علينا أن نستغل ولاية ترامب ونضم غور الأردن

إن كل تقييم أمني يحاول تقدير النوايا والقرارات السياسية (على خلاف معطيات القوة) – يعتمد دائماً على الرؤية السياسية، والموقف السياسي، ورغبات صاحبه. وليس على المعلومات الدقيقة. لكن الكراهية لإسرائيل التي تنضح من التصريحات الأردنية تزود هؤلاء الخبراء ببرنامج قوي لتقديراتهم.

  • علينا أن نستغل ولاية ترامب ونضم غور الأردن
    علينا أن نستغل ولاية ترامب ونضم غور الأردن

 

العلاقات هي الأسوأ من أي وقت مضى

هذا الأسبوع، عاد موضوع ضم غور الأردن ليشغل من جديد جدول الأعمال العام. فقد وضعه نتنياهو هناك كتبرير هام للحاجة لإقامة حكومة وحدة وطنية، وذلك بهدف عدم تفويت الفرصة التاريخية لضم غور الأردن، وللتوقيع على حلف دفاعي مع الولايات المتحدة الأمريكية ولمواجهة التهديد الإيراني.  

هذه هي مواضيع ثلاثة هامة. والتهديد الإيراني هو الأخطر من بينها. فقد رأينا ما الذي ألحقه الإيرانيون بصناعة النفط السعودية بمساعدة الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة. ولكن (بنيامين) نتنياهو و (أفيف) كوخافي (رئيس هئية أركان الجيش الإسرائيلي) ليسا بحاجة إلى ثلاثة من رؤساء هيئة الأركان المتقاعدين حتى يواجهوا الإيرانيين (في إشارة إلى حكومة الوحدة مع حزب "كاحول لافان" الذي يضم ثلاثة رؤساء هيئة أركان سابقين في الجيش الإسرائيلي وهم بيني غانتس وموشيه يعالون وغابي اشكينازي – المترجم) . فالأمر الأخير الذي يحتاجه نتنياهو في مثل هذه الأزمة هو أشخاص من ذوي الخبرة الذين يقدمون له النصح. لأنه في حالة تحقيق النجاح فإنهم هم من سيجنون ثمار المجد، وفي حالة الفشل فإنه سيضطر لتقديم توضيحات حول أسباب عدم الأخذ بتوصياتهم.  

يبدو، للوهلة الأولى، أن التوقيع على حلف دفاعي مع الولايات المتحدة الأميركية يوفر لإسرائيل مظلة حماية قصوى في وجه كل التهديدات، لكنه يضم بين طياته عيوباً خطيرة. الرئيسي من بينها هو زيادة الارتباط والحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة لكل عملية عسكرية، بينما نحن اليوم، في أسوا الأحوال، علينا أن نطلعهم عليها في وقت مبكر، وليس الحصول على الإذن. والتاريخ الحديث يثبت أنه يتم احترام الاتفاقيات الدفاعية فقط إذا كان في ذلك مصلحة مباشرة وفورية للأطراف. فالاتفاق الدفاعي والحلف العسكري بين فرنسا والتشيك لم يدفع فرنسا إلى تقديم العون للتشيكيين عندما قام الألمان بغزو بلادهم عام 1939. وإذا ما أراد الرئيس تقديم المساعدة لإسرائيل في حالة المواجهة مع إيران فإنه سيفعل ذلك سواء كان هناك اتفاق دفاعي أم لم يكن. وإذا ما قرر بأنه لا يريد التدخل، فإنه سيسأل أين كان الجنود الإسرائيليون يوم غزو النورماندي. والولايات المتحدة الأميركية لم تساعد إسرائيل عشية حرب الأيام الستة، لكنها شغّلت قطاراً جوياً لنقل الأسلحة في حرب يوم الغفران. ولم نطلب مطلقاً، في يوم من الأيام، أن يأتي الجنود الأمريكيون ويحاربوا إلى جانبنا.

إلا أن الموضوع الثالث الذي استله نتنياهو – ضم غور الأردن، والذي يتطلب من وجهة نظره إقامة حكومة وحدة وطنية – هو الموضوع المدحوض بشكل أكبر من بقية المواضيع. فنتنياهو يعرف جيداً أنه ليس بحاجة إلى أغلبية في الكنيست من أجل ضم غور الأردن. وهو ليس بحاجة إلى الكنيست مطلقاً. وليس هناك حاجة إلى سن تشريع خاص بذلك. إذ يقول "مرسوم الإدارة والقضاء" الصادر عام 1948، وبشكل أدق البند 11/ب (الذي أُضيف إلى القانون عام 1967 وبقوته تم ضم القدس الشرقية)، يقول: "يتم تطبيق قانون وولاية وإدارة الدولة على كل منطقة من أرض إسرائيل تحددها الحكومة بمرسوم منها". وباستطاعة نتنياهو أن يعقد جلسة للحكومة والتصويت ونشر المرسوم. هذا هو كل شيء. وحزب "كاحول لافان" يؤيد ذلك. وسبق وأن نُشر أنهم عندما حاولوا حشد تأييد "اليمين الجديد"، الذي يترأسه بينيت، وعدوه بضم غور الأردن. واليسار والعرب سيعارضون، هم سيعارضون أي قرار كهذا، سواء تم اتخاذه من قبل حكومة نتنياهو الحالية أو من قبل حكومة وحدة وطنية. كما أن العرب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) سيرفضون ذلك بطبيعة الحال. وربما يقومون بتنظيم أعمال شغب. كما أن المملكة الأردنية ستعرب عن احتجاجها، مع أنهم، بدون أدنى شك، بحاجة إلى منطقة عازلة إسرائيلية بينهم وبين إخوانهم الفلسطينيين في يهودا والسامرة.

ولكن هناك في منظومة الأمن الإسرائيلية البعض ممن يعارضون الضم. هم مثل أولئك الذين أيدوا التخلي عن هضبة الجولان في إطار "اتفاق سلام" مع سورية، ومثل مئات "الخبراء" الذين أكدوا أن الوضع الأمني سيتحسن إذا ما انسحبنا من غزة في إطار عملية الفصل. وبما أنه ليس بوسعهم الآن الاعتماد على العرب (أعضاء الكنيست العرب) في منعنا من ضم غور الأردن، فإنهم يقومون بتوزيع التهديدات و "التقديرات" القائلة بأن الأردن سيلغي اتفاقية السلام معنا إذا ما تجرأنا وقمنا بضم منطقة الأغوار. وجاء في أخبار القناة 12 هذا الأسبوع أن عملية ضم كهذه ستؤدي إلى موجة احتجاجات عنيفة في الأردن، وأن الملك عبد الله لن يستطيع الوقوف في وجه الاحتجاجات وسيضطر إلى تجميد اتفاقية السلام بين مملكته وبين إسرائيل.  

فلسطين وراء النهر

إن كل تقييم أمني يحاول تقدير النوايا والقرارات السياسية (على خلاف معطيات القوة) – يعتمد دائماً على الرؤية السياسية، والموقف السياسي، ورغبات صاحبه. وليس على المعلومات الدقيقة. لكن الكراهية لإسرائيل التي تنضح من التصريحات الأردنية تزود هؤلاء الخبراء ببرنامج قوي لتقديراتهم. فالسياسة الأردنية خلال العقد الأخير هي سياسة متطرفة ومناهضة لإسرائيل على مستوى التصريحات والنشاطات الدبلوماسية، بالإضافة إلى استمرار التعاون الأمني والإستراتيجي من تحت الطاولة. 

الملك عبد الله، على خلاف والده حسين، ربما يكرهنا، ولكن، بما يشبه حسين أيضاً، مرتبط بنا بشكل مطلق. فالتعاون في الحرب ضد الإرهاب يخدمه أكثر مما يخدمنا. وهو بحاجة إلى مياهنا، وإلى الغاز من حقل "لفيتان". ولكن، من خلال درايته الجيدة بضعف الحكومة الإسرائيلية في العلاقات معه، فإنه لا يتردد في توصيف علاقات إسرائيل والأردن بأنها "الأسوأ من أي وقت مضى". وعبد الله لم يتردد في تطبيق البند في اتفاق السلام الذي حدد فترة 25 سنة لإعادة أراضي الباقورة والغمر للأردن. وتجاهل عبد الله التفاهمات الشفهية الموجودة في أساس الاتفاق والقائلة إن التأجير يمكن أن يتواصل، بشكل أوتوماتيكي تقريباً، بموافقة الطرفين. ولو أن إسرائيل كانت قد هددت بفرض عقوبات، لكان قد وُجد الحل. لكن إسرائيل تنازلت مسبقاً بدون الدخول في صراع.       

وفي الأسبوع الماضي أجرى الجيش الأردني مناورة دفاعية واسعة النطاق، والتي حاكى فيها معركة عسكرية ضد "الكيان المغتصب وراء النهر". وأُطلق على المناورة اسم "سيوف الكرامة" من أجل تذكيرنا بفشلنا العسكري في عملية الكرامة سنة 1968. وهناك من يقول إنه قد شاركت في هذه المناورة 16 طائرة مروحية حربية كان قد حصل عليها الملك عبد الله منا كهدية عام 2015 وذلك حتى يكون بإمكانه محاربة تنظيم داعش. وفي الأسبوع الماضي تم توثيق مشاهد لقوات الإطفاء والإنقاذ الأردنية وهي تُجري تدريبات في باحة المسجد الأقصى. ولا توجد لوقاحتهم الكثير من الحدود. إذ أنه من الصعب التصديق أن رجال الإطفاء الأردنيين قد عبروا نهر الأردن تحت جنح الظلام متخفين دون أن يحصلوا على موافقة من الحكومة الإسرائيلية. لقد شكل ذلك صفعة للسيادة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، صفعة تستحقها في القانون دولة لا تحترم سيادتها.   

"الأردن هو فلسطين" ليس مجرد شعار أو خطة سياسية. هذه حقيقة. وهذا ما صرح به الملك حسين مرات كثيرة، وذلك عندما يعرض موقفه الأخلاقي بأنه ملك الفلسطينيين. 70% من مواطني المملكة هم فلسطينيون وفق تعريفهم وتعريف الأونروا. كما أن المملكة الهاشمية تمتد على 75% من مساحة فلسطين – أرض إسرائيل الانتدابية. ولذلك فإن "الأردن هو فلسطين، وفلسطين هي الأردن". وعندما يسأم الفلسطينيون من أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في دولتهم فإنهم سيتخلصون من العائلة المالكة أو أنهم سيُبقون لها مناصب رمزية فقط، ويقيموا في شرق الأردن "جمهورية فلسطين" التي تتحقق فيها طموحاتهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم. وبذلك يفقدون موقعهم الأثمن من كل ثمين وهو موقع الشعب المسكين الذي لا توجد له دولة. ولكن كم من الوقت يمكن لهم أن يعيشوا مساكين في ظل دكتاتورية بدوي قادم من الحجاز، والذي جيء به إلى بلدهم على يد الاستعمار البريطاني قبل مائة عام؟  

هذا هو السبب الأساسي لكون الملك عبد الله يتنقل بحذر بين رغبته في الظهور بمظهر الوفي للموضوع الفلسطيني وبين مخاوفه من تعاظم قوتهم. ومن المريح له أن يتهم إسرائيل بـ "الاحتلال الوحشي"، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى يوم تقوم فيه حكومة يسارية في إسرائيل تكون مستعدة لإقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة. ولكن عندها سيُفضل أيضاً أن يرى الجيش الإسرائيلي في غور الأردن وليس كتائب حماس.

ولذلك فإنه على خلفية العلاقات المتوترة مع الأردن فإنه يجب على إسرائيل أيضاً استغلال ما تبقى من الولاية الأولى (وربما الأخيرة) للرئيس ترامب والقيام بضم غور الأردن. وإذا ما تصرف الملك عبد الله بـ "انزعاج"، وفق تقديرات بعض الجهات الأمنية لدينا، فليفعل ذلك. فهو سيكون الخاسر الأكبر، وكما تقول الأغنية: سيعود مرة أخرى على الأربعة إلى الزريبة.

ترجمة: مرعي حطيني