بكيني في السعودية؟
ليس في نية التوتر في الخليج الاختفاء قريباً. بل على العكس من ذلك، فكلما أصر الطرفان على التمسك بمواقفهما تطفوا على السطح انقسامات عميقة. وقد انعكست هذه الانقسامات في أقوال سفير الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية، يوسف العتيبة، الذي ادعى في برنامج تشارلي روز أن الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين تتطلع إلى بناء أنظمة علمانية، قوية ومزدهرة، في مقابل قطر التي تدعم الأخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط.
-
الكاتب: ألاّ ايفك
-
المصدر: "منتدى التفكير الإقليمي" - "إسرائيل"
- 26 اب 2017 08:29
اشتدت حدة الجدل حول موضوع العلمانية مع نشر خطة ولي العهد السعودي لإقامة مجمع سياحي عملاق جنوب البحر الأحمر
إن مصطلح "العلمانية" في اللغة العربية يخرج
عن الموضوع المقتصر على فصل الدين عن الدولة وينزلق إلى القيم الليبرالية وإلى
علاقات الشرق والغرب بشكل عام. وفي الوقت الذي يربط فيه الإسلامويون بين
الإمبريالية الغربية وبين إقحام القيم "العلمانية"، التي تهدد ظاهرياً
القيم الإسلامية، فإن "العلمانيين" يتطلعون إلى تعزيز الحداثة، والتقدم،
والتنوير والتفكير الإنساني العقلاني.
هذا ويدور جدل مثير للاهتمام حول الموضوع في الطبقة
الدينية الحاكمة في السعودية. وقد اشتكى الباحث السعودي فهد الشقيران مؤخراً من أن
مصطلح "العلمانية" تحول إلى لعنة بدلاً من أن يرمز إلى نهضة ثقافية
شاملة. ويُذكِّر شقيران بالفيلسوف الجزائري محمد أركون، الذي أقام حتى وفاته في
فرنسا، وبخليفته الزواوي بغورة، وهو جزائري أيضاً، ويحاضر في جامعة الكويت، ويُكثر
من الكتابة حول العلمانية كعلاج للتخلف والإرهاب.
وفي رد على ذلك سارع المفكر السعودي فهد الدغيثر إلى
التوضيح بأن "علمانية" العتيبة لا تعني الانحلال كما هو الحال السويد
وفرنسا، أو إهمال المساجد والتدريس الديني في المدارس. وقد أورد الدغيثر النقد في
الإمارات الذي تم تفسيره على أنه إعلان من قبل السفير (العتيبة) على تحويل دولته
إلى دولة "علمانية". ويستند هذا المفكر إلى موقف مفكر ليبرالي سعودي آخر
هو إبراهيم البليهي الذي لا يقدس العلمانية بالضرورة إلا أنه ينتقد كثيراً
"التخلف الفكري في العالم العربي وانقطاعه عن الحضارة الغربية"، وكذلك
العلاقة المغرضة في العالمين العربي والإسلامي مع الغرب، وذلك من خلال التركيز على
إخفاقاته وتجاهل إنجازاته.
ويُستخدم هذا الجدل الداخلي كسلاح في يد قطر ومؤيديها
الذين يدّعون أن الحقيقة قد بانت جلية للعيان، وأن أصل الصراع بين قطر وبين
السعودية ليس دعم قطر للإرهاب، إذا صح القول، بل رغبة الدول المقاطعة في تعزيز
التوجهات العلمانية في الخليج، وذلك على خلاف قطر التي "تدافع عن القيم
الإسلامية". ويربط محمد الشنقيطي، وهو أكاديمي قطري ذو ميول إسلاموية، الأزمة
في الخليج بخوف دول المنطقة من تسلل رياح "الربيع العربي" إلى أراضيها.
إذ يرى أنه في الوقت الذي تحاول فيه قطر والمغرب احتواء الإسلام السياسي بهدف
التقرب من الجمهور الواسع فإن السعودية ومؤيديها يريدون قمع الإسلام السياسي من
أجل إخضاع روح الثورة.
وقد اشتدت حدة الجدل حول موضوع العلمانية مع نشر خطة ولي
العهد السعودي لإقامة مجمع سياحي عملاق في جنوب البحر الأحمر، والذي ستنتهي عملية
بنائه عام 2022. وهذه الريفيرا السعودية التي ستمتد على حوالي خمسين جزيرة غير
مأهولة، ستدار بمقاييس دولية، وسيتمكن زوارها من الدخول إليها من دون الحصول على
تأشيرة دخول. وفي ضوء الأخبار حول النية لاستثناء المنطقة من القيود المتشددة
المفروضة على ملابس النساء فقد تم التركيز في وسائل الإعلام الغربية على استعداد
السعودية السماح للسائحات بلبس البكيني.
وإلى جانب مؤيدي ولي العهد السعودي، المؤمنين بأن
المشروع سيندمج بشكل جيد مع رؤية 2030 التي تهدف إلى تخليص السعودية من الارتباط
بموارد النفط، فإن كل الجهات المحافظة في العالم العربي، بما في ذلك في السعودية،
توجه انتقاداتها لمشروع الريفيرا ويفسرونه على أنه يشكل نموذجاً لتطبيق
"النبوءة العلمانية" الخاصة بالعتيبة. وقد تساءل كثيرون على صفحات
التويتر إذا ما كانت السعودية مهتمة بالكشف عن مفاتنها أمام الأجانب. بينما أشار
الآخرون بسخرية إلى الفجوة بين السماح بالبكيني للأجنبيات وبين مصادرة الحقوق الأساسية
للمرأة السعودية. وأضافوا ساخرين: ربما يتم إصدار ترخيص لشرب "الخمر
الحلال".
ولم تقتصر السخرية الموجهة إلى المشروع السياحي "المتساهل"
على شبكات التواصل الاجتماعي فقط. بل أن مفكرين إسلامويين قد احتجوا على ذلك
وادعوا بأن السعودية، التي تحمي الأماكن المقدسة، يجب عليها الالتزام بالسياحة ذات
الطابع الديني فقط.
ومن بين المواقف الهامة هناك موقف المفكر السعودي، جمال
خاشقجي، غير المحسوب على الموالين المحيطين بولي العهد. وحسب أقواله فإن العلمانية
ليست دكاناً يمكنك أن تختار منه بعض المنتجات فقط. وذكَّر بأن السعودية قد تأسست
بالاستناد إلى أيديولوجية إسلامية، ومن غير الممكن تحويلها عن ذلك بـ
"قليل" من العلمانية. ووجه الخاشقجي أقواله لسعود قحطاني، وهو أحد
المستشارين المقربين من ولي العهد، والذي اقترح استبدال "الشرعية
الأيديولوجية" الخاصة بالسعودية، التي تقود فقط إلى التشدد والانقطاع عن
المجتمع الدولي، ببناء "الدولة القومية" التي تهتم برفاهية مواطنيها.
ويعتقد خاشقجي أن التخلي عن الإسلام سيُلحق الضرر بالملاط الذي يربط بين النظام
وبين الشعب. إلا أنه يقترح التركيز على "الإسلام الإيجابي" المنفتح على
الاصلاحات والحداثة.
إن النقاش الداخلي في موضوع العلمانية في المنطقة
العربية هو نقاش مثير ويطال كل الدول العربية تقريباً. ونقاشات من هذا القبيل عاطفية
ومشحونة بطبيعتها، وهي تطغى في الكثير من الأحيان على أحداث حساسة من الناحية
الدينية، والتي تحدث في الواقع، مثل تلك التي حدثت في جبل الهيكل (المسجد
الأقصى).
ترجمة: مرعي حطيني