"هآرتس": ترامب زرع في الأساس فوضى في الشرق الأوسط
الخلاصة من ناحية "إسرائيل" هي أن التهديد الإيراني تفاقم بصورة مهمة في عهد ترامب، وهي محاطة بأذرع إيران ويمكن أن تبقى وحيدة في المعركة ضدها.
في هذه الأيام بدأ دونالد ترامب سنته الرئاسية الرابعة والحاسمة، التي سيتقرر فيها ما إذا يحظى بولاية ثانية. إنه أيضاً توقيت مناسب لفحص ميزان إنجازاته في الشرق الأوسط. بما يتناسب والفوضى الترامبية، من الصعب فحص الأمور بمصطلحات سياسة منتظمة – إنها غير موجودة، هناك مجموعة من الخطوات والنزوات الناجحة والأقل نجاحاً.
البرنامج النووي لإيران وجهودها لتوسيع نفوذها في الساحة كانوا المسألتين الأساسيتين اللتين شغلتا ترامب في الشرق الأوسط. في البُعد النووي، ترامب قام، بتشجيعٍ من بنيامين نتنياهو، بخطوتين أساسيتين: الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران. ووقعت أزمة صعبة لإيران، ومن الممكن أن استمرار الضغط سيؤدي إلى تغيير سياستها، بل وحتى تقويض نظامها. حتى الساعة، التغييرات المأمولة لم تحصل، بل العكس: إيران تستأنف برنامجها النووي. تقدير أمان الأخير، وبحسبه يمكنها أن تصل إلى قنبلة نووية خلال سنتين، يمكن أن يتحقق.
في موازاة ذلك، الولايات المتحدة فشلت في منع تمركز إيران في الإقليم. في سوريا، عشرات آلاف العناصر من ميليشيات شيعية تخضع لأوامر إيران، وجود عسكري إيراني مقلّص لكن كبير، وإيران وروسيا أصبحتا القوتين الأقوى في البلد. أوامر ترامب المتناقضة فيما خص إخلاء قوات أميركية من سوريا ونشرها والتخلّي عن الأكراد، لم تكن لتُخجل جمهورية موز.
في لبنان، جهود الولايات المتحدة لم تكن كافية لمنع استمرار تعاظم حزب الله وإمساكه بالسلطة. في العراق، الميليشيات الشيعية أصبحت مُهددة للسلطة، والصواريخ التي تنصبها إيران فيه وفي اليمن تنضم إلى ترسانة حزب الله الصاروخية وتمنحها مجالاً إضافياً لتهديد "إسرائيل". في اليمن، الحوثيون – المتعاطفون مع إيران – يهددون مضيق باب المندب.
في الخليج، ترامب امتنع عن الرد على الاستفزازات الإيرانية، بما فيها مهاجمة ناقلات نفط وإسقاط طائرة مسيّرة أميركية وهجوم غير مسبوق على منشآت نفطٍ سعودية. كل واحدٍ من هذه الأعمال كان يُعتَبر في إدارات سابقة مبرراً لردّ عسكري شديد، بل وحتى حرب. السعودية ودول الخليج فقدت ثقتها بالعكازة الأميركية، تسعى لحوارٍ مع طهران، والمنظومة الإقليمية ضد إيران ضعُفت. تصفية قاسم سليماني كانت نزوة، فاجأت مستشاري الرئيس لا أقل مما فاجأت إيران. ورداً قصفت إيران قواعد أميركية بصواريخ، وترامب – الذي هددها بتدمير 52 هدفاً – امتنع عن رد خشية تصعيد. من حينها قصفت ميليشيات شيعية السفارة الأميركية في بغداد، دون رد.
الخلاصة من ناحية "إسرائيل" هي أن التهديد الإيراني تفاقم بصورة مهمة في عهد ترامب، وهي محاطة بأذرع إيران ويمكن أن تبقى وحيدة في المعركة ضدها.
في المسألة الفلسطينية، ميزان ترامب أقل وضوحاً. دعوة استيقاظ وُجّهت للفلسطينيين: هم أيضاً سيُطلب منهم إبداء مرونة في تسوية مستقبلية. المساعدات أوقفت للأونروا ولمنظمات فاسدة أخرى، التي كفت منذ زمن عن أداء وظيفتها. صفقة القرن، التي أُطلقت في توقيتٍ صدفة عشية انتخابات، هدفت لضمان إعادة انتخاب نتنياهو أكثر من تحقيق تقدّم في مفاوضات. لن يتأتى سلام من هذا. ضم مناطق وتهديد مستقبل المشروع الصهيوني – ربما نعم.
قرارا الاعتراف بالقدس وبهضبة الجولان كانا قرارين تاريخيين. لم تكن هناك مفاوضات، وكان من الصحيح الاحتفاظ بهما كـ "حلوى" ل"إسرائيل" لتحلية تنازلات ستُطلب منها. وبما يتناسب وترامب، القراران كانا ذوا طابعٍ إعلاني إلى حدّ كبير، دون تحديد حقائق لتسويات دائمة. من جهة أخرى، لو انتظروا تحقيق اختراق في مفاوضات من الممكن انه ما كان ليتم اتخاذ القرارين الحاسمين. لذا، بحسابٍ شامل، حسناً فعل ترامب، الذي اخترق حواجز دبلوماسية وهمية واتخذ قرارات شجاعة.
أمن "إسرائيل" مرتبط بمكانة الولايات المتحدة، وهنا الوضع واضح. ترامب كان سخرية في الرأي العام العالمي، أحلاف تاريخية تقوّضت، ومكانة الولايات المتحدة كقائدة العالم الحر تضررت. مع الصين ساد صراع على الصدارة، وروسيا تتدخل في مجرياتٍ انتخابية. عندما تضعُف مكانة الولايات المتحدة، كذلك تضعُف مكانة "إسرائيل".
في الولايات المتحدة، في شراكة مدمّرة مع نتنياهو، حطّم ترامب دعم الحزبين التقليدي ل"إسرائيل"، وتد "العلاقات الخاصة". في المعسكر الديمقراطي حلّ انهيار في دعم إسرائيل، ولأول مرة يتحدث مرشحون أساسيون للرئاسة عن اشتراط المساعدات لإسرائيل بتغيير سياستها في الموضوع الفلسطيني.
وفي النهاية، مسألتان غائبتان عن وعي غالبية الإسرائيليين: تزايد اللاسامية وضرر في القيم الأساسية للديمقراطية الأميركية. ترامب لا يتحمّل المسؤولية الحصرية عنهما، لكنه بأقواله وأفعاله أجّج اللاسامية والعنصرية. الولايات المتحدة تغيّر وجهها الديمغرافي، وتُتوقع مناحٍ ستصعّب العلاقات معها، دون صلة بسياسة "إسرائيل". الغضب في المعسكر الديمقراطي، الذي سيعود عاجلاً أم آجلاً إلى السلطة، والتنكّر "لإسرائيل" في الوسط اليهودي، سيفاقمان فقط من هذه المناحي. إذا انتُخب مرشحٌ ديمقراطي، سرعان ما سيزداد التوتر. إذا انتُخب ترامب، قد يتأجل هذا لكنه سيتفاقم في المستقبل.
الانتخابات المقتربة هي فرصة لتغيير سياسة "إسرائيل" وإنقاذ الوضع قبل حلول كارثة.