الشرق الأوسط لا ينتظر فرنسا

لا عجب إذاً ما لم يكن هناك من يتعامل بجدية مع المؤتمر المنعقد في باريس، وألاّ يعلق عليه أحد أية آمال. ولكن عدم المبالاة وقلة الاهتمام بالمؤتمر لا ترتبط فقط بالبلد المضيف بل أيضاً في حقيقة أنه لا يوجد لأي شخص في العالم العربي أي اهتمام به، ولا يوجد له الوقت للانشغال بالقضية الفلسطينية. والجميع، بطبيعة الحال، يتشاركون في الرغبة بعدم اندلاع موجة عنف جديدة في المناطق (الفلسطينية المحتلة) بأي ثمن.

مؤتمر باريس للسلام ينطلق بمشاركة 70 دولة
بعد أن قادت إلى تفتيت ليبيا، وأثبتت عجزها في كل ما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا، تقع فرنسا الآن في إغواء محاولة اختبار قوتها في دفع العملية السياسية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. وبالفعل لم يكن أحد قد دعا فرنسا للتوسط بين القدس ورام الله إلا أنها (فرنسا) لا تزال غارقة في الماضي غير المشرف لها كإمبراطورية عالمية كانت تسيطر على أجزاء من الشرق الأوسط، وهي مقتنعة بأنها لا تزال قوة عظمى عالمية رائدة التي يهتم الجميع برأيها.

 

أما في الشرق الأوسط نفسه، فلا أحد يكترث بفرنسا، ولا أحد يتعامل بجدية مع مبادرتها. أولاً، لأن أيام الإدارة الحالية في باريس باتت معدودة، وبعد الانتخابات الرئاسية القادمة سيدخل إلى قصر الإليزيه رئيس جديد مع سياسة مختلفة تماماً. وثانياً، وحتى أن هذا السبب أهم بكثير من الأول – وهو أنه بعد أقل من أسبوع سيُسحب البساط من تحت المبادرة الفرنسية وذلك مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

 

ولكن، وبما يتجاوز كل ذلك، فإنه لا يوجد أي شخص ينظر إلى فرنسا بجدية وذلك لأنها منذ عقود تتعامل بما هو متخيل. فهي تتخيل أنها دولة عظمى هامة ورائدة، وهي تتخيل أيضاً أنها تمتلك تأثيراً على شيء ما في المنطقة – إلا أن وزنها النوعي، في الواقع، يساوي الصفر.

 

والفشل الفرنسي يبرز بشكل كبير في كل من سوريا ولبنان، وهما الدولتان اللتان انتقلتا إلى عهدتها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. إلا أن التزام فرنسا بهذين البلدين، وبشكل أكبر بالأقلية المسيحية التي تعيش فيهما، كان دائماً على الورق وحسب. إذ نجد أن الفرنسيين قد تخلوا عن المسيحيين في لبنان، وكذلك الحال في سوريا حيث ظلت فرنسا تراقب من بعيد الحرب الأهلية الدموية الدائرة في البلد.  

 

فلا عجب إذاً ما لم يكن هناك من يتعامل بجدية مع المؤتمر المنعقد في باريس، وألاّ يعلق عليه أحد أية آمال. ولكن عدم المبالاة وقلة الاهتمام بالمؤتمر لا ترتبط فقط بالبلد المضيف بل أيضاً في حقيقة أنه لا يوجد لأي شخص في العالم العربي أي اهتمام به، ولا يوجد له الوقت للانشغال بالقضية الفلسطينية. والجميع، بطبيعة الحال، يتشاركون في الرغبة بعدم اندلاع موجة عنف جديدة في المناطق (الفلسطينية المحتلة) بأي ثمن. إلا أن المسافة ما بين هذا الأمر وبين الاستعداد لمنح الشأن الفلسطيني الأولية على كل المشاكل الأخرى الداهمة التي تواجهها الدول المختلفة هي مسافة شاسعة.  

 

فمصر غارقة في مشاكل اقتصادية خطيرة، كما أنها داخلة في مواجهة ضد موجة مضطرمة من الإرهاب الإسلامي الداعشي. والسعوديون منشغلون في جهود كبح تطلعات الهيمنة الإيرانية، وحتى الأردن يجد صعوبة في إطعام ملايين اللاجئيين السوريين والعراقيين الذين استوطنوا فيه.

 

وعليه فإن الخطوة الفرنسية هي ليست خطوة فرنسية – عربية تتطلع من خلالها فرنسا، مع دول عربية، لتنفيذ مبادرة من نمط المبادرة العربية التي توجد لدول المنطقة مصلحة فيها. وقد يكون من الجدير أن نكشف هنا أنه حتى في الأوساط الفلسطينية، باستثناء الجماعة المحيطة بمحمود عباس (أبو مازن)، هناك حالة من اللامبالاة حيال خطوات باريس، حيث أن الاحساس السائد (هناك) هو أن هذه الخطوات مرتبطة إلى درجة عميقة بالاعتبارات الداخلية الفرنسية أو حتى باعتبارات إدارة أوباما – وليس برغبة حقيقة لخدمة المصالح الفلسطينية بالذات.    

 

على الرغم من النشاط الفرنسي فإن أحداً في المنطقة لا يبدي اهتماماً بذلك. وبالتالي فإن المؤتمر (المنعقد) في فرنسا عديم الأهمية. فالحدث الحقيقي سيكون في نهاية الأسبوع في واشنطن، التي سيدخل فيها دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث تطلع كل العيون في الشرق الأوسط إلى العاصمة الأميركية.

 

ترجمة: مرعي حطيني