كيف تخلى محمد بن سلمان عن القضية الفلسطينية

تخلت الولايات المتحدة والحكومات العربية عن القضية الفلسطينية، وتعتقد أن بوسعها ترهيب محمود عباس للخضوع.

محمود عباس أمام خيارات محدودة إما الخضوع لصفقة القرن أو دعم مقاومة شعبه

كتبت داليا حتوقة مقالة في مجلة فورين بوليسي الأميركية حول كيف تخلى القادة العرب عن القضية الفلسطينية وبخاصة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مركزين على قضاياهم الداخلية وصراعهم مع إيران. والآتي ترجمة ما جاء في المقالة:

على الرغم من أن محمد بن سلمان قد أيد علناً الفلسطينيين، مدعيًا أن توثيق العلاقات بين الرياض ودول الخليج الأخرى وإسرائيل لا يمكن أن يحدث إلا مع تحقيق تقدم كبير في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فقد أظهر استعدادًا للاهتمام أكثر بمختلف صراعات المنطقة وخشية الرياض من النفوذ الإيراني لتحويل التركيز بعيداً عن قضية فلسطين.

يدرك الفلسطينيون اليوم أنهم باتوا غير قادرين على الاعتماد على حلفائهم التقليديين في العالم العربي. كما أن عدم التوازن في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى جانب الانقسامات الداخلية للفلسطينيين واعتمادهم التام على المساعدات الخارجية، لم يترك لهم نفوذاً يذكر. وأحد خياراتهم الأخيرة هو اللجوء إلى المجتمع الدولي، كما فعلوا في السنوات الماضية، من خلال السعي للانضمام إلى المنظمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية كجزء من استراتيجيتهم لتحقيق إقامة دولتهم من خلال المنظمات العالمية أو تقديم شكاوى جنائية دولية، آملين أن يشكل ذلك ضغطاً على إسرائيل ومحاسبتها على أفعالها.

أثبت هذا التكتيك نجاحًا في بعض الأحيان. لكن المناخ الدولي الحالي يختلف اختلافاً هائلاً عن المناخ الذي كان موجوداً في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقد أوضحت إدارة ترامب أنها ستكون معارضة شديدة للفلسطينيين داخل الأمم المتحدة.

وقال المدير التنفيذي للحملة الأميركية لحقوق الفلسطينيين يوسف منير: "إن الفرص [للمشاركة] الثنائية للحصول على نوع من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي كانت بمثابة الاستراتيجية الدبلوماسية الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا يبدو أنها تتمتع بقدر كبير من القوة اليوم".

إن الافتقار إلى المساعدة الخارجية يوفر فرصة للفلسطينيين كي يلتفتوا إلى واقعهم الداخلي. إذ يتوجب عليهم حالياً أن يتعاملوا مع أزمة الشرعية الداخلية، فليس لدى السلطة الفلسطينية خطة لخلافة الرئيس على الرغم من أن هذه القيادة قديمة ويرأسها عباس البالغ من العمر 82 عاماً، والذي كان رئيساً منذ عام 2005.

كما تلاشى التقدم المحرز في المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس العام الماضي بعد ما اتهمت السلطة الفلسطينية "حماس" بمحاولة اغتيال رئيس وزرائها، رامي حمد الله ، ورئيس المخابرات ماجد فرج في غزة في آذار - مارس الماضي، إضافة إلى القمع الأخير ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية عندما احتج المواطنون على الإجراءات العقابية للسلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة الذي تديره حركة حماس.

ونتيجة عدم وجود حكومة موحدة أو عملية خلافة للرئيس واضحة وقوية، قد تجد قيادة السلطة الفلسطينية نفسها مضطرة إلى اختيار أحد خيارين سيئين. يمكن للسلطة الفلسطينية إما المشاركة في عملية سلام مزورة بشروط أقل مواتاة مما كانت عليه في الماضي أو صياغة طريقها الخاص من دون دعم من المانحين الغربيين الذين تعتمد عليهم الإدارة للعمل. وهذا يعني أن سبل معيشة 145 ألف موظف مدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستختفي.

لكن بالنسبة للفلسطينيين العاديين، فقد أتيحت الفرصة لمزيد من الانخراط في المقاومة السلمية، سواء من خلال دعم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد إسرائيل أو من خلال المشاركة في تكتيكات لاعنفية أخرى مثل "مسيرة العودة الكبرى"، وهو إحتجاج استمر لمدة شهر على طول السياج الذي يفصل إسرائيل عن غزة، والذي قوبل باستخدام القوة المميتة من الجنود الإسرائيليين.

إن هذا النشاط على مستوى القاعدة الشعبية لديه الإمكانية أبعد من ذلك لإبراز قيادة تكون أكثر تمثيلاً للناخبين. ووفقاً لاستطلاع حديث، فإن أكثر من ثلثي الفلسطينيين يريدون من عباس أن يستقيل. وعلى الرغم من أن حركة المقاطعة BDS لم تحقق الكثير من الأذى لإسرائيل اقتصاديا ، إلا أن إلغاء الرحلات المتتالية إلى إسرائيل من قبل ممثلين ومغنيين عالميين قد ألحقت المزيد من الضرر لسمعتها أكثر من انضمام السلطة الفلسطينية الاتحاد الأوروبي لجمعيات التهاب القولون ومرض التقرح.

لقد جعل إحباط الفلسطينيين من فشل السلطة الفلسطينية أقرب إلى الاستقلال وجعل التحول في أولويات الدول العربية ملامح صفقة أميركية-سعودية -إسرائيلية- أكثر وضوحاً: تقوم على قيام دولة (فلسطينية) منزوعة السلاح من دون القدس كعاصمة لها، وأراضي ذات سيادة محدودة وتواصل جغرافي محدود، وحل غير كافٍ لمسألة اللاجئين.

ووفقاً لتقرير في صحيفة نيويوركر، فقد رسم كوشنر ومحمد بن سلمان تحالفاً استراتيجياً في الشرق الأوسط سيركز على التصدي لإيران وحث الفلسطينيين على قبول اتفاق سلام. وبحسب نقل عن ولي العهد السعودي قوله، في وصف استراتيجيتهما لإنجاز الصفقة، "سأقوم بإبلاغ الفلسطينيين، وسيقوم [ترامب] بإبلاغ الإسرائيليين" (ببنود الصفقة).

ولا شك أن تصريحات المرشح أن يكون ملكاً جاءت كموسيقى في أذني رئيس الوزراء الإسرائيلي. إذ يعتقد بنيامين نتنياهو أن هذا الواقع الإقليمي الجديد يجعل التوصل إلى حل مع الفلسطينيين أقل إلحاحاً أو حتى غير ضروري تماماً.

وهذا بعيد كل البعد عن عام 2002، عندما قدمت مبادرة السلام العربية، التي رعتها المملكة العربية السعودية، فرصة لإسرائيل للاندماج في المنطقة في مقابل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحتلها حتى يومنا هذا. رفضت إسرائيل الصفقة، وبدلاً من ذلك قامت بزرع الضفة الغربية بمزيد من المستوطنات في حين أن إدارات أميركية متعاقبة شاركت في دورة لا نهاية لها من عملية السلام، وغضت الطرف عن الإسرائيليين في قيامهم بفرض حقائق جديدة على الأرض.

لقد مهدت التغييرات الإقليمية الآن الطريق أمام فرصة أخرى لإسرائيل لتطبيع العلاقات رسمياً مع جيرانها لكن هذه المرة من دون اتفاق سلام. انتقلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من المغازلة السرية للإسرائيليين للإعلان صراحة عن استعدادهم ورغبتهم في بناء علاقة تتعدى روابطهم السرية الحالية.

اليوم، تم إضعاف أو تحييد معظم أعداء إسرائيل التقليديين: لقد تم اختيار القيادة الفلسطينية من خلال سخاء الولايات المتحدة. وصمد اتفاقا السلام بين كل من مصر والأردن مع إسرائيل حتى في أكثر الأزمات الدبلوماسية شراسة. وقد تم إجهاد العراق وسوريا وتقسيمهما من خلال الحملة للإطاحة بـ"داعش".

لكن ليس الجميع مقتنعون بأن التحالف الفعلي مع بعض الدول العربية ضد إيران سيؤدي إلى السلام الإقليمي من دون تحقيق تقدم حقيقي في القضية الفلسطينية. وقال نداف تامير، وهو مستشار كبير للشؤون الحكومية والدولية في مركز بيريز للسلام، في مؤتمر جي ستريت السنوي في أبريل – نيسان الماضي: "إن أولئك الذين يرون الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ليس من حيث نظرية ربح الجانبين، لكن من خلال نظرية المحصلة صفر، يعتقدون أنه يمكنهم استخدام علاقات أفضل وتحالف مصالح بين إسرائيل والعالم العربي كطريقة لتجاوز القضية الفلسطينية".

غير أن إدارتي نتنياهو وترامب تتفقان على أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بفضل علاقات إسرائيل الدافئة مع الدول العربية والتي بدورها ستضغط على الفلسطينيين للقبول به. وقال ويليام كوانت، عضو سابق في مجلس الأمن القومي في إداراتي نيكسون وكارتر، خلال حديثه في مؤتمر عُقد في واشنطن في مارس – آذار الماضي: "فيما يتعلق بإدارة ترامب، هذه صفقة - عليك فقط أن تجد سعر البيع. إذا كان السعوديون مستعدين لتمويلها، فكيف يمكن للفلسطينيين ... أن يقولوا لا للسعوديين؟".

"نحن ملتزمون بسياسة أميركية لا تقود إلى أي مكان، وعندما تفشل، لا يوجد احتياطي"، أضاف كوانت، الذي كان جزءاً من فريق التفاوض الأميركي في مفاوضات كامب ديفيد التي أدت إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. نحن ملتزمون بسياسة أميركية لا تقود إلى أي مكان، وعندما تفشل، لا توجد سياسة احتياطية عنها".

لقد تعلم الفلسطينيون من ماضيهم أن دعم الحكومات العربية متقلب كما هو الحال مع تضاريس المنطقة السياسية المتغيرة. مرة أخرى، يجد القادة الفلسطينيون أنفسهم معزولين ومجزأين بينما تقوم الحكومات العربية والغربية بتصعيد الضغوط عليهم. خياراتهم اليوم محدودة: يمكنهم إنهاء التعاون الأمني ​​مع إسرائيل؛ تفكيك السلطة الفلسطينية وإجبار إسرائيل على تحمل مسؤولية احتلالها العسكري؛ أو احتضان العصيان المدني وتكتيكات حركة المقاطعةBDS   على المستوى الوطني. ويمكنهم أيضاً أن يرضخوا لمحمد بن سلمان وخطة المتآمرين معه في المنطقة بينما يركزون على عزل حماس ومعاقبة الفلسطينيين في غزة بسبب سوء حظهم لأنهم ولدوا هناك، ولكن ليس من دون مواجهة غضب شعبهم.

 *داليا حتوقة صحافية مقرها في الولايات المتحدة والضفة الغربية.

ترجمة: الميادين نت