"الناتو" تجاوز فائدته

أنصار "الناتو" كانوا يأملون أن يؤدي قيامه إلى إنهاء الحروب التي ابتليت بها أوروبا الغربية والوسطى منذ الأزل.

  • "الناتو" ليس تحالفاً طيباً.. ومن أجل البشرية لم يعد من الممكن السماح له بالاستمرار

الكاتب دانيال بيسنر يتحدث في مقال على موقع "Discourse Blog" حول ظروف تشكل حلف الناتو، ودوره اليوم إضفاء الطابع الرسمي على الهيمنة العسكرية الأميركية على العالمين "الحر" و "النامي"، وهنا نورد الترجمة الحرفية للمقال:

في العام 1949، قادت الولايات المتحدة تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي جمعت بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وأيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال والمملكة المتحدة في المنظومة الأمنية الدفاعية.. وكما قال اللورد هاستينغز ليونيل اسماي الأمين العام الأول للحلف، الهدف الأساسي للمجموعة كان إبقاء الاتحاد السوفيتي في الخارج، وأميركا في الداخل، والألمان في الأسفل".  كان يأمل أنصار "الناتو" أن يؤدي قيامه إلى إنهاء الحروب التي ابتليت بها أوروبا الغربية والوسطى منذ الأزل.

لكن حلف الناتو لم يكن يدور حول الحفاظ على سلام أوروبي فحسب؛ كان الأمر يتعلق أيضاً بالهيمنة الأميركية. وكما لاحظ الرئيس هاري إس ترومان عند توقيع معاهدة شمال الأطلسي، فقد توقع أنه "لن يكون تأثير الناتو فقط في المنطقة التي يمثلها على وجه التحديد، ولكن في جميع أنحاء العالم". وفقاً لترومان، تم تصميم التحالف جزئياً لإثبات "للشعوب المحبة للسلام في كل مكان" أن الولايات المتحدة كانت مستعدة وراغبة في تولي زمام القيادة العالمية. 

وكما هو مخطط له، سرعان ما أصبح "الناتو" الطفل اللصيق للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. لقد أفرزت مسبقاً عدة تشكيلات أخرى - معاهدة أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة (1951)، ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا (سياتو 1954)، وميثاق بغداد (1955) - الذي أضفى الطابع الرسمي على الهيمنة العسكرية الأميركية على العالمين "الحر" و "النامي" .

كذلك هو البنك الدولي للإنشاء والتعمير (1944)، وصندوق النقد الدولي (1944)، والاتفاقية العامة بشأن تنظيم الرسوم الجمركية والتجارة (1948) كل هذه المؤسسات والمنظمات والاتفاقيات شكلت روافد، عززت من قدرة النظام الرأسمالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة . 

من نواح كثيرة، كان الناتو ناجحاً بشكل كبير. (لا يمكن قول الشيء نفسه عن "سياتو" أو" بي بي" ،بسبب تفككهما في 1977 و 1979 على التوالي). بعد عام 1945، لم يتم خوض حروب كبرى في غرب ووسط أوروبا. فقد ساعد الحلف في تهدئة المنطقة التي كانت واحدة من أكثر المناطق عنفاً في العالم. كان هذا إنجازاً تاريخياً حقاً يصعب المبالغة في أهميته.

ومع ذلك، كان لدى حلف الناتو أيضاً عيبان مهمان. أولاً، منع تأسيسه قيام نظام تحالف عالمي يشمل الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية. كان من غير المرجح أن يوافق الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين على التحالف مع الولايات المتحدة. استمر الرهان على خليفة ستالي، نيكيتا خروتشوف، ومدى استعداده لمحاولة الوصول إلى نوع من الانفراج مع القوى الغربية. بدلاً من ذلك، بعد خمسة أيام من انضمام جمهورية ألمانيا الفيدرالية إلى حلف الناتو في عام 1955 ، أنشأ خروتشوف رسمياً حلف وارسو، الذي وصفته صحيفة لوموند الفرنسية بحق "بناتو الشرق".  ما أدى إلى ترسيخ الحرب الباردة.

ثانياً، أكد قرار إبقاء العمل بحلف "الناتو" بعد الحرب الباردة كان بمثابة دعم للهيمنة الأميركية، خلال الحرب الباردة. واستناداً إلى صياغة المؤرخ والتر لافيبر، كان "الناتو" في الأساس أداة تكامل. يستخدم بشكل أساسي "كوسيلة للتعامل مع مشاكل أكثر إلحاحاً [من الغزو السوفيتي]، من دمج جمهورية ألمانيا الاتحادية بالمظومة الغربية، وتخفيف الكراهية الفرنسية الألمانية، إلى ترسيخ مصالح بريطانيا العظمى بين القارات ومصالح الكومنولث الأطلسية".

توسع التحالف، ويضم الآن العديد من الدول التي كانت ذات يوم في مجال النفوذ السوفيتي، مثل ألبانيا وبلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا. مما لا يثير الدهشة، أن التوسع العشوائي للمنظمة في أوروبا الشرقية يستفز روسيا ، تخيلوا كيف سيكون الأمر لو انضمت كندا أو المكسيك إلى حلف وارسو؟ على أي حال "الناتو" أدت سياسات التوسع بمثابة سلبية مفيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير فرد أجنحته الثأرية من اتهور العشوائي. 

يوحي كل هذا، أن هناك عيوب كبيرة لاستمرار وجود الناتو. لهذا السبب، يجب أن يكون تفكيك الناتو أحد الأهداف الرئيسية لليسار المناهض للإمبريالية. على الرغم من أنه كان بإمكان المرء أن يجادل بشكل معقول في عام 1949 بأن الناتو كان ضرورياً لتهدئة شمال الأطلسي وردع ستالين، لم يعد هناك أي سبب يدعو الولايات المتحدة للبقاء في أوروبا، وتنفق أكثر من أي دولة أخرى على "الناتو" وتنشر الآلاف من القوات العسكرية في القارة. أوروبا آمنة وغنية ولديها قدرة أفضل من الولايات المتحدة على تحديد احتياجاتها الأمنية.

لسوء الحظ، إن لم يكن من المستغرب، فإن إدارة بايدن مكرسة للحفاظ على حلف شمال الأطلسي. كما قال جو بايدن نفسه في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً في مقر "الناتو" في بروكسل، فإن الولايات المتحدة تكرس نفسها للحفاظ على "الالتزام المقدس" الذي قطعته للدفاع عن حلفائها في الناتو في المستقبل المنظور.

لكن الناتو ليس تحالفاً طيباً. هدفه، في هيمنة شمال الأطلسي وحماية وتمكين وتمكّن نظاماً عالمياً غير متكافئ. ومن أجل البشرية، لم يعد من الممكن السماح له بالاستمرار.

السؤال المطروح على اليسار المناهض للإمبريالية هو كيفية إقناع الشعب الأميركي ومؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأن تفكيك "الناتو" هو الطريق الصحيح إلى الأمام.