"Counterpunch": كيف تتمادى العنصرية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟

لقد كانت العنصرية الوحشية الإسرائيلية واضحة للعيان في نظر العالم، لكنها لم تثر قلقاً عند أي من المسؤولين السياسيين الأميركيين.

  • لافتة تحملها إسرائيلية مكتوب عليها
    لافتة تحملها إسرائيلية مكتوب عليها "اقتلوهم جميعاً"

موقع "counterpunch"  ينشر مقالاً للكاتب مايكل شوالبي، يتحدث عن العنصرية الإسرائيلية، وكيف يتم تجاهلها في الولايات المتحدة. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

كثيرة هي الشواهد على ردود الفعل المناهضة للعنصرية في المجتمع الأميركي، الذي يرفض أي تعبير علني عنصري، حتى لو كانت زلة لسان أو مزحة فهي غير مقبولة، وقد تؤدي إلى طرد صاحبها من وظيفته.

هذا ما حدث لجوستين ساكو في العام 2013، المديرة التنفيذية السابقة في شركة علاقات عامة كبيرة في نيويورك، حين غردت مُمازحة حول انتشار مرض الإيدز بين الأفارقة، "سأذهب إلى أفريقيا، وآمل ألا أصاب بالإيدز. أنا أمزح فقط. أنا بيضاء البشرة!". وقد نُدِّد بالتغريدة التي انتشرت على نطاق واسع، باعتبارها عنصرية، وعلى الرغم من اعتذار ساكو العلني طُردت من وظيفتها.

كذلك، لاقت إيمي كوبر مصيراً مماثلاً في العام 2020. وكانت كوبر تتجوّل في متنزه "سنترال بارك" في نيويورك، حين واجهها أحدهم بسبب إطلاق سراح كلبها، فما كان منها إلا الاتصال بالشرطة وزعمت، "هناك رجل أميركي من أصل أفريقي، وهو يساجلني ويهددني وكلبي، أرجوكم أرسلوا الشرطة فوراً". وبسبب هذا السلوك العنصري، أدينت كوبر بشكل علني، وانتهى بها الأمر إلى خسارة وظيفتها أيضاً.

في الشهر الماضي، نشر موقع "ورال الإخباري" ما مفاده أنّ "ملايين الدولارات من صندوق الضرائب الأميركية تذهب إلى شركة متهمة بالعنصرية". وتساءل التقرير عن عدم اتخاذ الدولة أيّ إجراء حتى الآن، وحثّ على وقف دعم الدولة للمؤسسة العنصرية المعنية.

مع ذلك، نرى الآن معياراً مزدوجاً صارخاً يُطبّق في الولايات المتحدة بخصوص التسامح مع العنصرية ودعمها. فلنتخيل نسخة معدّلة من عنوان موقع "ورال" عن أنّ مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين تذهب إلى بلد لا يُتهم بالعنصرية فحسب، بل إنّه، كما يراه كثيرون، تأسس على العنصرية، ولا يزال يمارس نظام الفصل العنصري، ويطلق قادته منذ عقود تصريحات علنية عنصرية بلا خجل ولا ورع. هذه الدولة هي بالطبع "دولة" الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ عملية "طوفان الأقصى"، انتشرت على نطاق واسع تصريحات عنصرية صارخة لمعظم مسؤولي "الدولة" الصهيونية. وكان بنيامين نتنياهو قد شبه الفلسطينيين  بـ "العماليق"، وهم جماعة في الخرافة الإسرائيلية على اللصوص الصهاينة أن يبيدوها بالكامل، وأن لا يتركوا لها أثراً.

وكان وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت، قد اعتبر العدوان على الفلسطينيين في غزة قتالاً ضد "الحيوانات البشرية". ودعا مسؤولون صهاينة آخرون إلى محو غزة من على وجه الأرض، بزعم أنّه لا يوجد مدنيون فلسطينيون أبرياء.

وبتوجيه من هؤلاء، نشر الجنود الصهاينة مقاطع فيديو عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال بهيمنتهم على الفلسطينيين وتدمير منازلهم وحيواتهم.

لقد كانت العنصرية الوحشية الإسرائيلية واضحة للعيان في نظر العالم، بدءاً من أعلى مستويات الحكومة إلى الوحدات العسكرية. ولقد كانت هذه التعابير الضارية محل اهتمام محكمة العدل الدولية، التي عدّتها دليلاً على نية الإبادة الجماعية، ولكنها لم تثر قلقاً عند أي من المسؤولين السياسيين الأميركيين، إلا باعتبارها أحياناً أمثلة على سوء التقدير.

لقد سعى أنصار "الدولة" الصهيونية إلى تفسير هذه التعبيرات عن العنصرية بحق الفلسطينيين باعتبارها نوبات غضب غير معتادة، نتاج الغضب الذي شعر به العديد من الإسرائيليين في أعقاب عملية "طوفان الأقصى". لا ريب في أنّ هذا الادعاء يحمل بعض الحقيقة؛ فالغضب يفضي إلى قول أشياء بغيضة. ولكن تاريخ العنصرية المناهضة للفلسطينيين في "إسرائيل" لم يبدأ في عام 2023، بل إنه في الواقع يسبق تأسيس "دولة" الاحتلال.

كان ثيودور هرتزل، أحد المهندسين الرئيسيين للصهيونية السياسية في أواخر القرن 19، يرى أنّ العرب الأصليين في فلسطين "بدائيون ومتخلّفون"، وفقاً للمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم. وتوقّع هرتزل أن يكون العرب الفلسطينيون ممتنين للازدهار الذي سيجلبه التدفق اليهودي إلى فلسطين. وتماشياً مع الأوهام الإيديولوجية للأجيال السابقة من المستعمرين الأوروبيين، تصور هرتزل أنّ اليهود يستحقّون الثناء لتحملهم عبء "الرجل الأبيض" في تحضر السكان الأصليين.

لقد اختلف الصهاينة الأوائل الآخرون في مدى توقعهم لمقاومة الفلسطينيين لتشكيل دولة يهودية على أرضهم. ولكن الغرب الاستعماري الذي انبثقت الصهيونية من كهوفه السوداء، لم يكن ليهتم بتاتاً بما يريده السكان الأصليون. ومن خلال استخدام القوة العسكرية المدعومة من القوى الإمبريالية الخارجية من بريطانيا، إلى فرنسا، وفي وقت لاحق الولايات المتحدة، ومن خلال التهميش الدبلوماسي للعرب الفلسطينيين، كان الصهاينة يهدفون إلى إنشاء دولة  "إثنوقراطية" اقتلاعية، بغض النظر عن التطلعات الوطنية والقومية للفلسطينيين.

 الحرب العالمية الثانية و"المحرقة" سبقت ومهدت لقيام "دولة" الاحتلال، التي اقتلعت مع تأسيسها 750 ألف عربي فلسطيني من ديارهم وأراضيهم، وهو ما نسميه اليوم "التطهير العرقي" وما أطلق عليه اسم نكبة عام 1948. ومنذ ذلك الحين، ضرب بعرض الحائط حياة الفلسطينيين، من قبل كل حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة، ومارست مستويات مختلفة من العنف لقمع المقاومة الفلسطينية ملتزمة بالمبدأ القائل بأنّ "إسرائيل" يجب أن تكون "دولة" يهودية، يديرها اليهود من أجل اليهود، مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين من النهر إلى البحر. ولم تتخلَّ أي حكومة إسرائيلية عن فكرة مفادها أنّ الرغبات الفلسطينية في الحرية وتقرير المصير يجب إخضاعها وتدميرها إذا لزم الأمر من أجل وجود "الدولة" يهودية.

واليوم، يمثل بنيامين نتنياهو تمثيلاً شاملاً لهذه العنصرية. فقبل أكثر من 30 عاماً، في كتابه "مكان بين الأمم، إسرائيل والعالم"، هاجم نتنياهو العرب على نطاق واسع، وكتب: "العنف منتشر في كل مكان في الحياة السياسية في جميع الدول العربية. إنّه الأسلوب الأساسي للتعامل مع المعارضين، سواء الأجانب أو المحليون، العرب أو غير العرب". ويواصل نتنياهو وصف الإرهاب بأنّه "التصدير الجوهري للشرق الأوسط"، معتبراً أنّ تقنياته وأدواته هي نفسها عند المنظمات والأنظمة العربية التي اخترعته.

ولكي نكون واضحين، فإنّ ما يجعل الصهيونية عنصرية هو افتراضاتها الضمنية بأنّ رغبات اليهود في العيش في حرية وأمان وكرامة لها الأولوية على رغبات الفلسطينيين في الأشياء نفسها، وأنّه من المقبول بالنسبة إلى "دولة" يهودية قوية عسكرياً أن تفرض إرادتها على مجموعة فلسطينية عديمة التسلّح وضعيفة، فهدف الحفاظ على "الدول" اليهودية يتفوّق على حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين.

يعتقد الصهاينة أنّ العنصرية المعادية للفلسطينيين تساعد على إضفاء الشرعية على "دولتهم" واحتلالهم، كما يفعل نتنياهو وغيره لتبرير العنف والاضطهاد اليومي الذي يفرضه نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين، وهو جلي في كل أنحاء العالم، بما فيها الدول الخاضعة للنفوذ الأميركي، فالعنصرية الإسرائيلية المعادية للفلسطينيين واضحة وضوح الشمس، ولا جدال فيها.

ولكن لماذا يتم تجاهل العنصرية الإسرائيلية المعادية للعرب في الولايات المتحدة اليوم، في حين أنّ أشكالاً أخرى من العنصرية غير مقبولة؟ ولماذا لا يتم نبذ "إسرائيل" باعتبارها "دولة" فاشية، كما حدث مع جنوب أفريقيا ذات يوم، بسبب إنكارها لحقوق الإنسان للفلسطينيين وممارساتها الشائنة الإجرامية؟!

إنّ إحدى الإجابات عن هذا السؤال هو أنّ الواقعية السياسية نادراً ما تنحني أمامها الأخلاق والمبادئ عند الدول الغربية. وكما قال وزير الخارجية الأميركي والجنرال السابق ألكسندر هيغ ذات يوم: "إسرائيل أشبه بحاملة طائرات أميركية لا تغرق في الشرق الأوسط"، وهي تفرض قوتها في منطقة ذات أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة إلى الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة. ومقارنة بالمخاطر الجيوسياسية الأكبر التي تتكشف في المنطقة، فإنّ مصير الفلسطينيين ليس مهماً، وإذا تمكن الصهاينة بطريقة أو بأخرى من محو المصدر الفلسطيني المسبب لعدم استقرار "الدولة" الصهيونية، فإنّ العديد من الزعماء السياسيين الأميركيين سوف يكونون في غاية السعادة، بغض النظر عن العنصرية والوحشية الكامنة في هذا الحل القبيح.

وهناك سبب آخر يجعل العديد من الأميركيين على استعداد للتسامح مع العنصرية الإسرائيلية، هو أنّ البلدين ينظر إليهما على أنهما يشتركان في قصة أصل مماثلة، وهو ما يجعل من الجرائم العنصرية الإسرائيلية قابلة للغفران.

وكما سعى المستعمرون الأوروبيون ذات يوم إلى التحرر من "الباباوات" والملوك من خلال إقامة دولة جديدة في أميركا الشمالية، سعى اليهود إلى التحرر من المذابح ومعاداة السامية من خلال إنشاء "دولة" يهودية في الشرق الأوسط. صحيح أنّ بعض السكان الأصليين تعرضوا للأذى في هذه العملية، وهذا أمر مؤسف. ولكن هذه المعاناة تتضاءل عندما تقارن بالفوائد التي جلبتها أميركا و"إسرائيل" إلى العالم. وعلاوة على ذلك، بعد المحرقة، أصبح لليهود حق لا يمكن إنكاره في السعي إلى تحقيق نسختهم الخاصة من القدر المحتوم. بهذه السردية الفاقدة للمنطق والأخلاق والحقوق والقانون، تمضي السياسة في طريق الأسطورة الاستعمارية الاستيطانية، المدعومة بخرافات تلمودية، والغاية تبرر الوسيلة.

يجب عدم غضّ النظر عن أنّ العنصرية المعادية للعرب منتشرة في الولايات المتحدة و"إسرائيل". فالأميركيون يتعرّضون لحملات دعائية مكثّفة لتجذير الصورة النمطية للعرب باعتبارهم إرهابيين، أو متعصبين إسلاميين متجذرين في ثقافة العصور الوسطى الرجعية. ومن ثم فإنّ النظرة العنصرية الإسرائيلية للعرب تفشل في إحداث صدمة في الولايات المتحدة، وتفشل في إحداث صدمة كما ينبغي، لأنّ الوجهة نفسها أصبحت طبيعية هنا. والواقع أنّ "علاقة أميركا الخاصة" بـ "إسرائيل" مبنية جزئياً على هذه العدوى المشتركة بفيروس العنصرية الاستعمارية.

إنّ العنصرية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين تشكل مثالاً صارخاً على نزع الصفة الإنسانية عن الإنسان نتيجة لهذه الوحشية. وهذا ما شهده العالم في غزة خلال الأشهر الـ10 الماضية. بات واضحاً اليوم  لماذا لا ينبغي للعنصرية الإسرائيلية أن تتمادى في الولايات المتحدة، أو في أي مكان آخر.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.