"Counterpunch": هل المسلمون مواطنون من الدرجة الثانية في الغرب؟

إذا لم يتم بذل جهود عاجلة من أجل جعل الخطاب الحالي في الغرب أكثر شموليةً لجميع المجتمعات المتأثرة من الصراع في فلسطين، سيكون من الصعب التعويض عن الضرر لاحقاً.

  • "Counterpunch": هل المسلمون مواطنون من الدرجة الثانية في الغرب؟

موقع "Counterpunch" اليساري الأميركي يتحدث عن التمييز ضد المسلمين في البلدان الغربية، حيث يرون أنفسهم مواطنين من "الدرجة الثانية"، مشيراً إلى وجوب عدم حرمانهم الحق في التعبير السياسي، وضرورة الإصغاء إليهم.

فيما يلي نص المقال مترجماً إلى العربية:

بعد نحو عقدين من أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لا يزال المسلمون يشعرون مرَّةً أخرى أنَّهم مواطنون من الدرجة الثانية في الغرب. وعندما ينظرون إلى محنة المدنيّين في فلسطين، لا يسعهم إلا أن يشعروا بأنّ حياة الفلسطينيّين لا تساوي حياة الإسرائيليّين. إنَّ كلمات التَّعاطف التي أطلقها الرئيس الأميركي، جو بايدن، تبدو جوفاء، خاصةً لعدم تطابقها مع أقواله. فهو لا يستطيع أن يتعاطف بصدق مع أولئك الذين قُتلوا أو جُرحوا في الهجوم على مستشفى الأهلي في غزة، بينما يستخدم حق النقض في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، بهدف منع صدور قرار يدعو "إسرائيل" إلى وقف النار، والسَّماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة.

لا يستطيع بايدن أن يزعم، أنّه لا يوجد مكان للكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، ومع ذلك فهو يثير "هستيريا الحرب" بزعمه الكاذب، بأنّه رأى صور أطفال تقطع رؤوسهم على أيدي مقاتلي حماس. وقد تراجع المتحدّث باسم البيت الأبيض عن هذا الزّعم لاحقاً، ولكن بعد أن وقع الضّرر. وسائل الإعلام نقلت هذا الزّعم باستفاضة، ونُقلت صورة الفلسطيني الهمجي المتوحش، وأُثيرت المشاعر، حيث تعرَّض صبي فلسطيني أمريكي (6 أعوام)، للطَّعن حتى الموت، على يد مالك منزل عائلته في شيكاغو. 

وفي الوقت نفسه، صرّح السّيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، على قناة "فوكس نيوز" قائلاً: "نحن في حرب دينية، وأنا أقف مع إسرائيل، من دون اعتذار".

وهذا هو نوع الخطاب التحريضي الذي تمَّ تشجيعه في "الحزب الجمهوري"، ليس فقط خلال فترة إدارة دونالد ترامب السابقة، بل في مرحلة رئاسة جورج بوش الابن أيضاً، الذي  شنّ حروباً على أفغانستان والعراق. ومع ذلك، هذه المرة، لم يقتصر إصدار النغمات الدينيَّة على الجمهوريين وحدهم.

وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، استهلَّ كلمته في "تل أبيب" بأنّه حضر إليها "بصفته يهودياً"، وليس بصفته الرسميَّة فقط، تأكيداً على"إسرائيليته".

مثل هذه اللغة ينفّر المسلمين بشدة. من المفهوم أن يسعى الغرب لضمان مصالحه عبر ضمان أمن "إسرائيل"، لكنّ المهاجرين المسلمين إلى الغرب يريدون أيضاً الأمان لأحبائهم، ولا يريدون أن تُشنَّ الحروب في بلدانهم الأصلية.

فالمعايير المزدوجة تصبح واضحةً للغاية عندما يتمُّ سماع جانب واحد فقط، ويتمُّ إسقاط الجانب الآخر باستمرار. إنّه يجعل المسلمين يتساءلون عمّا إذا كان سيتمُّ السَّماح لهم بالتَّعبير عن أنفسهم بصورة مناسبة، أو التأثير على سياسة الحكومة.

تجاوز الجيل الثّاني والثّالث من المسلمين في الغرب الدّراسة في المجالات التَّقليدية، مثل الطب والهندسة، التي تبنّاها آباؤهم في العقدين الماضيين، وولجوا إلى عالم السياسة والصحافة والأوساط الأكاديمية وصناعة الرأي العام. مع ذلك، شعر الكثير منهم في الأسبوع الماضي، إما بالعجز أو بالخوف.

عضو الكونغرس الأميركي، رشيدة طليب، الوحيدة من أصل فلسطيني بين زملائها، غرَّدت في موقع "إكس": "لا أستطيع أن أصدّق أنني يجب أن أتوسَّل بلدي وزملائي في الكونغرس لكي يقدّروا حياة كلّ إنسان، بغضّ النظر عن عقيدته أو عرقه".

قام الوزير الأول في إسكتلندا، حمزة يوسف، وهو من أصل باكستاني وزوجته من أصول فلسطينية، بنشر عدة مقاطع فيديو لوالدَي زوجته العالقين في غزة، مع القليل من الطعام والماء، لكنه يبدو عاجزاً بالقدر نفسه عن إقناع زملائه في حكومة المملكة المتحدة لوقف الأزمة الإنسانية في غزة، في وقت سارع فيه رئيس الوزراء، ريشي سوناك، إلى "إسرائيل" بهدف إظهار دعمه، ولم يتواصل مع حمزة يوسف من أجل التعبير عن قلق أو اهتمام بمصير عائلته على الأقل.

الحكومة اليمينية في المملكة المتحدة، وحكومة فرنسا "الوسطية"، مع الإدارة ليسار الوسط في الولايات المتحدة، تجتمع حول التَّوجه نفسه في السياسة الخارجية، حيث يغيب العدل ويحضر الكيل بمكيالين، ما يجعل العديد من المسلمين في الغرب يشعرون بالغضب، وكأنهم وقضاياهم السياسية أيتام على طاولة الحكام.

يتزايد الشعور بخيبة الأمل بين المسلمين في المملكة المتحدة، من المعارضة والحكومة على حد سواء. وفي الأيام القليلة الماضية، استقال العديد من المستشارين المسلمين من "حزب العمال"، لأنَّهم شعروا أنّ التَّصريحات التي أدلى بها زعيم الحزب، كير ستارمر، المؤيّدة لـ"إسرائيل"، لا تمثّلهم.

الصحافيون المسلمون في الغرب، معرَّضون لخطر فقدان وظائفهم في حال تجرأوا على التشكيك في السردية السائدة بشكل دوغمائي بشأن أحداث غزَّة. آدم المحرق من صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" اعترض على سبيل المثال، على ادّعاءات "الأطفال المقطوعي الرؤوس"، وأشار إلى أنَّها "لم يتم التَّحقق منها ومشكوك فيها"، لكنه تعرض للنقد الواسع من قبل زملائه، ولحملة افتراء على شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفه واعتباره من مناصري حركة "حماس".

ويواجه الطلاب في الجامعات الغربية أعمالاً انتقاميةً في حال مساندتهم مظالم  الشعب الفلسطيني. في الولايات المتَّحدة أصبحت عروض العمل المقدَّمة لطلاب جامعتي "هارفرد" وكولومبيا، تستثني من لديهم وجهة نظر مختلفة عن الخطاب السائد بشأن "الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني"، بحجة أنّ مواقفهم لا تتماشى مع آراء أصحاب العمل المحتملين، حيث يطلب أصحاب الشركات قوائم بأسماء هؤلاء، من أجل تعريض مستقبلهم المهني للخطر. 

الطبيب البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي يعمل في غزَّة من أجل المساعدة في الأزمة الإنسانية، اشتكى من إرسال شرطة مكافحة الإرهاب الإنكليزية إلى منزله في لندن بهدف مضايقة أفراد عائلته. وكانت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، قد حاولت تجريم التلويح بالعلم الفلسطيني، بينما حظرت فرنسا وألمانيا مسيرات التضامن مع فلسطين.

بالنسبة للمسلمين الذين بلغوا من العمر ما يكفي ليتذكَّروا أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، فإنّ هذا يًعدُّ بمنزلة تجربة سابقة. لكن الفرق هذه المرة هو أنّ وسائل الإعلام الغربية لم تعد تحتكر الأخبار. هناك قنوات إنكليزية بديلة  تركّز على الأزمة الإنسانية الخطرة في غزة، كما تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للعالم مشاهدة مقاطع الفيديو التي سجّلها المتضرّرون مباشرةً.

بينما تتدفّق الأخبار من المصادر المختلفة، يتم التعاطف معها أو نقدها فارضةً على الغرب الانتباه إلى ما يمكن أن يؤدّي إلى استقطابات حادة، تقسم المجتمعات المتعدّدة الثقافات بصورة خطرة. وإذا لم يتم بذل جهود عاجلة من أجل جعل الخطاب الحالي أكثر شموليةً لجميع المجتمعات المتأثرة من الصراع الحالي، سيكون من الصعب الإصلاح لاحقاً، لا سيما أنّ التّغيرات الديموغرافيّة في العقدين الماضيين أدت إلى وجود أعداد كبيرة من السكان المسلمين في أبرز العواصم الأوروبية.

ويبلغ عدد السكان المسلمين في لندن وباريس نحو 15%، وبروكسل 25%، وبرمنغهام 30%، وفي بعض المدن في فرنسا تصل النسبة إلى 50%. ومن غير المستدام ببساطة حرمان مثل هذه المجموعة الكبيرة من الحق في حرية التعبير السياسي والكلام. ويجب الاستماع والإصغاء إليهم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.