القاعدة تتراجع لفتح الطريق أمام تقدم "النصرة" في سوريا (الجزء الأول)

جبهة النصرة تعلن تغيير اسمها ليصبح جبهة "فتح الشام"، في محاولة للهروب من غارات التحالف الأميركي ضده، وأيضاً لحشد دعم شعبي، ولكن من دون تغيير التنظيم لقيادته أو أفكاره وعقائده، فلماذا قبلت القاعدة بهاذا الانفصال؟

أبو محمد الجولاني في ظهوره العلني الأول أثناء إلقاء بيان تغيير اسم التنظيم (أ ف ب)
في إعلان جرى الترويج له بشكل جيّد يوم الخميس، أعلنت جبهة النصرة أنّها ستغيّر اسمها لتحول دون ربطها بالقاعدة. وسياسة جبهة النصرة هذه حركة علاقات عامّة نُفّذت بإتقان، إذ استطاعت إقناع بعض المراقبين وحتّى جزءاً من الجهاديين بصحّة الانقسام بين المجموعتين، غير أنّه ليس الأوّل من نوعه ولا يعدّ أساسياً في تاريخ المنظمة الأم.
فقد شهد العراق سابقاً مثل هذا القرار والتحرّك للإعلان عنه، ففي العام 2006 نجحت القاعدة في العراق في حشد دعم من جماعات مسلّحة أخرى بالتخلّي عن اسم القاعدة، بالرغم من أنّ المجموعتين أبقتا على صلات وثيقة لسبع سنوات.
وتكشف رسالة من قيادة القاعدة المركزيّة إلى فرعها في العراق في ذلك الحين عن المنطق الساخر وراء انفصال المنظمتين الظاهري.كذلك، يحاول التنظيم السوري من خلال تغيير اسمه من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام حشد دعم شعبي من دون تغيير التنظيم قيادته ولا اتجاهه ولا عقيدته.

انفصال أم خدعة؟

الظواهري سمح للنصرة في أيار الماضي أن تتخلّى عن اسمها
فلننظر إلى ترتيب الأحداث التي سبقت تغيير يوم الخميس، بدءاً بشهر أيّار/مايو حين ألقى أيمن الظواهري بياناً سمح خلاله لجبهة النصرة أن تتخلّى عن اسمها وأن تتّحد مع المجموعات الأخرى، بموجب شروط معيّنة.وقال إنّ القاعدة ليست قلقة إزاء تغيير الاسم إذا كان يعني ذلك المزيد من الاتحاد مع المجموعات المحليّة. واقترح الظواهري أن تتحد باقي المجموعات المعارضة مع جبهة النصرة بهدف إقامة دولة إسلاميّة بعد سقوط النظام، وذلك في حال كانت هذه المجموعات تريد أن ابتعاد جبهة النصرة عن القاعدة. وحمل بيانه رسالة ضمنيّة مفادها أنّ جبهة النصرة لن تغيّر اسمها هباءً، بل لن تقوم إلّا بما يقرّبها من تحقيق الأهداف التي رسمتها القاعدة.

وقبل الإعلان عن جبهة فتح الشام، كما باتت تعرف اليوم، سرّبت المجموعة معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي عن انفصال وشيك. وأعطت هذه المعلومات انطباع أنّ قادة المجموعة لا يزالون في حالة انقسام حول الموضوع. بينما يناقش أعضاءٌ في المجموعة الأضرار والفوائد المحتملة للانفصال.واستُخدمت عبارة فك الارتباط للإشارة إلى الإعلان المرتقب. وحتّى بعد تأكيد المجموعة الخبر، بقي التركيز الأكبر على المشاورات التي دارت قبل صدور البيانات. واستمر المترقّبون باستخدام عبارة فك الارتباط إلّا أنّها لم تُستخدم في بيانات المجموعة. فكان التسريب غايةً في الحرفيّة.

ويوم الخميس، أصدر نائب زعيم القاعدة أحمد حسن أبو الخير بياناً كرّر خلاله رسالة الظواهري من شهر أيّار/مايو. وأشار: "يجب أن تكون التنظيمات والجماعات دائرة جمعٍ وحشدٍ لا تفريق ومنابذة"، وأكّد على أنّ "تكون تلك الجهود منطلقًا لمرحلة متقدّمة، تنشئ لأهل السنّة كيانًا يمثّل مطالبهم، ويطلب حقوقهم." وأضاف: "فإنّنا نوجّه قيادة جبهة النصرة إلى المُضي قدمًا بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين، ويحمي جهاد أهل الشام، ونحثّهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر. وهذه خطوة منّا، ودعوة كذلك لكل الفصائل المجاهدة على أرض الشام أن اجتمعوا على كل ما يرضي الله".

وفي فيديو آخر نُشر يوم الخميس، ظهر قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني للمرّة الأولى وأعلن عن أنّ مجموعته ستتوقّف عن العمل تحت الاسم القديم وستطلق على نفسها اسم جبهة فتح الشام، وهي تنظيم "ليس له علاقة بأي جهة خارجيّة". وطغى الحذر على صياغة هذا الادعاء وبيانات الجولاني والظواهري وأبو الخير، ولم ينص أيّ منها بشكلٍ واضح على انفصال المجموعة عن القاعدة. ويستند بيانا يوم الخميس إلى منطق أن تغيير الاسم سيزيل أيّ ذريعة تبرّر للتحالف بقيادة الولايات المتحدة استهداف المجموعة الجديدة، وبالتالي يصبح طريق الانخراط في صفوف فتح الشام أيسر أمام القوى المعارضة.

سحب البيعة

نتج انطباع أنّ جبهة النصرة قد قطعت علاقتها تمامًا بالقاعدة عن النقاشات التي دارت قبل صدور الإعلان. فيعد فك الارتباط إعلانًا موثوقًا عن أنّ المجموعة انفصلت عن القاعدة. والعرف السائد بين الجهاديين هو أن يبايع الطرفان أحدهما الآخر، والبيعة من أسباب الخلاف الجوهريّة بين داعش والقاعدة خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي حال قطعت القاعدة ارتباطها بجبهة النصرة، تُحرّر الأولى فتح الشام من بيعتها، وكذلك تكون فتح الشام قد سحبت بيعتها.

وهذه اجراءات اعتياديّة يعتمدها الإسلاميّون والجهاديّون، واستخدمتها جبهة النصرة سابقًا للانفصال عن مؤسسها في العراق، أيّ الدولة الإسلاميّة في العراق، تحت ذريعة أنّ البيعة أُعطيت لأبي بكر البغدادي، لكن بعد ما قسم أن يبايع الظواهري.

وكذلك جعل اختيار أبي الخير للإدلاء بالبيان بدلًا من الظواهري الانفصال مريباً. فأبو الخير، الذي ذكر في بيانه أنّه يعطي الأمر إلى جبهة النصرة بصفته نائب الزعيم، من سكّان سوريا. فبات بيان الجولاني حول عدم ارتباط المجموعة "بأيّ جهة خارجيّة" تلاعبًا على الكلام.