مرحلة أخرى في عودة روسيا إلى الشرق الأوسط

بعد أن تم إبعاد روسيا من الشرق الأوسط على يد الولايات المتحدة الأميركية قبل حوالي أربعين عاماً يحاول الرئيس فلاديمير بوتين استعادة الموقع الرائد لروسيا فيه، وذلك كجزء من سعيه الدؤوب لتنصيبها كدولة عظمى على مستوى العالم. وقد وجد هذا الطموح تعبيراً عنه في التدخل الروسي في سوريا، وبالتقارب مع إيران، وفي محاولات التقارب من الدول العربية الرائدة، وكذلك الحال في منظومة العلاقات الخاصة بين روسيا وإسرائيل.

قصة المبادرة الروسية تكشف أنه لا يوجد تطابق كامل في المصالح الروسية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
في هذا الإطار تعمل روسيا على القيام بمبادرة سياسية في موضوع النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، والتي تركز على محاولة عقد لقاء قمة في موسكو بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث يتم هناك تحريك عملية الحوار بينهما من جديد. وهذه المبادرة تتداخل مع نية روسيا ترسيخ موقعها كقوة عظمى في الشرق الأوسط وتحسين علاقاتها مع الدول العربية. وفي الوقت نفسه تسعى روسيا، مرة أخرى، إلى الاثبات بأنها تنجح في تنفيذ خطوات فشلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
لقد جرت خلال الشهور الأخيرة اتصالات ثنائية نشطة بين روسيا وإسرائيل من جهة، وبين روسيا والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وذلك بهدف تحقيق هذه الفكرة. ولم يُبدِ الطرفان حماسة للمبادرة الروسية. كما جرت خلال العام الأخير أربع زيارات إسرائيلية، على مستوى عالٍ، لروسيا تم التطرق في قسم منها إلى قضية النزاع. وجرى بحث الموضوع مع الفلسطينيين أيضاً - يذكَر أن الرئيس عباس ووزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي قد زارا موسكو في الفترة القريبة من زيارة نتنياهو إلى هناك. 

وفي 25 تموز / يوليو أرسل الرئيس بوتين رسالة إلى المشاركين في اجتماع الجامعة العربية الذي جرى في موريتانيا. وقد ركز القسم الأكبر من الرسالة على النزاع الإسرائيلي –الفلسطيني وتم فيه توصيف أسس الرؤية الروسية للقضية على النحو التالي: "الوضع الراهن في الموضوع الفلسطيني لم يعد مقبولاً أكثر ويجب تحريك العملية السياسية من جديد، والتي يجب أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، حيوية وقادرة على البقاء، ذات تواصل إقليمي، وعاصمتها القدس الشرقية وهي تعيش بسلام مع جيرانها. 
وتقترح روسيا المساعدة في حل المشكلة الفلسطينية، مع استعدادها للعمل في القنوات الثنائية ومتعددة الأطراف". صحيح أن لغة الرسالة لا تختلف في جوهرها عن الموقف الروسي المعروف في موضوع النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني لكن المفاجئ هو أنه لم يتم ذكر إسرائيل نهائياً. ويشار أيضاً إلى أنه في اللقاء الذي جرى مؤخراً في طهران بين ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الشخصي لبوتين لشؤون الشرق الأوسط، وبين وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف، تم ذكر النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بوصفه أحد عناصر جدول الأعمال الروسي - الإيراني في المنطقة.

 

الحديث العلني الأول حول المبادرة الروسية كان في تصريح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وحسب أقواله فإن روسيا قد توجهت إليه باقتراح للعمل على مبادرة في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. كما وضعت مصر مؤخراً على جدول أعمالها مبادرة خاصة بها لعقد لقاء قمة إسرائيلية - فلسطينية في القاهرة. وفي المرجح أنها ستكون جاهزة لنقل "الملف" إلى أيدي الروس. وإذا ما تواصل العمل الروسي في هذا المجال، فإن النموذج الذي سيتبناه الروس هو تحريك المسيرة السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية برعايتهم وبدعم من الجامعة العربية.

 

والفلسطينيون من جانبهم أعربوا عن موافقتهم المبدئية للمشاركة في لقاء القمة في موسكو، إلا أنهم اشترطوا في البداية وقف البناء في المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى (الذين تم الاتفاق على إطلاق سراحهم في إطار المسيرة السياسية التي جرت برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري). وهذا هو طلب ثابت للرئيس عباس والذي تم طرحه في العديد من المناسبات السابقة.

 

إسرائيل لم تتشجع للمبادرة الروسية وأجّلت ردها عليها. وقد مارس الروس سلسلة من الضغوط وأرسلوا العديد من الإشارات باتجاه إسرائيل. وتم ضمن ذلك توجيه النقد من قبل دبلوماسيين روس في الأمم المتحدة ضد إسرائيل في ما يتعلق ببدايات البناء في القدس. وكذلك تم الإعلان أيضاً بأن روسيا لن تدعم إسرائيل في إطار الأمم المتحدة إذا ما تم طرح مسودة قرار للتصويت في موضوع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

 ومع ذلك فإن إسرائيل قد قررت أخيراً أن ترد بشكل إيجابي على المبادرة الروسية، وتم في محادثة هاتفية بين نتنياهو وبوتين استكمال الشروط لذلك وتداعياتها. وفي بداية أيلول / سبتمبر وصل إلى إسرائيل، وكذلك إلى السلطة الفلسطينية، الممثل لشخصي لبوتين، بوغدانوف، من أجل تنسيق موضوع المؤتمر في موسكو. إلا أنه وعلاوة على الخلافات في الرأي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حول الشروط التي ستمكن من تنفيذ المبادرة فإن هناك عقبات أخرى تؤخر عقد لقاء القمة، فالطرفان يجدان صعوبة في إيجاد موعد مناسب على جدولي أعمالهما للقاء. 

فمن الجانب الفلسطيني تصل رسائل متناقضة حول الشروط المسبقة لعقده. والشركاء الإقليميين، وبشكل خاص الجامعة العربية، لا تزال تدرس الموضوع. ومن غير الواضح ما هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القضية، وهي التي قادت المسيرة السياسية على مدى سنوات وهي غير معنية بنقل القيادة فيها إلى روسيا وذلك لمنعها عن طريق ذلك من تقوية موقعها الإقليمي والدولي. كما أنه من غير الواضح ما هو موقف الإتحاد الأوروبي، الذي تبنى المبادرة الفرنسية لدفع المسيرة السياسية وذلك عن طريق عقد مؤتمر دولي، وهو غير معني بمنح مقابل سياسي لروسية في ظل سلوكها في أوكرانيا.

 

وإسرائيل من جانبها اضطرت للرد بالإيجاب على المبادرة الروسية وذلك حتى لا تبدو كرافضة للسلام وخوفاً من الإضرار بمنظومة العلاقات الحساسة بينها وبين روسيا. وربما يكونون في إسرائيل يعتقدون أن بوسع المبادرة الروسية أن تحيّد مبادرات أخرى، مثل اتخاذ قرار في مجلس الأمن يتضمن مبادئ حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. مع ذلك يجب أن يُؤخذ بالحسبان أن الموافقة الإسرائيلية للمشاركة في قمة الزعماء في موسكو قد اتُخذت بعد التشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويافطة ꞌقمة زعماءꞌ مناسبة أكثر لكل الأطراف مقارنة بـ ꞌمؤتمر دوليꞌ.

 

قصة المبادرة الروسية تكشف أنه لا يوجد تطابق كامل في المصالح الروسية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، وأن روسيا تستطيع بين الفينة والأخرى مفاجأة إسرائيل وذلك على الرغم من مشهد التنسيق الجوي - العملياتي بينهما على الساحة السورية. فإسرائيل تدرك أن المواقف الأساسية الروسية في قضية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تميل إلى الطرف الفلسطيني. وكذلك الحال بالنسبة لقضايا إقليمية أخرى ومن بينها موقع إيران الإقليمي ومستقبل سوريا وكذلك التحالف الموالي للأسد الذي تقوده روسيا مع المحور الشيعي. فمواقف إسرائيل وروسيا ليست متوافقة.

 

وهناك عامل رئيس آخر يمكن له أن يؤدي إلى فشل المبادرة وهو يتمثل بالشروط المسبقة لكل من إسرائيل والفلسطينيين لجهة العودة إلى المفاوضات. ففي ردهم على المبادرة الروسية عاد الفلسطينيون فوراً إلى شروط وقف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية وإطلاق سراح الأسرى. إلا أن المتحدثين باسم السلطة الفلسطينية قد تراجعوا فعلاً، في ما بعد، عن الشروط لعقد اللقاء.
 كما أن إسرائيل من جانبها، لم تعلن مطالبها على العلن، بما في ذلك المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ومع ذلك فإنه من الصعب التخمين إذا ما كان الفلسطينيون وإسرائيل، على حد سواء، سيقومون بتليين مواقفهم، من أجل إرضاء موسكو، بدلاً من أن يرفضوا تليينها من أجل إرضاء واشنطن. ولذلك، فحتى وإن نجحت روسيا في احضار الرئيس عباس ورئيس الحكومة نتنياهو إلى اللقاء في موسكو فإن الإنجاز الروسي سيكون رمزياً في أساسه. والأمل في أن يؤدي اللقاء إلى إحداث انعطافه حقيقية باتجاه تسوية إسرائيلية فلسطينية هو أمل ضعيف جداً.


ترجمة: مرعي حطيني