"The Nation": أبعدوا يدي توني بلير الملطّخة بالدماء عن غزّة بأيّ ثمن
توني بلير يجب أن يكون في لاهاي، لا مسؤولاً عن مستقبل فلسطين.
-
"The Nation": أبعدوا يدي توني بلير الملطّخة بالدماء عن غزّة بأيّ ثمن
مجلة "The Nation" الأميركية تنشر مقالاً ينتقد المقترحات الدولية الأميركية-الإسرائيلية (بما في ذلك خطة تُروَّج باسم "إعادة الإعمار" وتديرها تكنوقراطية مؤقتة) ويدين مشاركة شخصية مثل توني بلير في هذه الخطة، معتبراً ذلك تكراراً للإرث الاستعماري والجرائم السابقة (مثل العراق).
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد أدى سحق "إسرائيل" لقطاع غزّة لمدة عامين إلى تسريع تحول العالم إلى مكان يسود فيه الخبث والفساد، حيث يطلب من الشعوب أن تقلب بوصلتها الأخلاقية رأساً على عقب على التوالي.
لا، ليس ذبح الفلسطينيين الممنهج دفاعاً عن النفس، كما تريد وسائل الإعلام العالمية الرئيسية والسياسيون وأنصار الإبادة الجماعية أن يصدق العالم. كما أن تدمير مجتمعاتٍ بأكملها ومستشفيات ومنازل ومدارس ومواقع دينية بلا رحمة ليس عمليةً معقّدةً لاستعادة الأسرى. كذلك هو إسقاط أكثر القنابل تطوراً في العالم على الفلسطينيين المحاصرين، الجائعين والمشردين بلا نهاية كلَّ 8 دقائق، وخلق مجتمعٍ لديه أعلى عدد من الأطفال المبتوري الأطراف في العالم، هو إبادة متعمّدة ودقيقة وليست حرباً.
هذه هي الحقيقة الآن ولا حاجة إلى تأويل أيّ من هذا الوضوح، أو على الأقل ينبغي أن يكون كذلك، حيث أصبح غير المقبول مجرداً من السّمات المقبولة، بل ويُمدح في أكثر الأحيان. وفي هذا السياق تصبح الحلول للمعاناة التي لا تُوصَف بالقدر نفسه "أورويلية"، التي تقودنا إلى رئيس وزراء بريطانيا السابق الملطّخة يداه بالدماء ومجرم الحرب الأبدي توني بلير.
لقد أصبحت غزة مكاناً لا يمكن لأي إنسان أن يعيش فيه. وهذا ما وعد به المسؤولون الإسرائيليون، وهم ملتزمون بالمهمة بدم بارد. والآن يزعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي واصل سياسة سلفه جو بايدن في تسليح وتسهيل المجزرة، أنّه قد توصل فجأة إلى حل للمذبحة التي يُساعد على التسبب بها. وفي الأسبوع الماضي أعلن عمّا يسمى بـ"خطة السلام" المكوّنة من 20 نقطة في ظهورٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبتواضع مميز وصف ترامب ذلك بأنّه "قد يكون أحد أعظم الأيام للحضارة على الإطلاق".
جزء من الخطة يتضمن وضع غزة تحت لجنة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة مكلفة بإدارة الخدمات العامة اليومية والبلديات، بينما يصبح القطاع "منطقة خالية من الإرهاب ومجردة من التطرف"، مع وعد بالالتزام بخطة تنموية اقتصادية لإعادة "بناء وتنشيط غزّة من خلال لجنة من الخبراء الذين ساعدوا على ولادة بعض المدن الحديثة المزدهرة في الشرق الأوسط"، إلى جانب قوة تحقيق الاستقرار الدولية المؤقتة التي ستُنشَر فوراً، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والشركاء العرب.
والإشراف على كل هذا سيكون من "مجلس سلام" دولي يرأسه ترامب إلى جانب شخصيات بارزة أخرى، من بينها توني بلير. فعلى ما يبدو أن تصورات كاتب السيناريو "الحل" الإمبراطوري النموذجي للإبادة الجماعية، الذي يتضمن كلماتٍ طنّانةً استفزازية مثل "خطة التنمية" و"التكنوقراط"، ستشمل توني بلير — ستكون هذه، بدلاً مما هو ملائم أكثر مثل "جزّار أطفال الشرق الأوسط يدعم المشروع الاستعماري الجديد"، بينما يتألق القتلة المتعطشون للحرب لإلحاق المزيد من البؤس بالمنطقة.
من جانبه، أشاد بلير بالأمر وقال: "لقد وضع الرئيس ترامب خطة جريئة وذكية، ووفر لنا أفضل فرصة لإنهاء عامين من الحرب والبؤس والمعاناة". نغمة بلير في التكلم مخيفة مثل نغمة رجل يرى البشر كقطعٍ على رقعة الشطرنج يمكن تحريكها والتحدث باسمها وتحديد مصائرها من الأعلى. وهذا أمر حقيقي، لأنّ أيّ شخص عاش خلال الفظائع الأخرى التي ألحقها بلير بالعالم سيكون متأكّداً من ذلك تماماً.
"ليس لدي شك في أنّ العراق أفضل من دون صدام، ولا شك أيضاً أنّ إزاحته عن الحكم تخفف مخاطر التهديد الذي نواجهه. أفضل دفاع عن أمننا يكمن في نشر قيمنا". هذه كلمات بلير في عام 2004، حيث برّر الغزو غير القانوني للعراق. وقد تحدث بشكل مقيت بعد ذلك عن سكانٍ بأكملهم، وادعى أنّه يعرف ما هو الأفضل بالنسبة لهم، وأمامنا التاريخ يوضّح ذلك؛ حيث قُتل مئات الآلاف من العراقيين بوحشية، ومات مئات الآلاف من الآثار اللاحقة، ونزح الملايين وأُجبروا على الفرار من وطنهم، وهو البلد الغنيّ بالتاريخ والتراث، والذي تغيّر مساره بقدرٍ لا رجعة فيه.
بلير أحد المهندسين الرئيسيين لهذه الجريمة، وهو لا يكتفي بالهروب من المساءلة فحسب، بل يظهر وجهه ويعرض خدماته في المنطقة كدليل على وقاحته التي لا تُصدّق. كان بإمكان بلير أن يختار أن يتعلّم من التاريخ، وربما كان بإمكانه أن يدرك أنّه ليس من حق القوى الإمبريالية الغربية أن ترسم الحدود وتقطع الأراضي كما تشاء،أو أنّ الذين نفّذوا وسهّلوا المسح الشامل للعمران وتدمير شعبٍ بأسره ينبغي عدم الوثوق بهم لوضع أفكارٍ لمستقبلهم المزدهر كما يزعمون. كما أنّ الدولة والحرية ليستا هديتين مشروطتين وفق معايير مصنوعة كبدلات الرجال الذين يتخذون القرارات. بدلاً من ذلك، ينظر بلير إلى التاريخ، وقد رأى الإرث الشرير لاتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور، ورأى خطوطاً تُرسم وأفكاراً تُنفّذ من دون موافقة السكان المحليين، وقرّر أنّه لا يوجد وقت أفضل من الحاضر لتقليد ماضيه الفاسد مرةً أخرى.
بلير مؤهّل بشكلٍ مفرطٍ لسوق دول الشرق الأوسط نحو اليأس. وهو غير قادر على فهم حتى ديناميكيات القضية الفلسطينية والصراع من أجل التحرر من المدار الاستعماري الإسرائيلي. وعندما ترك منصبه في عام 2007، شغل بلير منصب مبعوث الشرق الأوسط للرباعية الدولية، المشكلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، وكُلِّف بجلب التنمية الاقتصادية إلى فلسطين وخلق الظروف لحلّ الدولتين، ثم ترك هذا المنصب في عام 2015.
تلك السنوات الثماني لتوني بلير في الرباعية تميّزت بالجمود، حيث تلاشى حلّ الدولتين أكثر فأكثر، وترسّخ واقع الفصل العنصري الإسرائيلي، وتصاعد احتلاله وخنقه للحرية الفلسطينية، بينما ازداد بناء المستوطنات غير القانونية فوق الأراضي الفلسطينية، وزاد عدد المستوطنين الذين يسرقون الأرض بلا هوادة. كما تعرّضت غزّة لثلاث حملات قصف مدمّرة خلال فترة بلير تلك بين أعوام 2008 و2012 و2014.
الدور الوحيد الذي أدّاه توني بلير في دعم الفلسطينيين هو حالة العذاب المستمر، حيث تتردّد الكلمات القوية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى: "أنتم لا تعنون محادثات سلام، بل تطلبون منا الاستسلام والخضوع".
الفلسطينيون في غزّة في خضمّ عملية إبادة جارية، ويفرض عليهم أنّهم من يجب أن يتنازلوا ويتخلوا عن حقوقهم، بينما تنافق القوى الخارجية بمدّها الفلسطينيين بالدواء المرّ بوعدهم بالسيادة الوطنية ونوعٍ من "الأفق السياسي"، ولكن فقط عندما يُوفَّى بالشروط التي ترضي المحتل؛ فأرضهم، حياتهم، مستقبلهم ليست بيدهم.
ثمّة أسئلة معقّدة ومهمة تشكّل أساس الحياة. ما هي أفضل السبل لخلق بيئة تمكّن الفلسطينيين من التعافي وإعادة البناء بعد كارثة غزّة، وكيف يمكن إدارة المصاعب العميقة التي أصابت سبل العيش للفلسطينيين، وكيف يمكن تحقيق دولة شرعية والتحرّر من قيود الاحتلال والتشريد المستمر؟ بالطبع هذه ليست الأسئلة التي ينبغي لبلير أن يشغل نفسه بها؛ فحين يكون السؤال من هو مجرم الحرب الذي يجب أن يقضي بقية حياته خلف القضبان، فإنّه يستطيع أن يتقدّم إلى الأمام.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.