الهجمات الاستعراضية في سوريا لا تعزز أمن إسرائيل
مرتين، في الآونة الأخيرة، تم نسب (عمليات) تدمير أسلحة وذخائر خاصة بالجيش السوري لإسرائيل. وهناك من يقول إن هذه الأسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله، وهناك من يقول أيضاً إنها كانت في طريقها لقصف حلب. أما وزير الأمن (الدفاع) أفيغدور ليبرمان فهو يقول إن الحديث يدور حول "أسلحة دمار شامل". ربما.
-
الكاتب: ران ايدليست
-
المصدر: معاريف
- 11 كانون الأول 2016 17:52
إننا نقف في الاحتكاك الحالي في الشمال أمام محور حزب الله – سوريا – إيران المدعوم روسياً
مرتين، في الآونة الأخيرة، تم
نسب (عمليات) تدمير أسلحة وذخائر خاصة بالجيش السوري لإسرائيل. وهناك من يقول إن
هذه الأسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله، وهناك من يقول أيضاً إنها كانت في
طريقها لقصف حلب. أما وزير الأمن (الدفاع) أفيغدور ليبرمان فهو يقول إن الحديث
يدور حول "أسلحة دمار شامل". ربما. ويبدو أن الأمر هو خدمة عسكرية قام
الجيش الإسرائيلي بتنفيذها لصالح أمن الدولة في الوقت الذي توجد فيه الخدمات
السياسية في الحضيض. نعم! هناك مثل هذه الأمور في حياتنا المعقدة: جيد أنهم قاموا
بضرب أسلحة كانت مخصصة لحزب الله ولتنفيذ إبادة جماعية في حلب، وليس جيداً أن نقوم
بالتدخل في الحرب بين الأسد والمتمردين. والسيء حقيقة هو أننا لا نستطيع رؤية فرصة
تتيح تقليل احتمال التهديد من الشمال، وهو الأخطر على أمن الدولة. ومن ذلك على سبيل
المثال محاولة التوصل إلى اتفاق مع حزب الله وإيران وسوريا، وذلك بواسطة روسيا
والولايات المتحدة الأمريكية، بدلاً من دعم، كما تم الإدعاء في الماضي، القوى
المدعومة من دول الخليج والتي لا يوجد لها أي أمل حقيقي لتكون جزءاً وازناً من
الصراع على الناظمة لحدود سوريا المستقبل.
إن عمليات القصف هي عمل صحيح من
الناحيتين السياسية والعسكرية إذا كانت السياسة التي يستند إليها القرار تهدف إلى
جلب حزب الله وسوريا ضعيفين إلى مفاوضات حول اتفاقات بعيدة المدى في الشمال. إلا
أنه، وكما هي العادة، فإن عمليات القصف هي جزء من سياسة المواجهة المتواصلة بدون
أفق سياسي جدي. إذا كان صحيحاً أننا قد دمرنا كذا وكذا، فهذا لا يشكل ضربة
استراتيجية، ولا حتى تكتيكية. بل هي ضربة على صعيد الإمداد لن تُلحق ضرراً جدياً
بمخزون الأسلحة لدى سوريا وحزب الله. وبشكل عام عندما تقرر دولة مثل سوريا، ومنظمة
شبه دولة مثل حزب الله، التسلح بعتاد "متطور" على حد وصف ليبرمان – سلاح
كاسر للتوازن مثل البطاريات المضادة للطائرات أو الصواريخ بعيدة المدى للأهداف
الدقيقة – فإن لها ألف طريقة وطريقة للقيام بذلك، وليس فقط عن طريق نقله على طريق
دمشق - بيروت. وإذا لم يحدث الأمر اليوم، فإنه سيحدث غداً أو بعد غد.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو:
هل نغمض أعيننا بينما يتدفق السلاح، الذي سيوجه ضدنا، إلى أعدائنا بدون إزعاج؟
والرد الغريزي على ذلك هو: لا، بكل تأكيد. أما الرد الرصين فهو (اتباع) السياسة
الواقعية. وهي القيام، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ببناء منظومة
علاقات مقابل إيران وسوريا وحزب الله. وإذا كان الهدف هو الوصول، في وقت ما لتسوية
مستقبلية، فإنه يجب منذ اليوم اشتقاق ما ينجم عنها من قرارات: هل، ومتى، وأين
نقصف؟ فحزب الله يتجول اليوم بشكل حر تماماً إلى جانب السياج الأمني في الشمال.
ونحن نراهم، ونميزهم تماماً، ولا توجد أية مشكلة في توجيه ضربة لهم، وهذا ما سيحدث
إذا ما أدت الغارات وعمليات القصف ضد مستودعات الأسلحة إلى تدحرج الأحداث على
النحو الذي حصل خلال حرب لبنان الثانية. حيث اختطف حزب الله جنديين، وقتل جندياً
ثالثاً. وقرر رئيس الحكومة في ذلك الوقت، ايهود اولمرت، استغلال الفرصة لتدمير
مستودعات الصواريخ بعيدة المدى، وكذلك لوضع حد لسيطرة حزب الله في الجنوب. وشكل
تدمير الصواريخ ناجحاَ مدوياً، أما الحرب فقد كانت كارثة.
اليوم نحن نسير في مسار مشابه.
والتجربة المتراكمة تثبت أن الحكومة الحالية تميل إلى تكرار أخطاء الحكومات
السابقة مع فارق واحد وهو أنها جميعها قامت بعمليات استعراضية تحولت إلى حروب
فاشلة، وهي جميعها نبعت من الحاجة إلى إدارة مفاوضات سياسية. أما الضرر المتراكم
لدى نتنياهو وشركاه، نظراً لعدم وجود أية فرصة سياسية، هو أكبر بكثير.
وعلى خلاف العمليات والحروب
السابقة، التي جرت في الضفة (الغربية) وفي القطاع وفي الشمال، فإننا نقف في
الاحتكاك الحالي في الشمال أمام محور حزب الله – سوريا – إيران المدعوم روسياً.
وهناك من يقول إن نتنياهو قد عرض على بوتين "خطوطاً حمراء"، وإن هناك
نوعاً من آلية للتنسيق بين سلاحي الجو. وأنا أجد صعوبة في تصديق أن بوتين قد أفسح
المجال أمام شن هجمات حرة في محيط دمشق. ليس لأن بوتين غير مرتاح لأن اليهود
والعرب يقومون بقتل بعضهم البعض، بل لأن بوتين، على المستوى السياسي، لا يقبل بتوجيه
ضربة إلى حلفائه تحت بصره. فمن الممكن التقدير أن نتنياهو قال لبوتين: نحن لا
نستطيع أن نسمح لأنفسنا بأن تصل صواريخ من نوع معين إلى حزب الله وأن تشكل تهديداً لمجالنا الجوي ولأهداف في
البنى التحتية. وبكل تأكيد، يمكن أن يكون بوتين قد قال له: هذا الأمر يثير اهتمامي
فعلاً، دعني أرى ما الذي يمكن لي أن أفعله في الموضوع. وبوتين هو ليس من هؤلاء
الذين يقولون لمحدثيهم ما الذي ينوون فعله بحق، ومتى.
المشكلة هي أن القدرة على قراءة الواقع لدى نتنياهو
مصابة بالخلل، وهي مرتبطة بالضغوط الشخصية والمحيطة. ولا توجد لديه مشكلة في ترجمة
ترجمة الكين (وهو المترجم لمحادثات بوتين - نتنياهو) إلى تفاؤل لا أساس له. وكان
رئيس لجنة الخارجية والأمن آفي ديختر قد سافر إلى موسكو من أجل أن يكون في صلب
مجريات الموضوع. وقد سمع ديختر هناك أقوالاً واضحة: حزب الله ليس عدواً، وإيران
صديقة ونحن نحارب معاً لصالح نظام الأسد. والحقيقة التي تخدم نتنياهو، إلى الآن،
هي أن الروس لم يردوا بشكل علني على الهجوم الأخير.
رجل ترامب
من غير الواضح إلى أية درجة لا يزال التنسيق الروسي - الإسرائيلي
فعالاً. فالتنسيق المقابل واضح تماماً: فالضباط الروس والإيرانيون، وقادة من حزب
الله وسوريا، يعملون معاً بشكل يومي. والطائرات الروسية مدعومة برادارات تغطي كل
دولة إسرائيل، وبمنظومات مضادة للطائرات بما فيها S-400.
فإذا ما قامت طائرة إسرائيلية، تحلق فوق حيفا، بإطلاق صاروخ لضرب هدف بالقرب من
دمشق، فهو موجود على الرادار الروسي، وفي مدى منظومة S-400،
منذ اللحظة التي ينطلق فيها. صحيح أن رئيس أركان سلاح الجو العميد تال كولمن قد
أطلق تصريحات مهدئة عندما قال إن "منظومات الأسلحة التي جرى نصبها في الشرق
الأوسط ليست موجهة ضد إسرائيل" إلا أنه لا يوجد لدى هذا الرجل أية فكرة حول
كيفية وتوقيت عمل الروس وحلفائهم عند المنعطف القادم.
هكذا بالضبط تدهورنا إلى حرب يوم الغفران: فقد عارضت
حكومة إسرائيل إجراء مفاوضات للتوصل إلى تسوية خلال حرب الاستنزاف. وكان تقدير
الجيش هو أن الروس لن يردوا على هجمات سلاح الجو في مصر، بما في ذلك إسقاط أربع
طائرات مع طياريهم الروس. لقد صمتت موسكو، إلا أنها وقفت وراء تقريب مصر لصواريخها
المضادة للطائرات باتجاه قناة السويس. وفجأة وقعت الحرب، وسقط آلاف القتلى،
وطائرات سلاج الجو تساقطت كالذباب في كمائن الصواريخ المضادة للطائرات في كل من
مصر وسوريا.
وبالإضافة إلى الحكومة الإسرائيلية، فإن التهديد الآخر
الذي يلوح (في الأفق) على الاستقرار في الشمال هو الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
فليس هناك أي شخص يعرف، بما في ذلك ترامب نفسه، كيف سيكون سلوكه. ومن سيحاول أن
ينظم الأمور هنا هو وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس، وهو المعارض القوي جداً
للاتفاق مع إيران. ومع ذلك فإن ماتيس، الذي حارب في العراق، أدرك أن على الولايات
المتحدة الأمريكية أن تعمل بسرعة من أجل حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وحسب
رأيه فإن الغضب العربي والإسلامي على الدعم الأمريكي المقدم لإسرائيل يلحق الضرر
بالجيش الأمريكي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وهو كان قد قال للصحيفة الأمريكية
"فور وورد" إنه كقائد في القيادة المركزية دفع "ثمناً عسكرياً
وأمنياً بشكل يومي". كما أنه أوضح هناك أن "المستوطنات تلحق الضرر بكون
إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وتبعد الأمل في حل الدولتين، وتزيد من الفرصة
أمام إسرائيل لتبني سياسة التمييز العنصري". كما قال ماتيس إنه "لا يمكن
استمرار الوضع القائم. وتجب معالجته مباشرة. وعلينا أن نجد السبيل لتطبيق حل
الدولتين، وأن الفرصة لتحقيقه بدأت بالتلاشي وذلك لأن المستوطنات وموقعها أصبحت على
وشك أن تجعل هذا الحل مستحيلاً".
حسناً! من هنا تمكن العودة إلى الحاجة إلى اتفاق في
الشمال. والشرط للاتفاق مع حزب الله وإيران هو الاتفاق مع الفلسطينيين، وبذلك تمكن
إصابة عصفورين بحجر واحد. أما المستوطنات؟ فهي خطأ. وقد بدأت محكمة العدل العليا
لتوها بتصحيح هذا الخطأ، إلا أن المهمة ملقاة على عاتق الجمهور كله. وإذا ما أخذنا
بعين الاعتبار استطلاعات الرأي حول الانتخابات فإن الأمر يبدو وكأنه أقرب إلى النكتة.
أما إذا ما نظرنا إليه بعين الواقع فإنه بمثابة مأساة.
ترجمة: مرعي حطيني