"Slate": لماذا مكالمة ترامب الهاتفية مع نتنياهو مقلقة؟
يُحظر قانون لوغان الصادر في عام 1799، على المواطنين الأميركيين غير المسؤولين الرسميين، إجراء على نحو مُباشر أو غير مُباشر أي مراسلات أو اجتماعات غير مُصرّح بها مع أيّ حكومة أجنبية، خاصّة بما يتعلّق بأيّ نزاعات أو خلافات مع الولايات المتّحدة.
مجلة "Slate" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب فريد كابلن، يتحدث فيه عن اتصال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تحدّث دونالد ترامب أمام حشد من أنصاره عن مهاتفته رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو، الذي أبلغه أنّه تجاهل تحذير الرئيس جو بايدن بإبقاء "الجيش" الإسرائيلي خارج رفح في جنوب قطاع غزّة، وهذا ما أدّى إلى تحييد زعيم حركة "حماس" يحيى السنوار في تبادل لإطلاق النار في المنطقة. وأضاف ترامب أنّ نتنياهو طلب منه النصيحة حول كيفية الردّ على الهجوم الصاروخي الإيراني، ليردّ عليه، "افعل ما عليك القيام به".
يُحظر قانون لوغان الصادر في عام 1799، على المواطنين الأميركيين غير المسؤولين الرسميين، إجراء على نحو مُباشر أو غير مُباشر أي "مراسلات أو اجتماعات غير مُصرّح بها مع أيّ حكومة أجنبية، خصوصاً بما يتعلّق بأيّ نزاعات أو خلافات مع الولايات المتّحدة. وقد كان الهدف من القانون الذي يُجرّمُ المخالف بعقوبة تصل إلى 3 سنوات في السجن وغرامة مالية، حماية موقع الرئيس بموجب المادّة الثانية القسم 3 من الدستور الأميركي، باعتباره الممثّل الوحيد للولايات المتّحدة في التعامل مع الدول الأجنبية. لكن، نادراً ما طبّق قانون لوغان، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ القانون يحمي التمثيل السياسي للرئيس، لكنّه يتعارض مع حرّية التعبير إذا تمّ تفسيره حرفياً، ويمكن أن يُجرّم الزيارات التقليدية للمشرّعين الأميركيين للقادة الأجانب، أو لجماعات الضغط المحلّية أو حتّى الصحفيين.
مع ذلك، هناك أسباب واضحة لمنع مثل هذا الاتّصال من قبل مُرشّح رئاسي معارض في موسم الانتخابات وسط أزمة خارجية مُثِيرة للجدل للغاية. وقد لاحظ العديد من الرؤساء الأميركيين خلال العقود المنصرمة، حين تقترب نهاية فترة ولايتهم، أنّ البلاد لديها رئيس لا يزال في البيت الأبيض ورئيس فائز بالانتخابات وهذا من شأنه أن يصنع الفوضى، ويمكن أن يُقوّض سياسة الولايات المتّحدة، إذا بدأ الفائز في الانتخابات يتصرّف كما لو كان بالفعل في السلطة خلال شهرين ونصف الشهر قبل يوم التنصيب، وسيكون الضرر أكبر إذا كان المرشّح لم يفز بالانتخابات بعد.
بعد الأحداث الأخيرة المتسارعة في الشرق الأوسط، رأى العديد من المعلّقين احتمال أن تكون الأبواب مفتوحة أمام مسارات جديدة نحو وقف إطلاق النار للحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان. وعليه، أعاد بايدن وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة لمحاولة استئناف المفاوضات، لكنّ نتنياهو تجاهل "تحذيرات" بايدن بشأن القيود المفروضة على استخدام السلاح الأميركي في قتل المدنيّين الأبرياء، فربّما يكون قد فعل ذلك استجابة لطلب ترامب، "لا تقبل أي اتّفاق لوقف إطلاق النار يُقدّمه بايدن، إذا فزت في الانتخابات فسأقدّمُ لك صفقة أفضل".
هناك سابقة قبيحة مماثلة ووثيقة الصلة بهذا الموضوع. ففي عام 1968 كانت الحرب الأميركية على فيتنام مُستعرة، والمظاهرات والاحتجاجات الشعبية المناهضة للحرب تملأ الشوارع الأميركية. وكان الرئيس ليندون جونسون قد أعلن عن عدم عزمه الترشّح لولاية جديدة، بينما حصل نائبه هوبرت همفري على ترشيح الحزب الديمقراطي، حاول جونسون إطلاق مُحادثات سلام لإنهاء الحرب في (الهند الصينية)، لمساعدة همفري على الفوز في الانتخابات. لكنّ المرشّح المنافس من الحزب الجمهوري ريتشارد نيكسون اكتشف الأمر، ومن خلال وسيط هاتف الرئيس الفيتنامي الجنوبي نجوين فان ثيو لإلغاء الجلسة الأولى من المحادثات المزمعة، وأبلغه إذا فاز فسيحصل على صفقة أفضل. انسحب ثيو خسر همفري بهامش ضيّق أمام نيكسون، واستمرّت الحرب لمدّة 7 سنوات أخرى ،ما أدّى إلى مقتل 20000 أميركي إضافيّ.
لم يعلم الجمهور أنّ جونسون كان على علم بمخطّط نيكسون، ربّما من خلال اعتراضات وكالة الأمن القومي للمكالمات الهاتفية لـ "الوسيط"، وكان يُفكّر بجدّية في نشره، باستثناء أنّه كان يفتقر إلى دليل قوي على أنّ نيكسون نفسه كان وراء ذلك. على مرّ السنين كشف العديد من المراسلين، بما في ذلك درو بيرسون وسيمور هيرش، عن المزيد والمزيد من تفاصيل المؤامرة. وفي عام 2017، عندما كشف جون فاريل نيكسون، كاتب سيرة ريتشارد نيكسون بإشارة صريحة إلى مؤامرة لضرب همفري من خلال وقف مُحادثات السلام في فيتنام حينها.
من المحتمل جدّاً أنّ مُحادثات فيتنام لم تكن لتصل إلى أيّ مكان، حتّى من دون تدخّل نيكسون، تماماً كما إنّه من الممكن أن تكون فرص وقف إطلاق النار في غزّة والتي من المرجّح أن تعزّز آفاق كامالا هاريس الانتخابية قاتمة، بغضّ النظر عن مكالمة ترامب الهاتفية. ومع ذلك، فالنوايا تعكس طبيعة الجريمة، ولقد كانت نية نيكسون شرّيرة مثل أيّ خطأ شائن ارتكبه لاحقاً في فضيحة "ووترغيت"، وإذا طلب ترامب من نتنياهو رفض السلام حالياً في غزّة، فقد أكّد أيضاً على شخصنة السلطة قبل كلّ شيء آخر، لو عن طريق الحرب والعنف والقتل.
يقول الكاتب بوب وودوارد في كتابه "الحرب"، عن أنّ ترامب خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية مُنذ مغادرته البيت الأبيض، أجرى 7 مُحادثات هاتفية خاصّةً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في واحدة على الأقلّ من تلك المناسبات، طلب ترامب من مُساعده، الذي نظّم الاتّصال بأن يغادر الغرفة بمجرّد دخول بوتين على الخطّ. ونتيجة لذلك، لا يعرف وودوارد ما الذي كان يدعو إليه ترامب، الذي كان إعجابه ببوتين يكتنفه الشكّ. لن يكون من المبالغة تخيّل التهوّر لكيفية تعامل ترامب مع الحرب في أوكرانيا. ولقد أخبر رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الأكثر تأييداً لروسيا في حلف شمال الأطلسي، أنّ خطّتَه لإنهاء الحرب تنطوي على قطع جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وفي حال فوزه، سيبدأ في اتّخاذ إجراءات لإنهاء الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط بعد الانتخابات مباشرة، حتّى قبل التنصيب. ولا يبدو أنّ ترامب يعتقدُ أنّ هناك خطباً ما في هذا. كما إنّ زميله في الترشّح جي دي فانس، الذي قال بعد صدور كتاب وودوارد، "حتّى لو كان ذلك صحيحاً، فهل هناك خطأ في التحدّث إلى قادة العالم".
من الواضح أنّ هناك الكثير من الأخطاء إذا تمّ الاتّصال من دون استشارة المسؤولين عن الدبلوماسية الأميركية، خصوصاً إذا كان يمنح الخصم ميزة في حروبه، أو كما يُشرع قانون لوغان، "أي نزاعات أو خلافات مع الولايات المتّحدة".
من المحتمل أن تكون هناك تسجيلات لمحادثات ترامب الهاتفية مع نتنياهو ومع بوتين، في أرشيف وكالة الأمن القومي الخاصّ بالمحادثات مع القادة الأجانب، التي عليها أن تنشرها كي يستمع الجميع وينتبهوا إلى اختراقات الصالح العامّ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.