روسيا ليست حليفاً، ولا يمكن لإسرائيل الاعتماد على الولايات المتحدة

العزاء الوحيد بالنسبة لإسرائيل يتمثل في أن علاقاتها مع المملكة العربية السعودية تتعزز. فكلما قامت إيران بزيادة هيمنتها في المنطقة – في العراق وفي سوريا وفي اليمن – ازدادت المخاوف السعودية منها وازدادت الرغبة لدى زعماء الرياض في تطوير العلاقات مع إسرائيل. وهذا الأمر ينطبق، بطبيعة الحال، على لبنان الموجود في ذروة أزمة سياسية عميقة بعد أن أرغمت السعودية سعد الحريري، الذي نجحت عائلته في تحقيق ثروتها في السعودية، على الاستقالة. فالسعودية تريد خلق حالة من الفوضى في لبنان وذلك بهدف ضرب إيران وحزب الله وتقليص أضرار النفوذ الإيراني إلى الحد الأدنى.

يواصل زعماء إسرائيل التصرف وكأن شيئاً لم يحدث على جبهة سوريا، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان يواصلان إطلاق تبريراتهما بأن "إسرائيل تعرف كيف تحافظ على مصالحها الأمنية".

وفي اللغة الإنجليزية يسمون مثل هذا السلوك بـ FACE SAVING. أي أنهما يتصرفان وكأن الأمور تسير على ما يرام. إلا أن الحقيقة هي أن الأمور ليست كذلك. فإعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هذا الأسبوع، بأنه لا يوجد أي اتفاق يقول بوجوب انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، وأن تواجدها هناك شرعي، هذا الإعلان جاء مثل قنبلة بوزن طن سقطت على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل.

لافروف لم يقل هذا الأمر صراحة، إلا أنه يمكن، في الحقيقة، أن يُفهم من أقواله بأن الكرملين يرى في التواجد الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى حلفائها - مثل حزب الله والميليشيات الأخرى – ليس شرعياً وحسب بل ضرورياً. فروسيا التي يعتمد تواجدها في سوريا، بشكل أساسي، على القوات الجوية ترى في تلك القوات - التي هي القوة المقاتلة على الأرض – ترى فيها وقود المدافع الذي يستطيع نظام بشار الأسد [الدولة السورية] البقاء بفضله، وهو ضروري لمواصلة صيانة النظام ولمواصلة الجهود لاستعادته السيطرة على معظم أراضي الدولة.

لقد أوضحت روسيا أنه على المستوى التكتيكي، من خلال التنسيق العسكري لتفادي المعارك الجوية والصدام العسكري مع الجيش الإسرائيلي، أنها مستعدة للتعاون مع إسرائيل وستواصل فعل ذلك، وحتى لغض الطرف – وعن طريق ذلك بالذات تأييد هجمات سلاح الجو ضد مخازن وقوافل الأسلحة التابعة لحزب الله. أما على المستوى الإستراتيجي فإن المصلحة الروسية للإبقاء على نظام الأسد [الدولة السورية] بمساعدة إيران هي أهم بالنسبة لها من المصالح الإسرائيلية.

وأكثر من ذلك فإن روسيا قد رفضت الموقف الإسرائيلي القائل "حتى إذا سلمنا، دون أن نعترف بذلك صراحة، بتواجد القوات الإيرانية في سوريا فعلى الأقل أبعدوها عن حدودنا". فاليوم هناك تواجد ضعيف جداً لعناصر قوات القدس وللحرس الثوري ولحزب الله على مسافة 5 - 10 كيلومترات من الحدود. وقد يتم في المستقبل إبعادها إلى مسافة 20 كيلومتر، إلا أن عديدها سيزداد. لكن المشكلة هي أنه وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الآخذ بالتبلور بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة الأميركية (والذي غابت عنه إسرائيل) لتحديد التواجد السوري – الإيراني على الحدود، المشكلة هي أن "الحَكَم" الذي يراقب التنفيذ هو روسيا. أي أن روسيا هي التي تملي الاتفاق وهي المسؤولة عن تطبيقه أيضاً.

وعملياً فإن إسرائيل معزولة أكثر من أي وقت مضى في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط. ويتضح أن روسيا ليست حليفاً على الرغم من جهود نتنياهو للتودد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولإرضائه أيضاً. كما أنه لا يمكن لإسرائيل الاعتماد على الولايات المتحدة. فأميركا دونالد ترامب تواصل سياسة سلفه باراك أوباما – فهي تعترف بسوريا كمنطقة نفوذ روسية وتغادر الشرق الأوسط.

إن العزاء الوحيد بالنسبة لإسرائيل يتمثل في أن علاقاتها مع المملكة العربية السعودية تتعزز. فكلما قامت إيران بزيادة هيمنتها في المنطقة – في العراق وفي سوريا وفي اليمن – ازدادت المخاوف السعودية منها وازدادت الرغبة لدى زعماء الرياض في تطوير العلاقات مع إسرائيل. وهذا الأمر ينطبق، بطبيعة الحال، على لبنان الموجود في ذروة أزمة سياسية عميقة بعد أن أرغمت السعودية سعد الحريري، الذي نجحت عائلته في تحقيق ثروتها في السعودية، على الاستقالة. فالسعودية تريد خلق حالة من الفوضى في لبنان وذلك بهدف ضرب إيران وحزب الله وتقليص أضرار النفوذ الإيراني إلى الحد الأدنى.

لقد كانت السعودية تريد أن تشن إسرائيل حرباً ضد حزب الله في لبنان، بالطريقة نفسها التي أرادت فيها من إسرائيل أن تضرب الحزب بقوة أكبر خلال حرب لبنان الثانية عام 2006. إلا أنه يمكن هذه المرة التقدير، بدرجة عالية من التأكيد، أن إسرائيل لن تخرج لإراقة دماء أبنائها من أجل مصالح أجنبية، مثلما فعلت عندما سارعت في حرب لبنان الأولى لتقديم العون لإقامة نظام ماروني موالٍ لإسرائيل، وهي العملية التي انهارت مع مقتل المرشح للرئاسة بشير الجميل على يد السوريين. إلا أن التعاون السري مع السعودية هو محدود الضمان أيضاً. فالسعودية غير ناضجة لخطوة إقامة علاقات علنية مع إسرائيل طالما أنه لا يوجد تحرك على الساحة الفلسطينية.

ترجمة: مرعي حطيني