لا جديد تحت المال

بعد تأخير غير مبرر، استمر لعدة أشهر، تم يوم أمس الأربعاء في واشنطن التوقيع، بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة الأميركية، على وثيقة التفاهمات بينهما. ومن حيث المصطلحات الشكلية فإن الحديث يدور عن اتفاق غير مسبوق. فالولايات المتحدة الأميركية ستمنح إسرائيل 38 مليار دولار على مدى عقد من الزمان اعتباراً من عام 2018. وهذا مبلغ غير قليل. وحتى بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية هو مبلغ معتبر.

تواصل إسرائيل احتلالها موقع الزبون الأكبر في المساعدات الخارجية الأميركية
تواصل إسرائيل احتلالها موقع الزبون الأكبر في المساعدات الخارجية الأميركية. وهذا موضوع لا يستهان به. وهناك الكثير من الإسرائيليين الذين يتعاملون معه وكأنه من المسلمات، إلا أنه يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة الأميركية غير ملزمة بدعم إسرائيل. فما هو النص المكتوب الذي يقول إن عليها أن تمول أكثر من ربع ميزانية الأمن الإسرائيلية؟ فهذا غير منقوش في الوصايا العشر، كما أنه لم يكن في عقول ركاب سفينة (Mayflower).

 ولكن علينا ألا نُثني على أنفسنا، وكذلك ألا نخدعها. فقضية دعم ومساعدة إسرائيل لا تعود في جذورها فقط إلى المصالح الإستراتيجية والأمنية أو الاقتصادية الأميركية في العالم. 


بل على العكس من ذلك، فقد ظهر أكثر من مرة أن إسرائيل هي عبء على الولايات المتحدة أكثر من كونها ذخراً إستراتيجياً لها. وكذلك الحال فإن هناك حدوداً للاعتبارات الداخلية الأميركية، وللنفوذ الهامشي والمتراجع للمال وللوبي اليهوديَيْن. وربما يكون لجذور هذا السخاء الأميركي، بشكل خاص، في عالم القيم الديمقراطية والثقافية والأخلاقية، وفي الذاكرة التاريخية، وزن معتبر في المساعدات.

 



رئيس الحكومة لا يستطيع دق إسفين بين الإدارة وبين الكونغرس

ومع ذلك، وبالمصطلحات الواقعية، فإن الاتفاق لا يُعتبر تطوراً كبيراً. وهو يشكل، عملياً، بصورة أو بأخرى، تصويراً للوضع الخاص باتفاق المساعدات خلال العقد الأخير. فإسرائيل تحصل في هذا العقد 2008 - 2017 على 3.1 مليار دولار في السنة. 


وعلاوة على ذلك فقد نجحت إسرائيل، بمساعدة الكونغرس (وبدعم من الإدارات المختلفة)، في الحصول على تمويل إضافي بقيمة مئات ملايين الدولات لتطوير منظومات الدفاع المضادة للصواريخ (منظومات القبة الحديدية والعصا السحرية وحيتس).

 

الآن هذا الاتفاق يتحدث عن "الكل دفعة واحدة"، صحيح أن المساعدة السنوية قد ازدادت، إلا أنه قد تم منع إسرائيل من التوجه إلى الكونغرس لطلب الزيادة منه مهما كان نوعها، ولا حتى لتطوير منظومات الدفاع المضاد للصواريخ، إلا في حالة الحرب فقط. 


إلا أن هذه الحالة ليست معرَّفة. فهل سيتم تعريف عملية عسكرية ضد حماس في المستقبل على أنها "حرب"؟ من غير الواضح! وبكلمات أخرى، فإن رئيس الحكومة نتنياهو لا يستطيع الآن دق إسفين بين الإدارة وبين الكونغرس.

 

وعلاوة على ذلك فإن هناك تدهوراً آخر في الاتفاق الجديد حيث أنه يحرم إسرائيل خلال ست سنوات من الحق في تحويل أموال المساعدة من الدولار إلى الشيكل. وفي الاتفاق الحالي تم تحويل 26% من أموال المساعدات – وهو ما يساوي 800 مليون دولار في العام (حوالي 3 مليارات شيكل) - تم تحويلها للإنتاج في الصناعات الأمنية الإسرائيلية ولشراء الوقود لطائرات سلاح الجو. وبدءاً من عام 2024 ستضطر إسرائيل إلى استخدام كل دولار أميركي تحصل عليه مجاناً لشراء عتاد من المصانع في الولايات المتحدة الأميركية.

نتيجة لمعارضة الاتفاق مع إيران

وعلاوة على ذلك، فإنه إذا ما أخذنا في الحسبان ارتفاع الأسعار خلال العقد الأخير يتضح أن أسعار الأسلحة قد ارتفعت. وعليه فإن إسرائيل ستستطيع بالمبلغ المخصص لها أن تشتري أقل (من السابق).

 وهنا نصل إلى السؤال الكبير. هل كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق أفضل وأحسن؟ هذا سؤال تاريخي على صيغة ما الذي كان سيحصل لو أنه حصل كذا وكذا، وهو سؤال لا توجد إجابة عليه. ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بطبيعة الحال، يعتقد أن الإجابة على ذلك واضحة. 

ومن وجهة نظره هذا اتفاق جيد، والذي هو عملياً - كما هو الحال في أية مفاوضات تجارية - حل وسط. بينما يعتقد خصومه، وهم ليسوا لوحدهم، أنه لولا سلوكه الخلاصي (المسيحاني) والمهووس، والخاطئ بالأساس، لجهة كل ما يتعلق برفضه للاتفاق النووي مع إيران، فإنه ربما كان هناك فرصة للحصول على بضعة مليارات أخرى. فإسرائيل قد طالبت بأن يكون الاتفاق بـ 45 مليار دولار، وقد حصلنا على ما هو أقل بـ 15%.

 وبكلمات أخرى، لو أن رئيس الحكومة كان قد سلّم في الوقت المناسب بالاتفاق النووي، الذي وضعته الدول العظمى مع إيران، ولم يُلقِ خطابه في الكونغرس ووافق على بدء المفاوضات قبل عشرة أشهر، لكانت إسرائيل، على ما يبدو، قد استفادت من عدة مليارات أخرى من الكرم الأميركي. 

                                                                                                ترجمة: مرعي حطيني