السعودية ظلت ملكة النفط بلا منازع
على الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققته أوبك والسعودية بشكل خاص في ما يتعلق بالاتفاق الأخير للمنظمة، فإنه لا تزال هناك العديد من الأسئلة الصعبة لجهة ما يتعلق بالقوة الحقيقية للمنظمة.
-
الكاتب: يوسي مان
-
المصدر: موقع مِدّا
- 6 كانون الأول 2016 12:05
إلى جانب السعودية فإن أكبر الرابحين هما إيران وروسيا.
في يوم الأربعاء الماضي أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك عن تخفيض قدره
1.2 مليون برميل نفط يومياً من مجمل إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة. وقد لُمست
النتائج على الأرض بشكل فوري تقريباً. ففي أعقاب الإعلان الدراماتيكي سُجل ارتفاع
حاد في أسعار النفط من 45 دولار للبرميل من نوع WTI
إلى 50 دولار للبرميل الواحد.
ارتفاع الأسعار بـ 10% خلال يوم واحد أثبت للمستثمرين وللتجار أن أوبك ظلت،
في نظر الكثيرين، المنظمة الأكثر تأثيراً على سوق "الذهب الأسود". ولا
يزال من المهم أن نفهم أن ارتفاع الأسعار هو ارتفاع مصطنع إلى درجة كبيرة، وخاصة
في ضوء حقيقة أنه من المقرر أن يبدأ تنفيذ الاتفاق فقط مع مستهل 2017، ويبدو أن
ذلك سيكون في منتصف شهر آذار/مارس.
قبل كل شيء الحديث يدور عن إنجاز كبير للسعودية، التي أثبتت مرة أخرى أنها
ظلت زعيمة الأوبك بلا منازع. فهي التي تحملت غالبية عبء تخفيض الإنتاج على كاهلها،
والأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هي أنها سجلت لنفسها إنجازاً سياسياً هاماً حيث
أنها هي من توسطت في تفاصيل الاتفاق. ووفق المحللين والبنوك التجارية فإن مدلول
الاتفاق، إذا ما تم تنفيذ التخفيض، هو أننا سنشهد في شهر آذار/ مارس ارتفاعاً
حاداً في الأسعار، حتى 60 دولار للبرميل.
وإلى جانب السعودية فإن أكبر الرابحين هما إيران وروسيا. فعلى الرغم من
الجهود غير المسبوقة والضغط الشديد من جانب الدول الأعضاء في المنظمة فإن إيران
رفضت أن يتم تنفيذ التخفيض عل حسابها. وأكثر من ذلك، هي تستطيع حتى أن تعيد كمية
الإنتاج داخل أراضيها إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الحظر الذي فُرض عليها، أي 4
ملايين برميل نفط يومياً.
كما أن روسيا قد سجلت إنجازاً بارزاً: فعلى الرغم من تصريحاتها بأنها ستخفض
إنتاجها بـ 300 ألف برميل يومياً فهي لم توقع بعد على وثيقة من هذا القبيل والنقاش
حول احتمال كهذا تم تأجيله حتى العاشر من كانون الأول/ديسمبر. وقد كان لروسيا دور
هام وكبير في بلورة الاتفاق خلف الكواليس. وقد خلقت تصريحاتها حول الاتجاه الذي
يسير نحوه الاتفاق صدى قوياً أشار إلى أن التجار والمحللين يرون فيها لاعباً قوياً
بما لا يقل عن السعودية.
ويبدو أن الاتفاق يعزز الحوار الروسي – السعودي في مواضيع مختلفة، وبشكل
خاص القضايا المتعلقة بالمنطقة. ومن هذه الناحية يمكن لبوتين أن يسجل لنفسه
إنجازاً سياسياً.
وبدون أدنى شك فإن الخاسر الأكبر من الاتفاق هو العراق. والمطلوب من هذه
الدولة النازفة الآن تجميد وتيرة الإنتاج الحالية، وذلك على الرغم من الفرصة
الكبيرة أمام سوق النفط في أراضيها. ويبدو أنه بعد أن فقدت روسيا والسعودية قدرة
التأثير على إيران وجدتا في العراق الطرف الذي لا يستطيع أن يصمد أمام ضغوط الدول
التي تقوم برسم مصيره، ولذلك اضطر للقبول بالاتفاق الذي سيُلحق الضرر باقتصاده إلى
درجة كبيرة.
سعر مصطنع
على الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققته أوبك والسعودية بشكل خاص، فإنه لا
تزال هناك العديد من الأسئلة الصعبة لجهة ما يتعلق بالقوة الحقيقية للمنظمة.
فبالإضافة إلى الدول المنتصرة الكبيرة في الاتفاق، فإن المنتصر الحقيقي فيه هو
شركات النفط الأمريكية التي ستعيش الآن على صناعة النفط الصخري بسبب ارتفاع
الأسعار، ومعها الجدوى الاقتصادية لهذه الصناعة.
إن المغزى الحقيقي لذلك هو أن منظمة الأوبك ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً في
منافسة قاسية مع السوق الأمريكية، ومع لاعبين آخرين من خارج المنظمة لم يوقعوا على
الاتفاق إلى الآن. وعلاوة على ذلك، إذا لم تنجح السعودية الآن في إقناع إيران
بتخفيض إنتاجها، فما الذي يضمن ألا تقوم الأخيرة في المستقبل بزيادة وتيرة إنتاجها
على حساب الدول الأخرى؟
وأخيراً يجب الانتباه إلى أن الاتفاق لم يطلب تخفيض التصدير، بل الإنتاج
المحلي لكل دولة. أي أن الدول تستطيع نظرياً الحفاظ على كمية التصدير التي كانت
تصدرها من قبل في الوقت الذي يتراجع فيه الإنتاج العام. وبما أن ذروة استهلاك
النفط في دول الشرق الأوسط هو في أشهر الصيف بسبب الاستخدام الكبير للكهرباء
والسيارات، فإن الاستهلاك المحلي يتراجع مع قدوم الشتاء من تلقاء نفسه ويتراجع
الإنتاج بشكل طبيعي. وعليه فإن التخفيض في الإنتاج هو تخفيض مصطنع، في الوقت الذي
لا تتغير فيه كمية التصدير. وبكلمات أخرى، فإن الاتفاق أكثر مما يقوم بتخفيض
الإنتاج هو يقوم بتكييف نفسه مع ظروف السوق المحلي للسعودية، التي تصل فيها
الأمطار في الشتاء إلى 150 ميليمتر في السنة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الحجة الأساسية هي أن منظمة الأوبك تتوقع زيادة
الاستهلاك العالمي في العام القادم، وعليه فإنه حتى وإن لم تقم الدول عملياً
بتخفيض الإنتاج فإن الأسعار سترتفع، وستظهر المنظمة وكأنها هي المسؤولة عن ارتفاع
الأسعار بسبب الاتفاق بين دولها.