صحفي إسرائيلي زار السودان: الحديث عن التطبيع هناك لم يعد جريمة!
تقرير خاص عن السودان: بلد اللاءات الثلاث تشهد تحولات سياسية ملفتة.. تقارب من أميركا والسعودية وابتعاد عن إيران. والنظام يجهز الشعب للتطبيع مع إسرائيل.

مراسلنا إلداد بيك، أجرى زيارة إلى الخرطوم وعاد وانطباعه أن "كلمة التطبيع لم تعد محظورة في عاصمة اللاءات الثلاث".
"السودان يتغير.. مع إسرائيل وضد الإرهاب". وما هو مدهش قراءة عنوان بالبنط العريض يتحدث عن التطبيع مع إسرائيل في صحيفة "الوطن"، ومنسوب للوزير في الحكومة السودانية، صادق الهادي.
"التطبيع مع إسرائيل هو الاتجاه العام في الدول العربية". هذا يدل على أجواء جديدة في العاصمة الخرطوم، عاصمة اللاءات الثلاث التي تبنتها القمة العربية التي عقدت فيها عام 1967، حيث صدرت قرارات حازمة ضد إسرائيل وهي: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل".
هذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها الحكومة "بالونات تجربة"، ففي شهر آب/أغسطس، أعرب الوزير السوداني، مبارك الفاضل المهدي، عن دعمه لإقامة العلاقات مع إسرائيل.
بات الشعب السوادني متأكداً من وجود علاقات تنسج بين إسرائيل والنظام. "لعبت إسرائيل دوراً هاماً في إقناع الأميركيين على رفع العقوبات عن السودان"، كما قال شاب يدعى محمود، وهو طالب جامعي يدرس العلاقات الدولية، ويتابع "ثمة حديث عن صفقة سياسية كبرى لإنهاء الصراع الإسرائيلي – العربي، برعاية السعودية. السودان يقترب إلى السعودية في السنوات الأخيرة، وقد قطع العلاقات مع إيران منذ بداية عام 2014، وأرسل جنوداً سودانيين إلى الحرب في اليمن ضد الحوثيين".
في دولة يعيش أكثر من 60% من سكانها تحت خط الفقر، ويبلغ فيها متوسط الراتب الشهري نحو 150 دولار، يعلّق السكان آمالهم على الانفتاح الأميركي الأخير. ويأملون باستقطاب الاستثمارات الأجنبية. وهذه واحدة من الأسباب وراء رغبة النظام في تجهيز الشعب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فالسودانيون يحتاجون لإسرائيل من أجل إقامة بنى تحتية وبناء اقتصاد متين.
السودان يشهد تطورات سياسية إيجابية، أبرزها القرار الأميركي برفع العقوبات عن النظام الديكتاتوري الذي يرأسه عمر البشير المتهم بارتكاب مجازر ضد شعبه وجرائم ضد الإنسانية، ومطلوب لدى المحكمة الدولية في لاهاي.
السودان الذي كان ممراً لتهريب السلاح من إيران إلى غزة، بات محسوباً على المحور السعودي، الأمر الذي ساهم في تغيير السياسة الأميركية إزائه. فقد قررت إدارة ترامب الرهان على مهادنة البشير خلافاً لأوباما، وذلك بعد ان أقنعته السعودية بأن السودان يمكن أن يساهم في الحرب ضد داعش والقاعدة في أفريقيا. وقد شطبت أميركا السودان من قائمة الدول التي تحظر دخول سكانها إليها.
هناك تطور سياسي آخر ملفت حصل في السودان، وهو وصول لاجئين سوريين إليها -يصل عددهم بين 100 ألف إلى 200 ألف- واستيعاب السلطات لهم بهدف زيادة عدد العرب الذين يشكلون 30% من سكان السودان وعددهم 40 مليون، لتعزيز هذه الشريحة التي تعد المهيمنة.
السوريون جلبوا معهم أموالاً وأملاكاً وأقاموا مطاعم ومتاجر ملابس وساهموا في تقوية الاقتصاد المحلي.
في مقارنة بين نيل القاهرة الحافل بالمطعام والمقاهي وسفن الملاهي وبين نيل الخرطوم المتروك والمهمل، الخرطوم تفتقر إلى زحمة القاهرة وحياتها الصاخبة. السودانيون ليسوا معتادين على الأجانب في بلدهم. فقد بلغ عدد الأجانب الذي زاروا السودان نحو 600 العام الماضي.
السكان المحليون يرتابون من الأجانب ويشككون في أنهم "عملاء"، وذلك نتيجة للحياة في ظل حكم عسكري دام 30 عاماً، يقوم على القمع والمقاطعة.
قضية العلاقات مع إسرائيل ما زالت تثير عاصفة مشاعر لدى سودانيين كثيرين. فمن جهة هم يرحبون بمساهمة إسرائيل في الحوار البناء الذي نشأ بين السودان وواشنطن، لكن ثمة من يخشى بأن يأتي تطبيع العلاقات على حساب حقوق الفلسطينيين ويشمل تنازلاً سودانياً عربياً عن فكرة إقامة دولة فلسطينية.
"إننا لا ننسى الدعم الإسرائيلي لجنوب السودان والحقيقة أن اليهود ساهموا في تقسيم البلد" قال سوداني: "انظر إلى جنوب السودان التي تغرق اليوم بالدماء جرّاء الصراعات القبائلية. نحو مليون شخص قتلوا في السنة الماضية".
السودانيين يفتخرون بالدور السوداني في المفاجأة العسكرية الكبرى ضد إسرائيل عام 1973، وذلك بفضل استعمال إحدى اللغات السودانية التي مكنت المصريين من التحايل على الاستخبارات الإسرائيلية، وهي اللغة النوبية القديمة، التي يتقنها سكان المناطقة الحدودية بين مصر والسودان.