على جبهتين: تحديات السنة القادمة يمكن أن نراها منذ اليوم  

السنة العبرية 5776 تنتهي (20/9/2017 – المترجم) مع الكثير من علامات الاستفهام الإستراتيجية: هل دخلنا إلى مرحلة جديدة في المعركة لكبح تعاظم قوة حزب الله؟ وهل سنواصل تجاهل مقترحات حماس لوقف إطلاق نار طويل الأمد في غزة؟ وهل أن أعياد رأس السنة ستحمل بشرى تصعيد التوتر من جديد حول جبل الهيكل (الحرم القدسي)، وتحمل معها تصاعد العنف؟

لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوشي بروسيا والحديث حول النفوذ الإيراني في سوريا

لقد حدث أمر هام في سوريا في الأسبوع الماضي، وهو قد حدث بالضبط في الموقع الذي يتم فيه، وفق مصادر أجنبية، إنتاج صواريخ دقيقة. والصاروخ الدقيق في التعريف هو الصاروخ الذي يسقط على بعد عشرات الأمتار من الهدف، أي الصاروخ الذي يمكن توجيهه باتجاه بناء محدد وإصابته. والإيرانيون طوروا بالفعل قدرات من هذا القبيل، إلا أنها لا تزال غير موجودة لدى حزب الله، وهناك لإسرائيل مصلحة واضحة في منع وصولها إلى لبنان.

 

ومؤخراً بدأ الإيرانيون بإقامة ما يُعرف باسم "مصانع" لإنتاج صواريخ متطورة كهذه في سوريا ولبنان. ووصف "المصنع" هو كبير بعض الشيء على الجهد الإيراني. فالحديث يدور عن شيء أقرب ما يكون إلى وُرَشٍ صغيرة وسرية، يحاولون فيها هناك إنتاج أجهزة توجيه يمكن نصبها على رؤوس الصواريخ الموجودة، وبذلك زيادة دقتها.

 

وكشفت صور القمر الصناعي الإسرائيلي التابع لشركة "ايميج سات" عن إصابات دقيقة وانتقائية قد لحقت بالمجمع العلمي الصناعي السوري بالقرب من بلدة مصياف الواقعة شمال غرب سوريا. وقد أصيب فقط جزء من المباني الموجودة في الموقع، وهي لم تُدمَّر أيضاً بشكل كامل، بل أصيبت بشكل جزئي. كما كشفت الصور أنه قد تم، في الأسبوع الماضي، على بعد 30 كيلومتراً من الموقع المستهدَف نشر بطارية دفاع جوي روسية من طراز S-400.  

 

والهجوم الذي نسبته وسائل الإعلام السورية لإسرائيل حدث بعد أسبوعين بالضبط من لقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.

 

ونتنياهو، كما هو الحال دائماً، وصل إلى اللقاء متسلحاً بالكثير من المعلومات الاستخبارية حول المصانع المقامة في سوريا وعَرَضها على بوتين، مع التوضيح له بأن إسرائيل لن تتحمل إقامة مصانع كهذه. وعلى الرغم من ذلك فإن بوتين خرج من اللقاء بإحساس أن إسرائيل لن تقوم بمهاجمة المصانع، وكانت هذه أيضاً هي الرسالة التي نقلها إلى السوريين.

 

فهل تجرأ نتنياهو على اتخاذ قرار (مبرَّر) خلافاً لرأي بوتين؟ فهو قد عرف أنه بعد أسبوعين من اللقاء ستبدأ المناورة الأضخم للجيش الإسرائيلي التي سيتوجه خلالها آلاف الجنود باتجاه الشمال – وهو الوقت الذي ستكون فيه إسرائيل مستعدة للرد فوراً على أي تطور على الجبهة الشمالية، كما أنها ستبث قوة رادعة. وفي ذروة المناورة، ليلة السادس من أيلول/ سبتمبر، اُعلن في وسائل الإعلام أن طائرات من طراز 15i־F  تابعة لسلاح الجو قد اخترقت المجال الجوي للبنان.

 

وهناك بين الجيش الإسرائيلي والجيش الروسي تنسيق قائم من منذ عامين، وهو يعمل بشكل ناجع: وتتم مرة كل عدة أسابيع زيارة لكبار الضباط، مرة عندنا ومرة عندهم، ومن الواضح أنه يوجد لسلاح الجو خط هاتفي ساخن مع قيادة سلاح الجو الروسي.

 

إن مصطلح "جهاز تنسيق" قد يكون مضللاً – فإسرائيل لا تقوم أبداً بتنسيق أية عمليات يشارك فيها جنود من الجيش الإسرائيلي مع أية جهة أجنبية بشكل مسبق. وهذا الأمر يشبه إلى حد بعيد وضع مصير مقاتلينا بين أيدي أجنبية. والحديث يدور عن جهاز لتفادي الاحتكاك، وهو ما يسمى في الإنكليزية بـ "Deconfliction"، وهو مخصص بشكل عام لإطلاع الطرف الآخر بعد انتهاء العملية.

 

وإذا كانت إسرائيل هي من قامت بالهجوم بالفعل، كما يدعي السوريون (هكذا في النص ولكن الكاتب يقصد الروس على الأغلب – المترجم)، فإنه يمكن الافتراض أنهم لم يكونوا مرتاحين البتة من هذه العملية. وهم لا يزالون يحافظون على الصمت طيلة الأسبوع. إذ كانت لديهم أمور ملحة أكثر: فقد تم نشر 100 ألف جندي روسي منذ يوم الأربعاء على الحدود الغربية مع الناتو للمناورة الأضخم منذ أيام الإتحاد السوفييتي. وهذا لا يعني بعد أن ردهم لن يأتي.

 

ومن رد بالفعل هم السوريون، الذين حذروا إسرائيل من تداعيات الهجوم. وفي يوم الأحد جاءت تقارير جديدة عن قيام طائرات لسلاح الجو بنشاط اعتيادي في لبنان.

 

وأفادت تقارير من سوريا أن بطارية صواريخ SA-5 قد أطلقت صاروخاً باتجاه الطائرات. ولا يبدو أن هذا الصاروخ قد شكل تهديداً على طائرات سلاح الجو. ووفق التقارير تم إطلاقه بشكل عام إلى الجنوب، باتجاه الأردن. إلا أن هذه كانت إشارة واضحة من السوريين، والسوريون لا يبادرون إلى مثل هذه العمليات بدون موافقة من موسكو.

 

فهل ستقبل روسيا الخط الأحمر الجديد الذي رسمته إسرائيل، والذي ينص على أنه لن يكون هناك إنتاج للصواريخ الدقيقة على الأرض السورية؟ ويبدو أن الروس لا يزالون مترددين. وهم توجد لهم مصلحة واضحة في تفادي الاحتكاك مع إسرائيل، ولكنهم لا يحبون أيضاً أن تضعهم الهجمات الإسرائيلية، أو تضع منظوماتهم، أمام التحديات.

 

وما الذي سيحدث عندما ينتقل إنتاج هذه الصواريخ الدقيقة إلى لبنان أيضاً؟ فهناك توجد معادلة مختلفة، والتي صاغها الصحافي إبراهيم الأمين، بوق نصر الله، بوضوح: إن حزب الله سيرد على إسرائيل ضد أي هجوم جوي في لبنان. ومعنى ذلك أنه سيكون لزاماً نقل معالجة موضوع المصانع التي تقيمها إيران في لبنان من أيدي سلاح الجو إلى جهات أخرى.

 

ومرحلياً فإن التحذيرات الإسرائيلية من "إيرانيين على الحدود" لا تتحقق. فروسيا لا تتيح دخول قوات شيعية إلى المناطق القريبة من هضبة الجولان. وإسرائيل كانت قد نقلت إلى روسيا تحذيراً بأن كل قوة من هذا النوع ستنتشر إلى الغرب من طريق السويداء – دمشق قد تكون في خطر. ويبدو أنهم قد فهموا هذه الرسالة، إلى الآن على الأقل.

مفترق حماس

في الوقت الذي يقدم فيه الجيش الإسرائيلي تقييمه للمناورة الضخمة في الشمال، مثل أية مناورة أخرى، على أنها كانت انتصاراً ماحقاً على العدو، يعود تركيزه لينصب على المناطق (الفلسطينية) وذلك قبيل احتفالات أعياد رأس السنة العبرية. والدمج بين عشرات آلاف الإسرائيليين الذين زاروا القدس، بما في ذلك جبل الهيكل (الحرم القدسي)، مع الخطاب المتشدد الذي من المتوقع أن يلقيه أبو مازن في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة – من شأن ذلك الدمج أن يثير من جديد أجواء العنف والعمليات.

 

لقد فَقَدَ محمود عباس، خلال الشهرين الأخيرين، آخر ما كان يمتلكه من ضوابط. فهو لا يثق بأن الإدارة الأميركية الحالية قادرة على العمل كوسيط نزيه بينه وبين إسرائيل، وهو يخاف جداً من قانون "تايلور فورس"، المسمى على اسم السائح الأميركي الذي قُتل في إحدى العمليات في يافا (8 آذار /مارس 2016 - المترجم)، والذي من المتوقع أن يوقف الدعم الأميركي للسلطة البالغ 500 مليون دولار.

 

ومنذ أحداث جبل الهيكل (الحرم القدسي) في تموز /يوليو، لم يَعُد التنسيق الأمني إلى سابق عهده. ولم تَعُد هناك لقاءات مباشرة لقادة الألوية وعناصر جهاز الأمن الداخلي (الشباك)، بل تنسيق محدود فقط عبر مكاتب الارتباط، وهذا يعزز بشكل أكبر المخاوف من حدوث مواجهة. إن عباس نفسه غير معني بمواجهة عنيفة في المناطق (الفلسطينية) ولذلك يقوم بتشديد الضغط على غزة، على أمل أن تندلع هناك مواجهة يُسفك فيها دم خصميه – حماس وإسرائيل.

 

وقد قام عباس فعلاً باقتطاع الـ 1.4 مليار دولار التي يمررها لقطاع غزة في كل عام، وهو يأمل بأن يوقف المزيد حتى آخر السنة الحالية. وفي إسرائيل يدركون معنى ذلك إلا أنهم، لسبب ما، يراقبون هذه التطورات بدون أن يقوموا بأي عمل.

 

إن من يُنصت جيداً لحركة حماس يستطيع أن يعرف أنها موجودة اليوم على مفترق طرق. فهي تنظر من حولها وترى أنها بقيت بدون أب وبدون أم – قطر في أزمة مع كل من السعودية ومصر، والدعم التركي تقلص، ومن غير اللطيف بالنسبة لها أن توجد في حالة عناق مع إيران في الوقت الذي يقوم فيه عناصرها بقتل أخوتها السنة في سوريا.

 

وزعيم حماس في الضفة الغربية حسن يوسف، الذي اُطلق سراحه للتو من حكم بـ 22 شهراً من الاعتقال الإداري، سارع إلى تقديم اقتراح في الـ "جيروزاليم بوست" لوقف إطلاق نار طويل الأمد. في إسرائيل، كما هي العادة، لا يُنصتون. وقبل 20 سنة أيضاً، في مستهل أيلول /سبتمبر 1997، لم نُصغِ. عندها نقل حسين ملك الأردن اقتراحاً من حماس لهدنة مع إسرائيل لمدة 30 سنة. إلا أنهم عندنا كانوا مشغولين بالتخطيط للمحاولة الفاشلة لتصفية خالد مشعل.

 

لقد مر أكثر من ثلاث سنوات منذ أن أطلقت حركة حماس في غزة رصاصة أو صاروخ على إسرائيل. ثلاث سنوات نجد فيها المنظمة التي تفاخر بأنها منظمة المقاومة الرائدة للفلسطينيين قد أوقفت سلاحها. وإذا ما ذهبنا في السنة القادمة إلى مواجهة غير ضرورية في غزة فإن ذلك سيكون بسببنا وليس بسببهم.

 

ترجمة: مرعي حطيني