"Counterpunch": حرب "إسرائيل" على الأمم المتحدة

يكشف عدد من الحوادث الأخيرة عن النظرة السيئة التي تحظى بها الأمم المتحدة لدى "إسرائيل".

0:00
  • قوات
    قوات "حفظ السلام" في لبنان

موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب بينوي كامبمارك، يتحدّث فيه عن استهداف "إسرائيل" لمواقع قوات حفظ السلام في لبنان وجنوده، وخلفيّات هذا العداء لهذه الجهة الأممية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تُعدّ الأمم المتحدة هيئة يسهل مقتها، وأحياناً تبدو وكأنها بلا قيمة. وقد أُنشئت خلال فترة ما بعد الحرب. وعند تأسيسها، أصبحت الأمم المتحدة رهينة للمؤامرات السياسية وتكتلات القوى التي ابتُليت بها منذ نشأتها. وما يُقلق بشكل خاص هو سعي الهيئة الدؤوب إلى إعداد بروتوكولات القانون الدولي وصياغتها وتنفيذها، ومنها القرارات التي اتخذتها هيئات مختلفة، وأهمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فتتبع الدول هذه القوانين عندما تكون مناسبة لها وتتجاهلها عندما لا تناسبها. 

وتُعدّ "إسرائيل" إحدى هذه "الدول" التي تنتمي إلى فئة صنّاع الأذى. إذ لطالما كانت علاقتها مع الأمم المتحدة متوترة. فعلى سبيل المثال، تعترف رابطة مكافحة التشهير بأن الهيئة قد "أدّت دوراً محورياً في إنشاء الدولة اليهودية من خلال تمرير قرار الأمم المتحدة رقم 181 في عام 1947". ودعا القرار، بعواقبه الوخيمة، إلى "تقسيم فلسطين المنتدبة من قبل بريطانيا إلى دولتين، واحدة يهودية وأخرى عربية". 

لقد عدّت "إسرائيل" القرارات المتخذة ضدها خلال التاريخ، بأنها ظالمة، وأبرزها قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) الذي يؤكد، وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، أنّ "السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط" يشمل انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال حرب الأيام الستة، إنهاء المطالبات الإقليمية، وتأكيد سيادة جميع الدول في المنطقة. كما دعا قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973)، الذي صدر رداً على حرب يوم الغفران بين "إسرائيل" ومصر وسوريا، الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية خلال 12 ساعة وتنفيذ القرار 242 "بجميع أجزائه".

وأتى قرار الأمم المتحدة رقم 2334، الذي تمّ تمريره في كانون الأول/ديسمبر 2016، مؤلماً بشكل خاص، بحيث ضرب الحملة التوسعية لـ"الدولة" اليهودية لبناء مستوطنات في الأراضي المحتلة التي ترقى إلى مستوى الاستعمار الفعلي. وأدان بشكل خاص "جميع الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية وطابع الأراضي الفلسطينية المحتلة وحالها منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية". وشمل، من بين أمور أخرى، توسيع المستوطنات، ونقل المستوطنين الإسرائيليين، ومصادرة الأراضي، وتهجير المدنيين الفلسطينيين.

وبدلاً من النظر إلى مثل هذا الإجراء على أنه تقييم واضح للاعتداءات التي تشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وصفه سفير "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة، داني دانون، بأنّه مكافأة غير ضرورية للفلسطينيين "لمواصلة السير في الطريق الخطير الذي اختاروه" تجنّباً للمفاوضات المباشرة مع "إسرائيل". وعليه، فإن اهتمام "إسرائيل" بهذه النتيجة لا يهم كثيراً. 

ويكشف عدد من الحوادث الأخيرة عن النظرة السيئة التي تحظى بها الأمم المتحدة، ولا سيّما داخل الأوساط المتحاربة في "إسرائيل". وتتعرّض وكالتها التي تساعد الفلسطينيين، "الأونروا"، للتهديد من خلال مشروعي قانونين معروضين على "البرلمان" الإسرائيلي من شأنهما أن يعيقا عملياتها بشكل كبير من خلال طرد الوكالة من مقرها في الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية. كما ستلغي القوانين المقترحة أي امتيازات وحصانات مرتبطة بها. وبعد فشلها في إقناع جميع الجهات المانحة الرئيسة للمنظمة بوجوب وقف تمويلها بسبب امتلائها بالمدافعين عن حماس ونشطائها (لطالما كانت الأدلة واهية في هذا الصدد)، تستخدم الحكومة الإسرائيلية مطرقة قانونية ثقيلة الصنع من "الكنيست".

ويحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنّ إقرار مشاريع القوانين "سينهي فعلياً التنسيق لحماية قوافل الأمم المتحدة ومكاتبها ومراكزها التي تخدم مئات الآلاف من الأشخاص". وبالتالي، فإنّ توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية "سيتوقّف تماماً" في ظل غياب الوكالة. و"سيفقد نحو 600 ألف طفل الجهة الوحيدة القادرة على تعليمهم من جديد، إلى جانب المخاطرة بمصير جيل كامل".

ومع توسيع الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله، تواجه قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) مضايقات مستمرة من قبل "الجيش" الإسرائيلي. وقد شكّلت قوات اليونيفيل، التي أنشأها مجلس الأمن عام 1978 لتأكيد انسحاب "إسرائيل" من لبنان ومساعدة السلطات اللبنانية على استعادة السلام والأمن في المنطقة، مصدر إزعاج دائم لعمليات "الجيش" الإسرائيلي.

وفي بيان صدر في 13 تشرين الأول/أكتوبر، كشفت اليونيفيل أنّ دبابتي "ميركافا" تابعتين لـ "الجيش" الإسرائيلي قامتا عند الساعة 4.30 من صباح ذلك اليوم بتدمير البوابة الرئيسة لموقعها في بلدة رامية، بالقرب من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. فدخلت الدبابات بالقوة، وطلب جنود الاحتلال من القوة إطفاء أنوار القاعدة. "غادرت الدبابات بعد نحو 45 دقيقة عقب احتجاج اليونيفيل من خلال آلية الاتصال الخاصة بنا، مفيدة بأنّ وجود الجيش الإسرائيلي يعرّض قوات حفظ السلام للخطر".

وعند الساعة 6.40 صباحاً، أبلغت قوات حفظ السلام في الموقع نفسه عن إطلاق عدة قذائف دخانية على بعد 100 متر شمالاً. "على الرغم من وضع الأقنعة الواقية، عانى خمسة عشر فرداً من قوات حفظ السلام من تبعات هذه القذائف، بما في ذلك تهيّج الجلد وتفاعلات في الجهاز الهضمي، بعد دخول الدخان إلى المخيم".

وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر، وإصراراً على نهجه المتمثّل في إعاقة عمل قوة حفظ السلام ومضايقتها، أوقف "الجيش" الإسرائيلي "تحرّكاً لوجستياً مهماً لليونيفيل بالقرب من بلدة ميس الجبل، ومنعها من المرور. فلم تتمكّن هذه القوة من إكمال مهمتها". 

ويواصل البيان تذكير "الجيش" الإسرائيلي بالتزاماته بضمان سلامة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وأمنها وممتلكاتها. كما أنّ خرق موقع الأمم المتحدة يشكّل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 (2006)، في حين أنّ أي هجوم متعمّد على قوات حفظ السلام يشكّل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، بالإضافة إلى خرق القرار 1701. 

وفي بيان يحمل لهجة ازدراء، أشار "الجيش" الإسرائيلي إلى أنّ قوات حفظ السلام قد أساءت فهم الانتهاك الوحشي تماماً. وأنّ الدافع وراء هذه الإجراءات كان حَسن النية وهدفه إجلاء الجنود الذين أصيبوا بصاروخ مضاد للدبابات. "ومن أجل إجلاء الجرحى، تراجعت دبابتان إلى الوراء، إلى مكان لا يمكنهما التقدّم فيه في ظل التهديد بإطلاق النار، على بعد أمتار قليلة باتجاه موقع اليونيفيل". وتمّ إنشاء ستار دخاني لتنفيذ عملية الإجلاء، بينما تمّت العملية بأكملها طوال الوقت مع اتصال مستمر مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وبعد فترة من الوقت، أصبحت الأكاذيب بالية ومبتذلة.

غالباً ما يقع على عاتق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهمة تسليط بعض الضوء على هذا التشويش الكاذب. واقترح أن تقوم قوات اليونيفيل بسحب قواتها على الفور من جنوب لبنان. ووجّه رسالة إلى غوتيريش قال فيها: "لقد حان الوقت لسحب قوات اليونيفيل من معاقل حزب الله ومناطق القتال". ومرة جديدة، يمكن للقانون الدولي، الذي يوفّر الشرعية لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة، أن يعامَل كمنديل ورقي يسهل تمزيقه.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.