العلاقات الوثيقة بين ترامب ونتنياهو سيدفع ثمنها الجانب الإسرائيلي فقط

العداء، أو الجفاء وفق الصيغة الملطَّفة لرئيس الحكومة، الذي ميز العلاقات بين بنيامين نتنياهو وبين رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق باراك أوباما لم يلحق ضرراً كبيراً ولم يتسبب بأي حدث غير قابل للإصلاح بين الدولتين. أما من الجانب الآخر فإن الصداقة والمجاملات التي يغدق بها كل من الرئيس دونالد ترامب ورئيس الحكومة على بعضهما البعض لم تقدم إلى الآن أي مكسب سياسي لإسرائيل ولم تؤدِ إلى تحقيق مصالحها.

وقد جاء هذا الأسبوع في وسائل الإعلام أن وفداً أميركياً، ضم كلاً من جاريد كوشنير والمبعوث إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، قد زار سراً المملكة العربية السعودية. ومما لا شك فيه أنه قد تمت خلال المحادثات التي جرت في الرياض مناقشة خطة السلام التي ينوي الرئيس ترامب طرحها على إسرائيل وعلى الفلسطينيين. ولو أن أمر هذه الزيارة كان قد كُشف خلال فترة ولاية أوباما لكانت أصوات الاحتجاج قد تعالت من القدس بكل الاتجاهات لتقول إن "البيت الأبيض يبيع إسرائيل".

إلا أن الصداقة غالبة. إذ يُحظر تماماً التفوه بأية كلمة قد يُستشف منها الشعور بالضيق أو بالغضب تجاه الرئيس، الذي هو حسب ما يقول نتنياهو "أعظم صديق لإسرائيل". الله يستر.

فقانون ضم القدس تم تجميده، وفق الأنباء الواردة، بضغط من السعودية. إلا أن هذا الضغط لا يحقق هدفه بدون رغبة من رئيس الحكومة وبدون الأهمية التي يعزوها للصداقة مع ترامب. وبكلمات أخرى، ليس فقط أن العلاقات الوثيقة بين ترامب ونتنياهو لم تثمر أي إنجاز سياسي أو فائدة سياسية لإسرائيل بل هي قد جبت ثمناً باهظاً، الجانب الإسرائيلي فقط هو الذي يدفعه بطبيعة الحال.

ووفق القصة الرائجة في أوساط الدبلوماسيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك فإنه عندما وضعوا أمام المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ترجمة خطاب ترامب، في الجلسة الافتتاحية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، ألقت نظرة سريعة على المضمون وقالت بحدة: "لقد قلت من قبل إنه لا يمكن الاعتماد عليه".

لا تُعتبر خطابات الرؤوساء الأميركيين في الجلسات الافتتاحية لدورات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، خلال العقدين أو الثلاثة الأخيرة، لا تُعتبر مُنزَّلة أو كأحداث مفصلية. إلا أن الخطاب الذي ألقاه ترامب وُصف بأنه خطاب ترامبي. وهو استخلاص لم يكن بحاجة إلى تفسير أو شروحات. وكان رئيس حكومة الدولة الغربية الوحيدة الذي سارع إلى الثناء على الخطاب وتمجيده هو نتنياهو. فقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية إن "الخطاب هو أشجع خطاب اُلقيَ في الأمم المتحدة". وفي الكافتيريا الخاصة بالوفود، تبسم الدبلوماسيون بارتباك وتساءلوا: "أية شجاعة كانت في الخطاب".

لقد عاد نتنياهو واستخدم مصطلح الشجاعة أيضاً في الإطراء الذي سارع لإسباغه على خطاب ترامب حول البرنامج النووي الإيراني. فقد قال إنه "قرار شجاع". هذه المرة كان التوصيف مستغرباً ومحرجاً. فإذا ما كان هناك شيء بارز وظاهر في مضمون خطاب الرئيس الأميركي حول الاتفاق النووي فقد كان التهرب الواضح من أية إشارة إلى مستقبل الاتفاق. ولكن كما هو معروف، الصداقة غالبةٌ ومُلزمة حتى وإن تطلبت تصريحات هاذية.

إن لهذه الصداقة العارمة تأثيرات سلبية في مجالين هامين لإسرائيل. فالغالبية العظمى في أوساط اليهود الأميركيين قد صوتت لصالح هيلاري كلينتون، وهذه الغالبية تمقت ترامب لأنها ترى فيه عنصراً يتعارض مع القيم التي ساعدت على ازدهار الجالية وتعاظم قوتها. والعلاقة الوثيقة بين ترامب وبين نتنياهو هي إحدى العوامل الرئيسية للأزمة بين إسرائيل وبين الجالية اليهودية. وإحدى المفارقات هي أن رئيس الحكومة، بسبب هذه العلاقة بالذات، يفقد التعاطف والتأييد الذي يمتلكه في أوساط نخبة الحزب الجمهوري وأعضاء الكونغرس والنواب. والتقدير في واشنطن هو أن المعارضة ستتحول إلى فعل لإقالة الرئيس.

كما أن جهود التقارب التي يبديها رئيس الحكومة تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تثير حالة من الاستغراب في أوساط الدبلوماسيين في نيويورك. فالرئيس الروسي يُعتبر شخصية منبوذة على الساحة الدولية، وفي أوساط زعماء الدول العظمى الغربية، والعلاقة معه هي بمثابة علاقة مع عنصر سلبي يُلحق الضرر بالجهود لتحقيق الاستقرار والسلام. ونتنياهو هو الوحيد من بين رؤوساء الدول الغربية الذي يحج إلى الكرملين بشكل دائم ويجتمع مع بوتين. إلا أنه في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا فإن هناك، من وجهة النظر الإسرائيلية، مصالح أمنية هامة تتطلب تطوير العلاقات مع الرئيس (بوتين).

لم يَحُل العداء الذي كان قائماً بين نتنياهو وبين أوباما دون التوقيع على اتفاق المساعدات الأمنية لعشر سنوات بقيمة 38 مليار دولار والذي تم التوقيع عليه في نهاية ولاية الرئيس الأميركي (أوباما). وحسب أقوال مسؤولين كبار في المنظومة الأمنية فإنه لم يكن لإسرائيل رئيساً متعاطفاً وسخياً وداعماً لها في المجال الأمني مثله.

ترامب لا يزال في بداية ولايته ومن حسن حظ إسرائيل أنها ليست بحاجة ماسة إلى مساعدة منه في مجال الأمن. كما أن التعاون بين الدولتين في مجال الاستخبارات جيد، بل وأكثر من ذلك. إلا أنه لجهة كل ما يتعلق بعملية السلام فإنه قد يتضح أن علاقة الصداقة بين ترامب ونتنياهو هي منطقة خطرة. وحسب أوساط سياسية في نيويورك فإنه تجري في البيت الأبيض بلورة خطة لتحقيق حل للنزاع. والتقدير هو أن أجزاء غير قليلة من الخطة لن تكون مقبولة على إسرائيل وستثير معارضة لها. وعندها سيتضح لنتنياهو أن لترامب تفسيره الخاص للصداقة وللتقارب. وهو تفسير غير محبب، سيؤدي إلى تخليص نتنياهو من الأوهام ولكن بطريقة مؤلمة.

 

ترجمة: مرعي حطيني

المصدر: معاريف