"الساعة الرملية" للبرنامج النووي الإيراني

تواصل إيران فعلاً تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وهي قامت مؤخراً بإجراء عدة تجارب لإطلاقها. التجربة الأولى تمت في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2015 حيث تم إطلاق صاروخ من طراز "عماد" (Emad)، وهو نسخة مطورة من الصاروخ "شهاب3".

تواصل إيران تطوير الصواريخ الباليستية
أكثر من عام مر منذ أن تم التوقيع في فيينا، في 14 تموز / يوليو 2015، على صفقة "خطة العمل الشاملة والمشتركة" (Joint Comprehensive Plan of Action - JCPOA)" بين إيران وبين الدول العظمى 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية - وهي الصفقة التي تهدف إلى تأخير تنفيذ الجوانب العسكرية في البرنامج النووي الإيراني. 
وقد دخلت هذه الصفقة حيز التنفيذ في 16 كانون الثاني / يناير 2016 (يوم التنفيذ – Implementation Day)، وبذلك بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق وبمتابعة تطبيق إيران لالتزاماتها. وبالفعل، من الضروري التحقق من كيفية  قيام إيران بتنفيذ التزاماتها حتى الآن، لكن ليس فقط في إطار المفهوم الضيق للقضية النووية بل من خلال نظرة واسعة لسلوكها منذ التوقيع على الاتفاق.

ووفق التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهذا الأمر صحيح لغاية شهر أيار / مايو 2016، فإن إيران تقوم منذ يوم التنفيذ بتطبيق "الملحق الإضافي" من اتفاق الضمانات الخاص بها مع الوكالة، وهي تُظهر شفافية تجاه الرقابة على مواقعها النووية وملتزمة بمسؤولياتها. 
وقد قامت إيران بتخفيض مخزون UF6 المخصب (سادس فلوريد اليورانيوم) لديها بنسبة 3.67% إلى 300 كغ، وعدد أجهزة الطرد المركزي في نتانز (Natanz) إلى 5.060 وحدة عاملة، وعدد أجهزة الطرد المركزي في فورود إلى 1.044 وحدة غير عاملة، وأوقفت بشكل نهائي تخصيب اليورانيوم في فورود. كذلك الحال أوقفت نهائياً النشاطات المرتبطة بمفاعل الماء الثقيل في آراك، وذلك عن طريق إخراج خزان قلب المفاعل (الذي يسمى علمياً - Calandria) من مبنى المفاعل وتم إغلاق بواباته بالاسمنت.

إلا أنه، وبما يتناقض مع كل ما ذُكر أعلاه، فإنه من المحتمل أن تكون إيران تواصل إخفاء معلومات عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتعلق بماضيها في المجالات المرتبطة بتطوير سلاح نووي، والتي جرى التطرق إليها في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحت عنوان الأبعاد العسكرية المحتملة "Possible Military Dimensions". وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمكنوا فقط في 20 أيلول / سبتمبر 2015 من زيارة موقع بارتشين (Parchin) وكذلك أخذ عينات من تربته. 
وهذا على خلفية المعلومات الاستخبارية التي تقول بأن إيران قامت في عام 2002 ببناء مبنى في بارتشين تم وضع خزان كبير جداً فيه. ووفق المواصفات الخاصة به فإنها تدل على أنه كان مخصصاً لإجراء تجارب هيدرودينامية على مواد متفجرة. 

وبناء عليه فإنه كان من الممكن إجراء "تجارب باردة" في المنشأة عن طريق إجراء تفجير يحاكي تفجير الانشطار الجزيئي للمواد المتفجرة المغطاة بجزيئات من اليورانيوم الطبيعي المعدني. وكان يمكن أيضاً أن تجري فيه تجارب باستخدام زناد (مطلق) نيوترونات لقنبلة ذرية من نوع U-D-D (Uranium Deuteride). 
 وعلى الرغم من الادعاء الإيراني القائل بأن المبنى في بارتشين قد جرى استخدامه لتخزين المواد الكيميائية ولإنتاج المواد المتفجرة إلا أن فحص العينات المأخوذة من تربة الموقع قد كذبت الأمر. وفي موازاة ذلك فإن فحص العينات التي أُخذت في 20 أيلول / سبتمبر 2015 كشف عن وجود جزيئين من اليورانيوم الطبيعي، والتي يعود مصدرها إلى مرحلة ما من مراحل معالجة اليورانيوم . إلا أنه بسبب الكمية الضئيلة لليورانيوم الذي عثر عليه في الموقع فإنه لم يكن بالإمكان تحديد مصدر المادة.

وباختصار فإن المعلومات المتوفرة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية وفحص عينات التربة، كذبت ادعاء إيران لجهة الغرض من موقع بارتشين. إلا أن التغييرات المكثفة التي أجراها الإيرانيون أحبطت قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق من الشكوك إذا ما جرت فعلاً في الموقع تجارب هيدرودينامية مرتبطة بتطوير سلاح نووي.

 

"زمن الاندفاعة" – سنة

على النحو الذي تم التطرق إليه قبل سنة، فإن الإشكالية في الصفقة النووية مع إيران تتمثل في القدرة على مواجهة "زمن الاندفاعة" (Breakout Time)، والذي يعرّف على أنه المدة الزمنية المطلوبة لإنتاج سلاح نووي - إذا ما قررت إيران في أية لحظة مفترضة "قلب الطاولة" والانسحاب من الاتفاق. وحسب أقوال أوباما عشية التوقيع على اتفاق فيينا فإن "زمن الاندفاعة" هو سنة واحدة – وهي فترة طويلة بما يكفي حتى يكون بالإمكان الكشف عن الجهد النووي الإيراني ووقفه. 
وفي مقابل ذلك، ادعى عدد من الخبراء أنه يمكن تقصير زمن الاندفاعة إلى أشهر معدودة، ولذلك لن يكون بالإمكان وقفها. وبما يرتبط بذلك، وكما هو معلوم اليوم، فإن أوباما كان مصراً منذ البداية على التوصل إلى الصفقة مع إيران بأي ثمن، وكل جهوده لتقديمها على أنها اتفاق جيد كانت من أجل إتاحة "بيعها" للكونغرس الأمريكي ولحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. 
وبالإضافة إلى ذلك فإن اتفاق فيينا يتيح لإيران الاستمرار بإجراء تجارب حتى باستخدام أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتطويرها، والتي تصل سرعة التخصيب فيها إلى عشرة أضعاف، وربما أكثر، من أجهزة الطرد المركزي التي كانت مستخدمة إلى الآن. وتشمل هذه التجارب عملياً تخصيب اليورانيوم على الرغم من أنه قد حُظر على إيران تخزين اليورانيوم المخصب، وهي ملزمة بتنضيبه في نهاية عملية التخصيب. هذه القيود فرضت على إيران لمدة عشر سنوات، بدءاً من "يوم التنفيذ". 
وكذلك الحال فإن هناك قيوداً على إيران لمدة 15 عاماَ بعدم إجراء تجارب على أجهزة الطرد المركزي – إلا في منشأة التجارب القريبة من معمل تخصيب اليورانيوم في نتانز (Natanz)، وكذلك في مركز الأبحاث النووية في طهران. وبما يُستنتج من ذلك، فإنه حتى وإن لم تقم إيران بالانسحاب من اتفاق فيينا، فإنه عندما ينتهي مفعول الاتفاق سيكون بوسعها تطوير قدرة تخصب يورانيوم متطورة بسرعة كبيرة، وهي تستطيع تخزين كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب لإنتاج سلاح نووي بسهولة.

 

كذلك قامت إيران ببناء قدرة كبيرة في المجالات المرتبطة بالمسار الموازي لإنتاج البلوتونيوم كمادة انشطارية لإنتاج السلاح النووي. ووفق ما تمت الإشارة إليه سابقاً فإن إيران اُجبرت في اتفاق فيينا على تفكيك خزان قلب مفاعل الماء الثقيل الذي كان قد أقيم في آراك وتحويله إلى مفاعل لا يمكن استخدامه على الصعيد العسكري، والذي سيُستخدم حصراً للأبحاث ولإنتاج النظائر المشعة للاستخدامات الطبية والصناعية. إلا أن المعرفة والتجربة الواسعة، التي امتلكتها إيران في مجال المفاعلات النووية، من شأنها أن تمكنها في المستقبل من إعادة بناء مفاعل إنتاج البلوتونيوم.

 

وحتى أن إيران قد امتلكت خبرة في إنتاج الوقود النووي المناسب لمثل هذا المفاعل. والمعمل الذي أقامته لإنتاج الماء الثقيل للمفاعل لازال صالحاً. وقد امتلك العلماء الإيرانيون معرفة وخبرة لا يستهان بهما في المختبرات في مجال فصل البلوتونيوم من الوقود المستخدم الناتج من المفاعل النووي. وهم يستطيعون تطوير الخبرة التي راكموها لدرجة إقامة منشأة رائدة لفصل البلوتونيوم، وربما أكثر من ذلك.

العلاقة مع كوريا الشمالية

هناك جانب مثير للقلق في اتفاق فيينا وهو يتمثل في العلاقة الوثيقة بين إيران وبين كوريا الشمالية، التي تواصل حتى اليوم ترؤس "محور الشر". وقد وجدت هذه العلاقة، في السابق، تعبيراً عنها بشكل رئيسي في التعاون في مجال الصواريخ الباليستية. إلا أنه توجد إلى جانب ذلك أرضية واسعة للتعاون النووي العسكري بين الدولتين، وبخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم بأسلوب أجهزة الطرد المركزي، وفي تنفيذ تجارب على السلاح النووي. 
وهناك شخصية مركزية إيرانية في هذا المجال، وهو على ما يبدو الدكتور محسن فخري زاده مهابادي (Mohsen Fakhrizadeh-Mahabadi)، وهو ضابط كبير في "الحرس الثوري"، والذي يعتبر "أبو القنبلة النووية الإيرانية". وجاء في التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ سنوات أن إيران رفضت السماح لعناصر الوكالة إجراء استجواب لفخري زاده. وهو قد انتقل إلى العيش في الخفاء منذ فترة طويلة، وهذا ليس فقط بسبب الخوف على حياته، بل أيضاً بسبب رفض إيران المطلق للكشف عن عناصرها العاملين في برنامج السلاح النووي.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد تم الادعاء في عدد من التقارير الصحفية أن فخري زاده قد حضر، كمراقب على الأقل، في التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية في 12 شباط / فبراير 2013. وعلى هذه الخلفية، وفي ظل القيود المفروضة عليها في اتفاق فيينا، فإنه تجب الخشية  من أن تقوم إيران باستخدام كوريا الشمالية كمنشأة للتجارب (Testbed) بهدف الاستمرار في تطوير برنامجها النووي العسكري.

 

ويجب التأكيد أن الصفقة النووية في فيينا تمتاز بعدم التطرق إلى الجهود الإيرانية لتطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، على الرغم من أن ويندي شيرمان، نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية، كانت قد أكدت في شهادتها أمام الكونغرس في 4 شباط / فبراير 2014، أن موضوع الصواريخ الباليستية الذي تم تضمينه في قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، "يجب التعامل معه كجزء من اتفاق شامل" حول البرنامج النووي الإيراني.

 

كذلك الحال فإن مجلس الأمن تبنى، في 20 تموز / يوليو 2015، وبالإجماع القرار 2231 القاضي بفرض قيود على إيران لمدة ثماني سنوات تحول بينها وبين مواصلة نشاطاتها في مجال الصواريخ الباليستية ذات القدرات النووية، بما في ذلك تجارب إطلاق الصواريخ. إلا أن إيران، كما هي عادتها، "تتحايل" على القرار بحجة أن الصواريخ الباليستية مخصصة لهدف مشروع وهو حماية أراضيها وليس كسلاح للإبادة الجماعية.

 

وتواصل إيران فعلاً تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وهي قامت مؤخراً بإجراء عدة تجارب لإطلاقها. التجربة الأولى تمت في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2015 حيث تم إطلاق صاروخ من طراز "عماد" (Emad)، وهو نسخة مطورة من الصاروخ "شهاب3". ويزود صاروخ "شهاب3" بالوقود السائل، ويبلغ مداه 1.700 كيلو متر، وتبلغ دقة إصابته نصف كيلو متر، وهو قادر على حمل رأس حربي بوزن 750 كيلو غرام. وقد تم صبيحة التجربة عرض الصاروخ أمام وسائل الإعلام من قبل الجنرال حسين دهقان (Brig. Gen. Hossein Dehghan). وهناك صاروخ آخر تقوم إيران مؤخراً بتطويره وهو "سجيل2" (Sejjil-2)، وهو أكثر تطوراً ويعمل بالوقود الصلب. ويتراوح مداه بين 1.900 – 2.000 كيلو متر. وهو قادر أيضاً على حمل رأس حربي بوزن 750 كيلو غرام.

 

إن القدرة على تطوير محرك يعمل بالوقود الصلب هي نقطة فارقة وهامة في التطور التكنولوجي الإيراني في مجال تصنيع الصواريخ. وكانت تجربة صاروخ "سجيل1" قد تمت في 2008، وبدأت التجارب حول تحليق "سجيل2" في عام 2009. وحسب أقوال الجنرال عبد الله عراقي، نائب قائد "الحرس الثوري": يستطيع الصاروخ "ضرب أي مكان يشكل تهديداً على إيران". وقد تم وقف التجارب على تحليق صاروخ "سجيل2" في عام 2011، إلا أنه تم استئنافها بالتجربة التي جرت في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2015. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بالاعتماد على التكنولوجيا المستخدمة في "سجيل2" تتطلع إيران إلى تطوير صاروخ ثلاثي المراحل يصل مداه إلى 3.700 كيلو متر, وهو "سجيل3". إلا أنه، وفقاً للتقديرات، فإن هذا المشروع لن يبدأ قبل 2017.


ترجمة: مرعي حطيني