نتنياهو يستطيع منع الحرب القادمة في الجنوب

إن 11عملية خلال خمس عشرة سنة من الحرب لم تحسن الوضع قيد أنملة. والحرب الجديدة لابد أنها آتية، وذلك أيضاً بسبب الوضع الصعب السائد في غزة، أو بسبب تدهور ما في الضفة، أو للاعتبارات الداخلية الخاصة بحركة حماس. فإما أن تتجشم الحكومة العناء وتبذل جهودها لمعالجة جذر المشكلة أو أنها تتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى. والمبادئ لذلك معروفة: الاستثمار في إعادة إعمار غزة وإقامة ميناء بحري مقابل الهدوء المطلق للنقب الغربي.

خذوا تلك الحرب الملعونة، وصغِّروها جغرافياً، عندها ستحصلون، بفوارق صغيرة، على المعنى الحقيقي لحرب "الجرف الصامد"
حرب يون الغفران (حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973) ربما ستبقى في الذاكرة لأجيال كثيرة قادمة، بوصفها نقطة انكسار عميق في المجتمع الإسرائيلي. فالحرب قد هزت وكسرت النخبة الإسرائيلية التي تحكمت بالسياسة الداخلية وبوسائل الإعلام وبالثقافة الإسرائيلية. وقد كان هذا الانكسار "ببساطة" شاملاً: إذ فقد عشرات آلاف الجنود، الذين زُج بهم في ميدان المعركة، بمفاجأة مطلقة، أصدقاء وقادة، وفي غالب الحالات أيضاً، فقدوا صحتهم النفسية والبدنية. وقد عاد هؤلاء الجنود من ميدان المعركة بثقة محدودة جداً بأولئك الذين لم يعرفوا كيف يحافظون عليهم. وأدركوا أن مصيرهم، قبل كش شيء، هو في أيديهم وليس في يد قيادة تعرف كل شيء.

خذوا تلك الحرب الملعونة، وصغِّروها جغرافياً، عندها ستحصلون، بفوارق صغيرة، على المعنى الحقيقي لحرب "الجرف الصامد" عام 2014. فقبل عامين من الآن عاش عشرات آلاف المدنيين في مناطق القتال. شهران من الدماء (عندنا بدأت الحرب عملياً قبل أسبوعين من الإعلان عنها رسمياً)، وسحب الدخان. وكان هناك آلاف مؤلفة من اللاجئين الإسرائيليين، من المستوطنات القريبة من الجدار الحدودي، الذين أخلوا مستوطناتهم، وبعد ذلك تم إخلاؤهم، إلى مستوطنات أخرى. وكان هناك عدد من التجمعات، مثل نيريم وناحل عوز، التي لحقت بها خسائر كبيرة بين أبنائها.

لقد دفعتنا الحرب إلى العمل معاً واسماع صوتنا. ففي الأسبوع الثاني للحرب تمت دعوتي من قبل مجموعة من النواة التوراتية في سديروت إلى إلقاء كلمة في مسيرة وتجمع جماهيري في المدينة للمطالبة بالقيام بتوغل بري في غزة. وعلى الرغم من أن موقفي كان مخالفاً لذلك، وضد توغل بري غير مجدٍ، والذي سيقودنا في النهاية إلى النقطة نفسها التي بدأنا بها، وصلت إلى هناك لإظهار دعمي مستمداً إلهاماً كبيراً من الحدث نفسه. وكان القرار أن نأخذ المسؤولية عن مصيرنا بأيدينا وأن نرفع صوتنا السياسي في ذروة الحرب.

هذا الإلهام ورعب الحرب القاسية دفعاني، إلى جانب صديقات وأصدقاء رائعين، لإقامة حركة مستقبل النقب الغربي. وهي الحركة التي أطلقت صرخة "الأمن الحقيقي، تسوية سياسية". ومن حالة الانكسار انطلقنا للعمل. وذلك خلال الحرب، في المنطقة وأمام منزل رئيس الحكومة. ومن حالة الانكسار خرجنا في مظاهرة ضخمة جرت بعد شهر من نهاية الحرب، وبعد شهر من الوعد الذي قدمه نتنياهو بـ "نافذة فرص سياسية". وبعد أن أغرق رئيس هيئة الأركان، بيني غانتس، في الحديث والثناء على شقائق النعمان والمناطق المفتوحة الرائعة (وهي رائعة بالفعل) في منطقتنا.

إن فترة عامين هي زمن قصير جداً لتشكيل رؤية حقيقية. وقد بدأنا بالخروج من الصدمة إلى مرحلة ما بعد الصدمة. ويقوم كل مجتمع، على مستوى العائلي وعلى المستوى الفردي، برعاية نفسه بشكل متميز ومختلف. ولا تزال منطقتنا تعارك من أجل الحصول على الموارد الأساسية الضرورية لدعم المناعة النفسية وازدهار المجمتع من جديد. إلا أننا، رغم ذلك، نسير قدماً.

وزير الأمن الذي كان قد وعدنا بجولة قتال كل عامين ذهب، وجاء وزير أمن وعدنا بإنذار لمدة 48ساعة لإسماعيل هنية. الصواريخ تُطلق بين الفينة والأخرى، وهي "تُبخبخ" علينا، على حد وصف الكلمة التي نكرهها جداً في النقب الغربي. والأنفاق لا زالت تُحفر. ومواقع حماس قيد الإنشاء. وهناك توغلات. وهذا البركان بانتظار الانفجار الموسمي الجديد.

إن 11عملية خلال خمس عشرة سنة من الحرب لم تحسن الوضع قيد أنملة. والحرب الجديدة لابد أنها آتية، وذلك أيضاً بسبب الوضع الصعب السائد في غزة، أو بسبب تدهور ما في الضفة، أو للاعتبارات الداخلية الخاصة بحركة حماس. فإما أن تتجشم الحكومة العناء وتبذل جهودها لمعالجة جذر المشكلة أو أنها تتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى. والمبادئ لذلك معروفة: الاستثمار في إعادة إعمار غزة وإقامة ميناء بحري مقابل الهدوء المطلق للنقب الغربي.
من المفاجئ أن الجدل الدائر هنا في الموضوع ليس يمين ويسار. (نفتالي) بينت ويسرائيل كاتس يؤيدان ذلك، بينما تسيبي لينفي تعارض. ونتنياهو كعادته، يختبئ خلف الوضع الراهن. وهو ينسى العبرة المُرّة من حرب يوم الغفران: إذا كان في يدك أن تمنع الحرب، والتوصل إلى تسوية سياسية، فلتقم بفعل ذلك بالسرعة الممكنة. والمصالحة مع تركيا توفر فرصة أخرى، وذلك بعد إضاعة الفرصة لمدة عامين في الموضوع. والأساس الصحيح لمعالجة ناجحة للصدمة هو منع تكرارها. وهذا الأمر بين أيدي الطاقم الوزاري الأمني. بين أيدي بيبي (بنيامين نتنياهو).
*ترجمة: مرعي حطيني