العراقية والإضرار بتوازن القوى في منطقة الخليج على المدى الطويل، وهو ما حدث بالفعل. ولم يكن لدى الولايات المتحدة حجة حقيقية لشن حرب ضد العراق، لذا فقد اختلقت حجة زائفة حول عدم عن وجود أسلحة دمار شامل، التي ساهم بإعدادها مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت ك "ضربة قاضية" ب "كذبة صريحة"."

كتب سكوكروفت مقالا لصحيفة "نيويوركر" لتذكير بوش الابن بأن إدارة والده كان لديها أسباب وجيهة لوقف الغزو الأميركي على الحدود العراقية في عام 1991. وخلص سكوكروفت إلى أن الغزو الأميركي من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية في العراق وسيتطلب تدخلا أميركيا، ووجودا عسكريا لفترة طويلة.

ربما يكون الرئيس بايدن قد ارتكب خطأ في التقدير أكثر من أي رئيسا أميركيا آخر، حين ظن أن الكميات الضخمة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لـ"إسرائيل" ستؤدي إلى تمكين نفوذ الولايات المتحدة على صنع القرار الإسرائيلي وحرفه إلى الاعتدال في سياساته في الضفة الغربية وقطاع غزة.

على هذا لا يوجد سبب يجعل بايدن يتفاجأ بمعارضة بنيامين نتنياهو، والتي شأنها المساس بمصالح الولايات المتحدة العميقة. وفي الماضي والحاضر كثيرا ما حدد نتنياهو توقيت الإعلان عن المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية خلال الزيارات الرسمية للولايات المتحدة، بما في ذلك خلال زيارتين لبايدن نفسه.

ولقد كان خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في عام 2015 أمام جلسة مشتركة للكونغرس ومجلس النواب من أجل عرقلة الاتفاق النووي الإيراني يجب أن يؤدي إلى عواقب، بالحد الأدنى إلى مراجعة الدعم العسكري الأميركي لـ"إسرائيل" وتقليصه. وكان ينبغي لبايدن أيضا أن يعلم أنه لا يمكنه الحصول على الأمرين معاً، في الأولى ينتقد روسيا في أوكرانيا، في حين يكون متواطئا في الحرب الإسرائيلية غير القانونية وغير الأخلاقية في غزة.

حملة نتنياهو الوحشية ضد الفلسطينيين مستمرة، في حين يواصل بايدن تكرار عبارة أهمية "اليوم التالي" للعدوان على غزة، حيث الحاجة الملحة الآن إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي كأولوية قصوى.

قد يبني بايدن حملته لإعادة انتخابه حول دعمه لأوكرانيا، لكن محاولته قد تفشل بسبب شراكته مع نتنياهو في الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.

نقله إلى العربية: حسين قطايا