بين الولايات المتحدة وأوروبا.. الجسر انقطع

الولايات المتحدة الأميركية تفاجأت بنتيجة الاستفتاء البريطاني لدرجة لم تضع تصوراً مسبقاً لعلاقتها الجديدة مع أوروبا. هذا ما تقوله صحيفة "نيويورك تايمز" فيما "وول ستريت جورنال" لم تستبعد وجود فرص يمكن اغتنامها في ضوء الخطوة البريطانية من بينها تفعيل منظمة حلف شمال الأطلسي.

كيف ستتعامل واشنطن مع الزلزال الأوروبي؟
"انهيار النظام الليبرالي العالمي" من هذه الزاوية أتت مقاربة مجلة "فورين بوليسي" لقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد السوفياتي.
الصحيفة كتبت تقول إن "الاتحاد الأوروبي بدا تجربة فريدة في تشارك السيادة مما أبعد الحرب عن معظم دول أوروبا" مشيرة إلى أن "هذا المزيج الفريد من المؤسسات الديمقراطية والأسواق المتكاملة وسيادة القانون والحدود المفتوحة جعل الكثير من الأوروبيين يعتقدون أن أوروبا قوة مدنية موازية إن لم تكن متفوقة على القوة الصلبة للولايات المتحدة التي من جانبها التزمت بتوسيع دائرة الحكم الديمقراطي وبالتخلص من الزعماء الاستبداديين وترسيخ السلام الديمقراطي".

ونقلت المجلة عن الخبير في الديمقراطية لاري دايموند أنه "بين عامي 2000 و2015 سقطت الديمقراطية في 27 دولة فيما الكثير من الأنظمة الاستبدادية الحالية أصبحت حتى أقل انفتاحاً وشفافية واستجابة لمواطنيها". موردة على سبيل المثال تصويت  بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، واتجاه بولندا وهنغاريا واسرائيل نحو اتجاهات غير ليبرالية. فضلاً عن أن الحزبين الأميركيين الرئيسيين على وشك تسمية مرشح رئاسي يعارض التسامح الذي هو أساس المجتمع الليبرالي ويعبر عن معتقدات عنصرية، في إشارة إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

وأضافت "فورين بوليسي" "قيل لنا إنه في حال استمر سقوط الديكتاتوريين وأجرت المزيد من الدول انتخابات حرة، ودافعت عن الحريات، وأقامت اسواقاً متنافسة، وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو عندها سيتم خلق مساحة واسعة من السلام، وسينتشر الرخاء وأي خلافات سياسية عالقة ستتم معالجتها بسهولة في إطار النظام الليبرالي" لكن "عندما لم تحصل هذه الأمور بالسلاسة المطلوبة وعندما شعر بعض المجموعات في هذه المجتمعات الليبرالية بالضرر نتيجة هذه التطورات كان لا مفر من ردة فعل ما".  

ورأت المجلة أنه "أن ارتكاب الكثير من الدول لبعض الأخطاء الهامة من بينها إنشاء اليورو وغزو العراق بالإضافة إلى غيرها ساعدت في تقويض شرعية النظام الذي قام بعد الحرب الباردة وشرع الباب أمام القوى غير الليبرالية وترك بعض شرائح المجتمع عرضة للتجاوب مع النداءات الرافضة للهجرة".

 

عرض أميركي جديد لأوروبا

صحيفة "وول ستريت جورنال" رأت أن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي فتح الباب على مرحلة من الاضطرابات السياسية، لكن في خضمها تكمن فرصة أن تستفيد الولايات المتحدة من لحظة عدم اليقين هذه، لتأكيد قيادتها للتحالف الغربي.

وقالت الصحيفة إن أوروبا بدت أنها ليست على مستوى المهمات العاجلة لجهة إنعاش النمو الاقتصادي ومواجهة التهديدات الأمنية عند حدودها الشرقية والجنوبية ولذلك فإن الوقت حان لكي تكون الولايات المتحدة إلى اللعبة مجدداً لأنها تحتاج أوروبا مزدهرة وأهلاً للثقة شريكاً للدفاع عن الغرب في مواجهة الأنظمة الاستبدادية والفوضى العالمية.   

ووضعت "وول ستريت جورنال" ما يشبه خارطة الطريق لواشنطن للتعامل مع مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن بينها أن تقوم الولايات المتحدة بدعوة بريطانيا إلى بدء محادثات ثنائية حول التجارة الحرة بموازاة المحادثات الراهنة مع الاتحاد الاوروبي. وهنا تشير الصحيفة إلى أن الرئيس باراك أوباما قد لا يستطيع تجاوز تهكمه تجاه الخطوة البريطانية حين قال بريطانيا انتقت الى الجزء الخلفي على لائحة الانتظار في ما يتعلق بالتجارة، لكن ذلك "لن يكون خطأه الاستراتيجي الأول" على حد تعبيرها. وأضافت "إن اتفاق في مجال التجارة مع خامس قوة اقتصادية في العالم هو من مصلحة أميركا".

من جهة ثانية ترى الصحيفة أن لدى الجمهوريين فرصة كبيرة لدعم تحالف حاسم، مشيرة إلى أن بوسع دونالد ترامب ورئيس مجلس النواب بول ريان أن يعقدا مؤتمراً صحفياً يعلنان فيه أنهما يرحبان بالمحادثات التجارية.

فرصة أخرى وجدتها "وول ستريت جورنال" في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. تلك المرتبطة بالناتو. بحسب الصحيفة فإن الخطوة البريطانية فتحت الطريق أمام إعادة تفعيل منظمة حلف شمال الأطلسي التي ستكون من الآن فصاعداً الوسيلة الرئيسية لبريطانيا لممارسة نفوذها في اوروبا، مضيفة أن الأمر قد يكون إيجابياً لكونه سيحرر أوروبا من محاولة إنشاء هيكلية أمنية متداخلة مع الناتو.
وتابعت الصحيفة أن وجود ناتو قوي ضروري في موازاة تصعيد بوتين لاستراتيجية فرق تسد في أعقاب خروج بريطانيا مضيفة أن قرار الناتو نشر أربع كتائب في بولندا والبلقان هي البداية لكن الروس سيواصلون الضغط لإضعاف وإقناع المانيا بالتخلي عن أوكرانيا كجزء من الفلك السياسي والاقتصادي الروسي.
وخلصت "وول ستريت جورنال" إلى دعوة الرئيس الأميركي المقبل إلى تدعيم الوحدة الغربية من خلال المزيد من الموارد الأميركية وإرسال الاسلحة الدفاعية الفتاكة إلى أوكرانيا. 

مفاجأة الاستفتاء في واشنطن

صحيفة "نيويورك تايمز" لفتت إلى أن المسؤولين الأميركيين يصارعون من أجل إعداد تصور جديد لاستراتيجيتهم بعد قرار بريطانيا بالطلاق مع الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن التحدي الأكثر إلحاحاً هو التوصل إلى طريقة لإيجاد بديل لشريكهم الأكثر وثوقاً في العواصم الأوروبية. تحد ترى الصحيفة أنه لن يكون سهلاً. 
وتابعت الصحيفة أن النفوذ الدبلوماسي الأميركي، بما في ذلك المطالب الأوروبية المعتدلة بالتجارة والمساهمة الأكبر من قبل الدول الاكثر تسليحاً في العمليات العسكرية للناتو، كلها تضاءلت. 

ورأت "نيويورك تايمز" ان خسارة دور بريطانيا القوي تأتي في ظل لحظة سيئة، في الوقت الذي يناقش الأميركيون وحلفاؤهم كيفية التعامل مع روسيا تريد الانتقام، وتفعيل الناتو، والإسراع في التوصل الى اتفاق حول التجارة الأميركية الأوروبية، والعمل من خلال تسوية دبلوماسية في سوريا من شأنها تخفيف أزمة المهاجرين في أوروبا.  

إلى ذلك، تضيف الصحيفة، خطر داعش الذي وجد في أوروبا ساحة معركة جديدة، ساحة يبدو تبادل الاستخبارات فيها بسلاسة مسألة مهمة جداً. وحذرت "وول ستريت جورنال" من أنه في ضوء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإنها أوروبا قد تلعب دوراً أكبر في المنطقة والشرق الأوسط في حين يتحول الاهتمام الأميركي أكثر صوب آسيا، مما يشكل خطراً إضافياً.

وقالت الصحيفة الأميركية إن واشنطن تفاجأت بالاستفتاء البريطاني كما بالربيع العربي، لذلك لم يكن هناك من تصور جدي لشكل العلاقة مع أوروبا وهي المهمة التي تواجه الرئيس أوباما في الأشهر الستة المتبقية له وخلفه في السنوات المقبلة.