معاداة السامية ماتت
أول أمس ماتت المعاداة للسامية، أو على الأقل احتمال استخدامها كذريعة من قبل إسرائيل. فعشية رأس السنة 5776 (حسب التقويم العبري) أثبت العالم أن معاداة السامية باتت تقتصر على أوساط معينة، ومحدودة، ولم يعد بالإمكان إلصاقها بكل حكومات العالم. كما أن كراهية إسرائيل ليست كما تصرخ – كما تصرخ إسرائيل.
أول أمس قال العالم كلمته على الشكل
الأوضح والأكثر احتراماً: نحن نحب إسرائيل ونكره الاحتلال، نحب إسرائيل ونكره
سياستها، نحب أن نحب إسرائيل ونشتاق لضمها ومشتاقين لتقديرها لكن أعطونا علامة
أو إشارة أو أمارة. أظهروا لنا أن وجهتكم للسلام، وأنكم على الأقل تفعلون شيئاَ ما
باتجاه إنهاء الاحتلال - خطاب أو مفاوضات أو مؤتمر، حتى لو كان ضريبة كلامية، أي
شيء - ونحن سنغدق عليكم كامل محبتنا، حتى أكثر مما تستحقون. لن تكونوا كالمجذومين
(المنبوذين).
أنتم منبوذون ليس لأنكم يهود، وليس لأنكم إسرائيليون - لا تثقوا بزعمائكم الديماغوجيين الذين يقولون لكم هذا حتى يُعفوا أنفسهم ويُعفوكم من المسؤولية ومن الملامة الشديدة - أنتم منبوذون لأنكم محتلون غاشمون. أنتم منبوذون لأنكم غير مبالين بكل العالم ومؤسساته، على النحو الذي لا تجرؤ أن تتصرف وفقه أية دولة تقريباً. العالم كله ضدنا؟ هراء. إسرائيل هي ضده. ليس مهماً ما تفعله إسرائيل؟ فقط هذا هو المهم. نهاية الاحتلال ستكون أيضاً النهاية لنبذها. لا توجد أية طريقة لتفسير المشهد الذي لا يصدق لجنازة شمعون بيريس. فقسم كبير من الساسة الذين وصلوا لم يكونوا قد التقوه أبداً، وبعضهم هم من أشد منتقدي إسرائيل. غالبيتهم يعرفون أن مساهمة بيريس الحقيقة للسلام وللعدل كانت أقل بكثير مما جرى وصفه في الخطابات المنمقة، وبكل تأكيد الحديث لا يدور عن نلسون منديلا الإسرائيلي. وعلى الرغم من كل ذلك هم جاؤوا، مثلما ذهبوا لمنديلا. هم جاؤوا ليعربوا عن تقديرهم للمتوفى، وفي الوقت نفسه ليقولوا شيئاً ما لأنباء شعبه ولورثته. باراك أوباما أعطى الإشارة، وبعده العالم: حتى الذي قدمه بيريس - خطوات محدودة للتظاهر- كان كافياً للاعتزاز به وبكم. وكان ذلك كافياً لتحويل جنازته إلى حدث عالمي، ولدفع الملوك والنبلاء لتحميل أنفسهم عناء القدوم إلى الدولة المجذومة. لا توجد دولة واحدة مجذومة يُظهر لها العالم كل هذا التبجيل، ولا يوجد دولة مكروهة واحدة يقف العالم على هذا النحو في جنازة أحد سياسييها. فبيريس لم يكن منشقاً حارب ضد النظام ودفع الثمن على ذلك. هو كان النظام. ومع ذلك فإن العالم أعرب عن تقديره له، لأن العالم راغب إلى هذا الحد في تقدير إسرائيل – بسبب الشعور بالذنب عن الماضي، وبسبب أنه يرى إسرائيل جزءاً منه، الغربي، المنفتح، المتحضر، والأبيض. لذلك نجد موقف العالم المتطرف والشاذ في علاقته معها: يُجلّها ويحتقرها بشكل متقلب، وفي بعض الأحيان أكثر مما تستحق. ولكن العالم أثبت يوم أول أمس أنه راغب بعناقها. أوسلو والانفصال (عن غزة) وبيريس كانوا كفاية من أجل القيام بحملها على الأكف. لا معاداة للسامية، ولا كراهية - بل هو التوق إلى الحب. إلا أن إسرائيل التي تقوم مراراً وتكراراً بعض اليد الممدودة إليها، تدفع العالم للاشمئزاز منها، بعد كل هجوم على غزة أو بناء مستوطنة جديدة. إن أية دولة عادية كانت ستصغي إلى العالم. قد يكون هذا سائداً في بعض الأحيان بين شعوب العالم، وبخاصة عندما لا تكون دولة عظمى عالمية. صحيح بأن إسرائيل هي إحدى الدول الأكثر دلالاً التي يغدق عليها الكثير من المال والدلال أكثر من أية دولة أخرى، ويسمح لها بالعربدة كما يحلو لها، ولكن إسرائيل تختار أن تبصق في وجه العالم، وتذهب بعد ذلك لتشتكي كراهيته لها. يوم أول أمس، في جبل هيرتسل أثبت العالم مرة أخرى كم هو من السهل العودة إلى الوضع الذي يستطيع فيه كل إسرائيلي التفاخر بإسرائيليته، وألا يخفيها من كثرة الخوف والخجل. وإلى أية درجة مكانة إسرائيل مرهونة بها ومرتبطة بسلوكها. بوسعها هي أن تكون موقع تقدير، وبوسعها أن تكون منبوذة. وها هو ذا بيريس يكفي حتى تكون محمولة على أكف العالم، هذا العالم المعادي للسامية وكاره إسرائيل الذي اخترعناه لأنفسنا.
ترجمة: مرعي حطيني
أنتم منبوذون ليس لأنكم يهود، وليس لأنكم إسرائيليون - لا تثقوا بزعمائكم الديماغوجيين الذين يقولون لكم هذا حتى يُعفوا أنفسهم ويُعفوكم من المسؤولية ومن الملامة الشديدة - أنتم منبوذون لأنكم محتلون غاشمون. أنتم منبوذون لأنكم غير مبالين بكل العالم ومؤسساته، على النحو الذي لا تجرؤ أن تتصرف وفقه أية دولة تقريباً. العالم كله ضدنا؟ هراء. إسرائيل هي ضده. ليس مهماً ما تفعله إسرائيل؟ فقط هذا هو المهم. نهاية الاحتلال ستكون أيضاً النهاية لنبذها. لا توجد أية طريقة لتفسير المشهد الذي لا يصدق لجنازة شمعون بيريس. فقسم كبير من الساسة الذين وصلوا لم يكونوا قد التقوه أبداً، وبعضهم هم من أشد منتقدي إسرائيل. غالبيتهم يعرفون أن مساهمة بيريس الحقيقة للسلام وللعدل كانت أقل بكثير مما جرى وصفه في الخطابات المنمقة، وبكل تأكيد الحديث لا يدور عن نلسون منديلا الإسرائيلي. وعلى الرغم من كل ذلك هم جاؤوا، مثلما ذهبوا لمنديلا. هم جاؤوا ليعربوا عن تقديرهم للمتوفى، وفي الوقت نفسه ليقولوا شيئاً ما لأنباء شعبه ولورثته. باراك أوباما أعطى الإشارة، وبعده العالم: حتى الذي قدمه بيريس - خطوات محدودة للتظاهر- كان كافياً للاعتزاز به وبكم. وكان ذلك كافياً لتحويل جنازته إلى حدث عالمي، ولدفع الملوك والنبلاء لتحميل أنفسهم عناء القدوم إلى الدولة المجذومة. لا توجد دولة واحدة مجذومة يُظهر لها العالم كل هذا التبجيل، ولا يوجد دولة مكروهة واحدة يقف العالم على هذا النحو في جنازة أحد سياسييها. فبيريس لم يكن منشقاً حارب ضد النظام ودفع الثمن على ذلك. هو كان النظام. ومع ذلك فإن العالم أعرب عن تقديره له، لأن العالم راغب إلى هذا الحد في تقدير إسرائيل – بسبب الشعور بالذنب عن الماضي، وبسبب أنه يرى إسرائيل جزءاً منه، الغربي، المنفتح، المتحضر، والأبيض. لذلك نجد موقف العالم المتطرف والشاذ في علاقته معها: يُجلّها ويحتقرها بشكل متقلب، وفي بعض الأحيان أكثر مما تستحق. ولكن العالم أثبت يوم أول أمس أنه راغب بعناقها. أوسلو والانفصال (عن غزة) وبيريس كانوا كفاية من أجل القيام بحملها على الأكف. لا معاداة للسامية، ولا كراهية - بل هو التوق إلى الحب. إلا أن إسرائيل التي تقوم مراراً وتكراراً بعض اليد الممدودة إليها، تدفع العالم للاشمئزاز منها، بعد كل هجوم على غزة أو بناء مستوطنة جديدة. إن أية دولة عادية كانت ستصغي إلى العالم. قد يكون هذا سائداً في بعض الأحيان بين شعوب العالم، وبخاصة عندما لا تكون دولة عظمى عالمية. صحيح بأن إسرائيل هي إحدى الدول الأكثر دلالاً التي يغدق عليها الكثير من المال والدلال أكثر من أية دولة أخرى، ويسمح لها بالعربدة كما يحلو لها، ولكن إسرائيل تختار أن تبصق في وجه العالم، وتذهب بعد ذلك لتشتكي كراهيته لها. يوم أول أمس، في جبل هيرتسل أثبت العالم مرة أخرى كم هو من السهل العودة إلى الوضع الذي يستطيع فيه كل إسرائيلي التفاخر بإسرائيليته، وألا يخفيها من كثرة الخوف والخجل. وإلى أية درجة مكانة إسرائيل مرهونة بها ومرتبطة بسلوكها. بوسعها هي أن تكون موقع تقدير، وبوسعها أن تكون منبوذة. وها هو ذا بيريس يكفي حتى تكون محمولة على أكف العالم، هذا العالم المعادي للسامية وكاره إسرائيل الذي اخترعناه لأنفسنا.
ترجمة: مرعي حطيني