موسكو والقدس وطهران.. لحظة الحقيقة
لقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم غد، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقر إقامته في منتجع سوتشي، هذا اللقاء ربما هو الأهم من بين اللقاءات التي عقدها الاثنان منذ بداية التدخل الروسي في الحرب الأهلية في سوريا قبل أكثر من عام.
أما في الحالة الإسرائيلية فقد حال الحوار، وربما الانسجام الشخصي (الكيميا)، بين بوتين ونتنياهو دون حدوث مواجهة روسية – إسرائيلية محتملة، وسمح للجانبين بالاستمرار في أعمالهما كالمعتاد. فقد واصلت روسيا ضرب المتمردين في كل أنحاء سوريا، ودمرتهم ونجحت في إنقاذ (الرئيس) بشار من سقوط مؤكد. فيما واصلت إسرائيل، بدون أي إزعاج، ضرب قوافل السلاح التي كانت تشق طريقها داخل الأراضي السورية من طهران إلى منظمة حزب الله.
المشكلة هي أن التفاهمات القائمة بين نتنياهو وبوتين كانت جيدة لزمانها. فعلى الأرض، داخل سوريا نفسها، بدأ الواقع يتغير بسرعة. فالحرب في هذه الدولة تقترب من نهايتها، على ما يبدو، أسرع مما هو متوقع، وتترك (الرئيس) بشار على كرسيه، وتترك إسرائيل تواجه معضلة لجهة ما يمكن لها أن تتوقعه من الحاكم السوري في حال انتهاء الحرب. هل سيكون هو الحاكم نفسه الذي أرادت أن توقع معه على اتفاق سلام مقابل الجولان، وهي قد أمِلَت، عن طريق ذلك، أن تقطع علاقته مع إيران وحزب الله؟
رد جزئي على ذلك جاء في خطاب (الرئيس) بشار الأسد يوم الأحد في دمشق. فقد بشرنا بشار أن الحرب تقترب من نهايتها، وأكد لسامعيه أن سوريا قد تجاوزت المعركة على الرغم من أنها قد خسرت خيرة أبنائها، وأنها قد حققت الانتصار بفضل روسيا، وبشكل خاص إيران وحزب الله، الذين ستدخل أعمالهم من أجل سوريا، على حد قوله، في صفحات التاريخ.
الحقيقة هي أنه عندما تنتهي الحرب في سوريا فإن المنتصر سيكون بوتين الذي وضع كل ثقله، وبالأساس ثقل روسيا، من أجل إنقاذ (الرئيس) بشار. إلا أن اللاعبين الرئيسيين في المؤامرة كانا، بطبيعة الحال، إيران وحزب الله، اللذين قاتلا كتفاً إلى كتف إلى جانب الروس وحصلا في مقابل ذلك على موطئ قدم في سوريا.
وخلال الأسابيع الأخيرة تعمل إسرائيل بهدف ضمان أن تضمن اتفاقات وقف إطلاق النار التي يجري إعدادها بوساطة روسية إبعاد إيران وحزب الله عن الحدود الإسرائيلية – السورية، وألا تُمنح لإيران إمكانية إقامة قواعد عسكرية في سوريا، أو منشآت تستطيع تهديد إسرائيل منها. والروس مستعدون للإصغاء لإسرائيل، وهم ليسوا معادين كما كان الحال في الماضي. إلا أن لموسكو مصالحها الخاصة بها في سوريا، ووفق رؤيتها فإن على إسرائيل أن تتعلم كيف تتعايش مع إيران وحزب الله، وهما حليفان حيويان لموسكو في المنطقة.
لقد نسي الروس، على ما يبدو، كيف ردوا بشراسة وغضب على الأخبار بأن الولايات المتحدة الأمريكية تنوي نشر قواتها في دول البلطيق، وفي بولونيا أو في دول آسيا الوسطى. إلا أن ما هو مسموح لدولة عظمى ليس مسموحاً، على ما يبدو، لدولة صغيرة.
إن اللقاء مع بوتين هام أيضاً بسبب غياب اللاعب الأمريكي عن الساحة. ويتضح أنه ليس هناك فرق بين إدارة باراك أوباما وبين إدارة دونالد ترامب في كل ما يتعلق بالقرار البارد والمثير للسخرية القاضي بترك المتمردين في سوريا لوحدهم والتركيز على أهداف نفعية ومؤقته مثل القضاء على داعش.
يمكن تفَهُّم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية المعنيتان في محاربة الإسلام المتطرف والمحافظة على الاستقرار. إلا أنه عندما يحتفل الكبار فإن الصغار هم الذين يدفعون الثمن في غالب الأحيان، وإسرائيل هي التي يُطلب منها هذه المرة دفع ثمن الوجبة في سوريا، وذلك عن طريق التسليم بتواجد طهران في هذه الدولة.
من الأفضل لإسرائيل أن تضع سياسة لجهة ما يحدث في سوريا، وبشكل خاص الخطوط الحمراء، الأمر الذي امتنعت عنه على امتداد سنوات الحرب. فأمنها، في ظل وجود إيران، لا يمكن وضعه لا بين يدي بوتين ولا بين يدي ترامب.
ترجمة: مرعي حطيني