نيويورك تايمز: ريتز كارلتون تحوّل إلى قفص مذهّب للأمراء السعوديين
لا يبدو "الفساد" حجّة مقنعة بالنسبة للصحف الأجنبية لتبرير حملة الاعتقالات التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي كان أحدثها تلك التي طالت نهاية الأسبوع الماضي كبار الأمراء ورجال الأعمال.. الصحف بمعظمها أجمعت على أن الهدف من خطوات الأمير الشاب "المتهورة" كما وصفتها إحدى الصحف حصر كل السلطة بيده تمهيداً لتوليه العرش خلفاً لوالده الملك سلمان معتبرة أن في الأمر مراهنة خاسرة أو على الأقل محفوفة بالمخاطر.

صحيفة "واشنطن بوست" رأت في افتتاحيتها أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المعروف بخطواته الجريئة والمتهورة من أجل تحويل السعودية ومكانتها في الشرق الأوسط يزداد تهوراً.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن بن سلمان لم يكتف باعتقال أحد عشر أميراً وعشرات كبار المسؤولين ورجال الأعمال نهاية الأسبوع المنصرم بل استعرض العضلات السعودية في المنطقة بدءاً من إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته من على شاشة قناة سعودية مروراً بإعلان السعوديين حصاراً جوياً وبرياً على اليمن وصولاً إلى استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض وهو الذي وقّع منذ فترة وجيزة اتفاقاً سياسياً مع حماس.
الصحيفة قالت إن هذه المبادرات التي تهدف إلى تعزيز سلطة حاكم جديد من المفترض أن يخلف والده وأن يضاعف التحدي السعودي لإيران، بدت وكأنها تحظى بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار مستشاريه مثل جاريد كوشنر الذي التقى ولي العهد قبل أيام فقط من حملة القمع التي نفذها، معتبرة أن الأمر ينطوي على مجازفة كبيرة في حال كان كذلك لكون تكتيكات بن سلمان ومغامراته غير المحسوبة يمكن أن تقوّض الآمال بالإصلاح وتزعزع استقرار المملكة.
من جهة أخرى نقلت الصحيفة الأميركية عن مدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكينغز بروس ريدل أن المملكة عند مفترق طرق لافتاً إلى جملة من المعطيات من بينها الاقتصاد المتراجع على وقع انهيار أسعار النفط وحرب اليمن التي تحوّلت إلى مستنقع وحصار قطر الفاشل وصولاً إلى نفوذ إيران المتزايد في لبنان وسوريا والعراق والشكوك في ظل علامات الاستفهام حول مسألة الخلافة.
ريدل وصف المرحلة على أنها الأكثر اضطراباً في التاريخ السعودي منذ أكثر من نصف قرن معتبراً أن الحملة ضدّ الفساد لن تكون ذات مصداقية في حال بدت وكأنها أداة يستخدمها بن سلمان لمعاقبة معارضيه السياسيين.
"واشنطن بوست" توقفت في مقالة أخرى عند تداعيات الصراع على السلطة في السعودية على أكثر البلدان العربية فقراً في إشارة إلى اليمن.
وقالت الصحيفة إن من شأن تعزيز ولي العهد سلطته أن يفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية في اليمن حيث يواصل التحالف السعودي حربه المستمرة منذ أكثر من عامين، لافتة إلى السبعة ملايين يمني الموجودين على حافة المجاعة فضلاً عن وباء الكوليرا والمخاوف من أن تتجاوز أعداد المصابين به المليون بحلول نهاية العام.
في هذا السياق نقلت الصحيفة عن سكوت بول المستشار الخاص بوضع السياسات الانسانية في "أوكسفام" والذي عمل في اليمن أن "فكرة فرض المزيد من القيود في اليمن هي سبب رئيسي للقلق" لافتاً إلى أن الأمر قد لا يكون مؤقتاً وإنما هو تغيير في الاستراتيجية.
وتابعت "واشنطن بوست" أن الخطوة السعودية قد تكون مجرّد ردّ علني على إيران بعد محاولة الاعتداء الصاروخي الأحد لكنها بالنسبة للمسؤولين في مجال الإغاثة هي أحدث الأمثلة على أن الرياض تفرض عقاباً جماعياً على اليمنيين، مضيفة أنه بمعزل عن ترسانة الأسلحة التي اشترى السعوديون معظمها من الولايات المتحدة إلا أن هؤلاء يخوضون حرب استنزاف ضدّ الحوثيين على حدّ تعبيرها.
فندق "ريتز كارلتون" تحوّل إلى سجن فاخر
صحيفة "نيويورك تايمز" قالت في توصيفها للمشهد إن فندق "ريتز كارلتون" تحوّل إلى سجن فاخر للأمراء والأثرياء ورجال الأعمال السعوديين الذين اعتقلوا خلال الأيام الماضية. واستندت الصحيفة إلى مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والذي قيل إنه للمحتجزين في الصالة "ب" في الفندق، الذي كان أعلن عبر موقعه الإثنين عن انقطاع خطوط الهاتف والانترنت بسبب الظروف غير المتوقعة فيما رفض مسؤولوه إبداء أي تعليق حول الضيوف المحتجزين في أروقته للصحيفة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين مطلعين أن أكثر من 500 شخص جرى اعتقالهم في إطار الحملة المستمرة فيما منع أفراد العائلة من مغادرة البلاد. ولفتت إلى تشكيك المراقبين بالأسباب الكامنة وراء الاعتقالات وبأنها غير مرتبطة بالفساد وإنما بتمتين سلطة ولي العهد.
صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت إن الهدف من حملة القمع هذه إخافة كل من هو في السلطة وليس فقط المعارضين من أمراء ورجال دين.
وقالت "إن حملة ضدّ الفساد في نظام ملكي سمعته سيئة على نطاق واسع، تعني أن كل أمير أو وزير حالي وسابق في دائرة الاستهداف والاعتقال والمنع من السفر وتجريده من ممتلكاته" مضيفة أنه حتى المساعدين والمستشارين ليسوا في مأمن. لكن الصحيفة استبعدت تنامي معارضة على مستوى كبير حيث إن ولي العهد أمضى العام الماضي وهو يحاول السيطرة على الجيش وأجهزة الأمن الداخلي مضيفة أن الرسالة واضحة وهي على الشكل التالي: إدعموا الإصلاحات أو اصمتوا.
"وول ستريت جورنال" قالت إن الرأي العام السعودي أعلن دعمه بالفعل لكن المستثمرين الغربيين الذين تحتاج السعودية خبراتهم وأموالهم ليسوا متأكدين مما إذا كانت الحملة التي يقودها بن سلمان دليل حداثة أم أنها تنم عن سلوك استبدادي كالعادة.
ولي العهد يراهن على دعم الشباب والمؤسسة الدينية المتشددة
الصحف البريطانية بدورها حذرت من خطوات بن سلمان الأخيرة. فقد قرأت صحيفة "اندبندنت" فيها محاولة محفوفة بالمخاطر من قبل بن سلمان للاستيلاء على السلطة والرهان الأكثر خطورة من قبله.
وقالت الصحيفة إن الخطوة الأخيرة زادت المخاوف من تنامي الشمولية جنباً إلى جنب مع الفوضى وحالة الاستياء داخل العائلة المالكة التي لطالما كانت وحدتها الحجر الأساس في المملكة.
ورأت "إندبندنت" أن ولي العهد يراهن على دعم الشباب السعوديين له والمؤسسة الدينية المتشددة التي تؤمن أن من واجبها دعم المملكة بالرغم من أن إصلاحاته أغضبت بعض من فيها لافتة إلى أن الكثير من رجال الدين الوهابيين يؤيدون موقف بن سلمان المتشدد حيال إيران فضلاً عن القمع الذي يتعرض له الشيعة في شرق البلاد.
لكن الصحيفة قالت إن رهانات بن سلمان الإقليمية لم تحظَ بشعبية في الداخل أو في الخارج حيث تبدو العائلة المالكة منقسمة بين داعمي بن سلمان وأولئك المصابين بالذعر لكنهم يلتزمون الصمت، مشيرة إلى أن عدداً من هؤلاء غادر المملكة خلال الأشهر الماضية خشية من التطورات. وخلصت "إندبندنت" إلى أن الاعتقالات تبعث برسالة صادمة مفادها أن لا أحد بمنأى عنها.
من جهتها حذرت صحيفة "فايننشال تايمز" من أن ما يبنيه بن سلمان بيد يمكن أن يهدمه باليد الأخرى واصفة ما جرى أخيراً بالهزة السياسية الأكثر دراماتيكية ضمن سلسلة من التغييرات المفاجئة.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الأمير السعودي يتبع نهجاً استبدادياً لا يتقبل أي معارضة سواء داخل العائلة المالكة أو حتى في أوساط الجيران السنة على حد تعبيرها.
ورأت "فايننشال تايمز" أن مكافحة الفساد واتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه إيران يلقيان أصداء في المجتمع السعودي لكن ليس بالضرورة أن تكون الإعدامات أو السياسات المحفوفة بالمخاطر مصدر إلهام للثقة، مضيفة أن الحرب في اليمن كلّفت مليارات الدولارات التي كان يمكن استثمارها في الداخل لخلق فرص العمل التي يعد بها بن سلمان.
وخلصت إلى أن حملة القمع تكرّس طبيعة الحكم التعسفي في السعودية وتعرقل الاستثمارات التي يجب تشجيعها.