المعركة على الموصل: الحذر من إيران

بما أن الأمر الأخير الذي يرغب به الغرب هو تحقيق إنجاز إيراني في أعقاب النصر المتوقع في الموصل فإن هناك حاجة إلى إعداد خطة مفصلة جداً، وإلى جانبها ميزانية، من أجل ضمان ألاّ يكون هذا الانتصار للطرف الذي لم يشارك في المعركة أبداً، والذي يمكن أن يستفيد من حالة الفوضى.

إذا كان النصر متوقعاً فإن ما ليس متوقعاً هو ما سيحدث في أعقابه
للوهلة الأولى يبدو أن القصة ليست كبيرة. وحتى أنه يمكن القول ـ ليست قوات: الجيش العراقي والميليشيات الكردية والعراقية والتحالف الدولي، بالإضافة إلى الغطاء الجوي من الولايات المتحدة الأميركية ضد الخليط الكبير والسريالي، الذي يسيطر على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية منذ حزيران/ يونيو 2014، والذي لا يستطيع الصمود أمام هذه القوة المنظمة.  

وللوهلة الأولى يبدو أن هذا الأمر نصر معروف مسبقاً. حتى قبل أن يبدأ. يتعامل الجميع مع هذه المعركة على أنها حدث تاريخي ومفصلي. فموعد الانطلاق كان معروفاً مسبقاً، حتى وإن حدثت بعض المفاجآت التكتيكية – فلن تحدث هنا مفاجأة استراتيجية. هؤلاء استعدوا، وهؤلاء استعدوا أيضاً. كما أن المواطنين أعدوا لأنفسهم مخابئ يلوذون بها من القصف الجوي الذي ينفذه من جاؤوا لإنقاذهم، أو من احتمال أن يكونوا أهدافاً لهجمات انتحارية. ويبدو أن الحديث يدور عن عملية قصيرة جداً، للوهلة الأولى.

إن الأقوال الاستعراضية التي تقال قبل المعركة تناقض، كما هو معتاد، القاعدة التي تقول إنه يجب عدم التفاخر بالنوايا قبل أن يثبت أنها قابلة للتطبيق. ولكن مَنْ بوسعه أن يمتنع عن أقوال التشجيع والحماسة في الوقت الذي يكون فيه الشباب يقفون على أبواب مواجهة عنيفة، والتي لن يرجع بعضهم منها؟ وعليه فقد تحدث وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، عن لحظة مفصلية في الجهود لإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية. كما أن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، يذهب إلى تأكيد ما قاله. وحتى أن الناطق باسم المليشيات العراقية، التي من المفترض أنها تعمل إلى جانب الجيش العراقي، أحمد الأسدي، يعلن "إننا نؤكد أن النصر الكبير سيأتي في القريب العاجل، والذي سيترك صدى للعراق ولشعبه ولتاريخه".

من المحتمل أن يفضل داعش عدم خوض معركة خاسرة مسبقاً، وقد يخلي المكان وينقل قواته إلى الرقة في سوريا، بهدف تقليص الأضرار اللاحقة به. ومن المحتمل أن يبقى، وحتى أن يقوم باستخدام جزء من المواطنين كدروع بشرية. ومن المحتمل أيضاً أن يكون قد أعد الخطط لتوجيه ضربات للقوات الآتية لطرده. ومن المحتمل أيضاً أن ينجح (داعش) في إطالة أمد المعركة بشكل يفوق ما هو متوقع. وليس بالإمكان، إلى الآن، معرفة ما سيحدث. والأمر الوحيد المعروف هو أن الحروب والمعارك لا تدار، في أية مرة، وفقاً لما هو موضوع مسبقاً في خطط القتال.

ولكن، إذا كان النصر متوقعاً، فإن ما ليس متوقعاً هو ما سيحدث في أعقابه. فهناك دائماً شخص ما يجلس في مكتبه في الضوء الخافت ويحضّر لمؤتمر بوتسدام الخاص به: خطة محكمة تتعلق بتقاسم المسؤولية في المناطق المحتلة أو المحررة. والتجربة تقول إن التفكير في ما سيحدث في أعقاب معارك من هذا النوع غير موجود تقريباً. وعندها يتضح أن ما يحدث بعد النصر أكثر دراماتيكية من النصر نفسه.

إن الهدف الأكثر منطقية هو إعادة المدينة إلى سيادة الحكومة العراقية. إلا أن الأمر ليس بسيطاً إلى هذه الدرجة. ذلك أنه ستظهر بين الأكراد والشيعة والسنة، الذين يعملون الآن كتفاً إلى كتف في مواجهة داعش، خلافات شديدة فور الإعلان عن النصر. والسؤال هو إذا ما كانت الحكومة العراقية، التي هرب جنودها من الموصل قبل عامين بدون قتال، مؤهلة لتحمل المسؤولية عن المدنية، التي ستكون هناك حاجة لإعادة تأهيليها مادياً، ولمعالجة (أوضاع) مواطنيها المتضررين. ومَنْ قد يستفيد من تردد المنتصرين هي إيران، التي تريد أن تحول العراق الشيعي إلى دولة تابعة لها، وهي نجحت في ذلك، إلى الآن، بدرجة كبيرة.


وبما أن الأمر الأخير الذي يرغب به الغرب هو تحقيق إنجاز إيراني في أعقاب النصر المتوقع في الموصل فإن هناك حاجة إلى إعداد خطة مفصلة جداً، وإلى جانبها ميزانية، من أجل ضمان ألاّ يكون هذا الانتصار للطرف الذي لم يشارك في المعركة أبداً، والذي يمكن أن يستفيد من حالة الفوضى. 
ترجمة: مرعي حطيني