ترامب ركل السياسة الأميركية في وجهها
فوز دونالد ترامب هو أقوى مفاجأة سياسية يمكن تذكرها في التاريخ الحديث، وهي تعود كلها لدونالد ترامب. فهو غير مَدِين بأي شيء لأي شخص. فهم لم يقدموا له التمويل، ولم يعلموه، ولم يقولوا له ما الذي ينبغي عليه أن يفعله.
1- القاعدة الوحيدة التي بقيت للدخول إلى الساحة السياسية هي أنه لم تعد هناك قواعد. فكل شخص يمكن له أن يفعل ما يراه جيداً من وجهة نظره، وبوسع كل شخص أن يصبح أي شيء يريده. لا توجد حدود، ولا توجد تابوهات (محرمات)، وما هو صواب سياسياً قد مات ودفن، دفن الحمار. فإذا كان بوسع دونالد ترامب أن يُنتخب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية فإنه قد كان بوسع المرحوم لويس دي- بينس أن يُنتخب في حينه رئيساً لفرنسا، ويمكن ليائير أن يحل محل نتنياهو. والمقصود هنا يائير نتنياهو. 2 - إن هذه هي أقوى مفاجأة سياسية يمكن تذكرها في التاريخ الحديث، وهي تعود كلها لدونالد ترامب. فهو غير مَدِين بأي شيء لأي شخص. فهم لم يقدموا له التمويل، ولم يعلموه، ولم يقولوا له ما الذي ينبغي عليه أن يفعله. وعلى خلاف الرئيس العادي، الذي يكون واجباً عليه سداد الدين (الموجود في رقبته) لمئات المتبرعين والنشطاء الحزبيين والمقربين والمستشارين الاستراتيجيين في اليوم التالي (لانتخابه)، فإن ترامب غير مدين بأي شيء لأي شخص، ربما باستثناء كريس كريستي ورودي جولياني. هو قد فعل ذلك بطريقته الخاصة، وحيداً تماماً. فهو قد ميز وجود التيار، ووجه نفسه إليه، وركب عليه. وهو وجّه بذلك ركلة إلى وجه كل ما عرفته السياسة الأمريكية، حتى الآن، وانتصر. 3- لقد تحطم السقف الزجاجي الخاص بهيلاري كلينتون على رأسها. ومثلما كان حال بوجي (هيرتسوغ)، في حينه، هي أيضاً ذهبت إلى البيت لتنام بعد أن انهار كل شيء. المرأة غير الصحيحة في الزمن غير الصحيح وفي المكان غير الصحيح. فمن الناحية التقنية تمتلك كلينتون مؤهلات عاليه للمنصب. إلا أن المشكلة هي أن الانتخابات لا يتم حسمها بمثل هذه التقنية، بل بالمعدة وبالقلب. فقد كانت كلينتون مرشحة ضعيفة، وشاحبة، وليس بوسعها أن تجذب (المصوتين) بما فيه الكفاية. وهي كانت ترمز إلى كل ما كان يمقته الكثير من الأميركيين، وتحولت إلى هدف مكشوف لليمين الأميركي، وليس هذا وحسب. إذ أن أصحاب الياقات الزرقاء، وهم ديمقراطيون بشكل عام، خانوها. وهي قد تقبلت هذه الخيانة باستقامة. 4 - إن مهنة استطلاع الآراء في المجال السياسي قد انقضت من العالم. فهذه الوسيلة قد أفلست. ليس فقط في الحملة الانتخابية عندنا في عام 2015 أو في الاستفتاء الشعبي الذي جرى على خروج بريطانيا (من الاتحاد الأوروبي)، والآن في الولايات المتحدة الأميركية، ففي العصر الراهن لا يمكن توقع أي شيء، ولا يمكن التنبؤ بأي شيء. وأول شخص سيجد طريقة حسابية موثوقة يستطيع من خلالها التنبؤ بدقة حسابية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بما يريده الناس، فلا بد أنه سيصبح ملياردير. وبالفعل هناك شخص كهذا اسمه مارك زوكربيرغ. 5- كما أنه لا بد وأن المحللين السياسيين يشعرون بالخجل صباح اليوم. ومن حظنا أن الانتخابات هناك وليست هنا. فمن الصعب أن نطرح الحجج ضد محللين إسرائيليين يقومون بالتغطية (للأحداث) في بلد ليس بلدهم، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية قد ضُبطت عارية تماماً، وهي تهرب الآن خجلة في ليل المدنية مكشوفة العورة. بالضبط، مثلما حدث معنا قبل عام ونصف. والشبه بين ترامب 2016 ونتنياهو 2015 كبير، وكذلك هو حال الانقسام العميق، والتشرذم إلى قبائل، على النحو الذي نراه في أمريكا. وهذا أمر معروف للإسرائيلي البسيط وليست هناك حاجة للإشارة إليه. وهو أمر مقلق. 6- لقد حصل نتنياهو أخيراً على رئيس جمهوري. فهو كان، حتى الآن، قد عمل أمام بيل كلينتون وباراك أوباما، وهو كان يتباكى على مصيره في كل مناسبة. والمشكلة مع ترامب هي أنه ليس الجمهورية التي صلى نتنياهو من أجلها. والحقيقة هي أنه ليس جمهورياً بالمرة. فترامب هو ترامب. وهو غير مَدِين بأي شيء لأي شخص، لا يخاف من ايباك، ولم يحصل على تمويل يهودي استثنائي، وهو بشكل أساسي شخص ذو فتيل قصير يصعب توقع تصرفاته. إن المؤشرات التي يمكن التقاطها من الأشخاص الذين عملوا معه لسنوات تدل على أنه لا يحب اليهود بشكل خاص، أو الإسرائيليين. وهو لا يحمل في جيناته كل ما يحتاج إليه السياسي الأميركي (بما في ذلك هيلاري): الالتزام العميق والأوتوماتيكي بإسرائيل في كل الأوضاع وفي كل الحالات الجوية. فترامب قد كسر كل القواعد الممكنة ولن تكون لديه مشكلة، إذا أراد ذلك، أن يكسر هذه القاعدة أيضاً. لذلك، يخيّل لي، أنه لم يقم أحد في القدس بفتح زجاجات الشامبانيا هذا الصباح. نعم، هناك احتمال في أن يتحول ترامب إلى نسخة صقرية ومتشددة أكثر من جورج بوش ويأمرنا بالبناء أكثر في المناطق (الفلسطينية) ونقل السفارة إلى القدس. إلا أن هناك حالة معاكسة أيضاً، وإذا ما تحققت بالفعل فإننا كلنا سنواجه المصائب. 7- إن الخسارة التي تعرضت لها هيلاري كلينتون تجعل من الأيام الـ 72 "بين الرئيسين"، التي بدأت اليوم، أياماً متوترة، وأياماً هي الأخطر على نتنياهو وسياسته. فلو أن كلينتون هي التي فازت لكان باراك أوباما سينسق معها العمل الذي ينوي القيام به في الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني. ومن المرجح أنها كانت ستضغط عليه ليكون ليناً. وهناك حالة ربما يريد فيها أوباما أن ينهي (ولايته) بفعل كبير، وأن يترك وراءه إرثاً "يقيّد" من خلاله ترامب (كأن يتم، على سبيل المثال، تمرير قرار في مجلس الأمن ضد المستوطنات). 8- اللهم بارك بأميركا، وساعدنا جميعاً. ترجمة: مرعي حطيني