لقاء "الفرصة الأخيرة"
تبذل مصر جهداً كبيراً آخر في محاولة منها لإخراج عربة اتفاق المصالحة الفلسطينية من مستنقع الوحل العميق الذي لا تزال عالقة فيه.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تواصل حملات الاعتقالات اليومية ضد نشطاء حركة حماس في الضفة (الغربية) والإحباط المتزايد في أوساط المواطنين فيها، في هذا الوقت دعت مصر كل الفصائل الفلسطينية إلى لقاء في القاهرة في 21 من الشهر الجاري. وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها مصر أيضاً بدعوة وفود فصائل المعارضة الفلسطينية في دمشق وعلى رأسها الجبهة الشعبية – القيادة العامة.
هذا ويُعقد اللقاء في ظل جملة من المشاكل المعقدة. إذ يعارض محمود عباس، حتى هذه اللحظة، إلغاء العقوبات الشديدة التي فرضها على قطاع غزة، وهو لم يقم بفتح المعابر الحدودية التي نقلتها حماس لسيطرة السلطة الفلسطينية، كما أنه لم يُلغِ تخفيض رواتب الموظفين، ولم يقم بزيادة كمية الكهرباء المقدمة لقطاع غزة، وهو يهدد بإحالة 16 ألف موظف في القطاع إلى التقاعد المبكر الإجباري.
لقد خصصت مصر لهذا اللقاء ثلاثة أيام من المداولات، الأمر الذي كان موضع انتقاد. فقد قال الشيخ حسن يوسف، مسؤول حركة حماس في الضفة (الغربية)، إن الزمن المخصص "غير كافٍ". وبالفعل، يُطرح هنا السؤال التالي: كيف يمكن في ثلاثة أيام حل الخلافات الشديدة التي تراكمت على مدى 11 عاماً من الانقسام والنزاعات بين حركتي حماس وفتح؟ كما أن جدول الأعمال للقاء القاهرة غير واضح إلا أنه من المقرر، حسب مصادر مختلفة، أن يبحث في خمسة مواضيع رئيسية:
1- إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد بحيث تشمل كل الفلسطينيين (بما في ذلك حركتي فتح والجهاد الإسلامي). وهنا تبرز قضية البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل كقضية غاية في الأهمية وذلك لأن حركة حماس لا تعترف بإسرائيل وترفض اتفاقات أوسلو وترفع راية "المقاومة".
2- إقامة حكومة وحدة وطنية في ظل معارضة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مشاركة ممثلين عن حركة حماس ورفض الفصائل الفلسطينية وقوف الدكتور رامي الحمد الله على رأس الحكومة الجديدة.
3- إجراء انتخابات عامة للبرلمان وللرئاسة.
4- إجراء مصالحة اجتماعية وذلك على خلفية الأحداث الدامية التي حصلت بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة عام 2007 والتي قُتل فيها مئات الفلسطينيين.
5- حقوق الإنسان وحرية التعبير.
قضية الأمن في قطاع غزة
لقد اتفقت حركتا فتح وحماس على التخفيف من حدة اللهجة في وسائل الإعلام عند مناقشة قضية الأمن في قطاع غزة بغية تفادي نسف اتفاق المصالحة وذلك في ظل الخلافات الكبيرة في الموضوع. إذ يعارض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشدة خطة حركة حماس تطبيق نموذج الحكم الخاص بحزب الله في لبنان على قطاع غزة، وهو يصر على مبدأ "سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد". في حين ترفض حركة حماس حل أجهزة الأمن الداخلي التابعة لها في القطاع، وكذلك ترفض حل ذراعها العسكرية "عز الدين القسام" وتسليم السلاح للسلطة الفلسطينية.
وكان اللواء ماجد فرج، رئيس المخابرات في الضفة (الغربية)، قد وصل في نهاية الأسبوع إلى قطاع غزة واجتمع مع زعيم حركة حماس في القطاع يحيى السنوار، وكذلك مع قائد الذراع العسكرية للبحث في سبل حل الأزمة. وقد بحث الاثنان أيضاً فتح معبر رفح والترتيبات الأمنية فيه.
ويسود الغضب في حركة حماس على رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله الذي صرح قبل عدة أيام في نابلس بأن حكومته هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية مهمة الأمن في قطاع غزة بشكل كامل وإلا فإن "عملها سيكون ناقصاً وغير مجدٍ". ويرى المسؤولون في حركة حماس في هذه الأقوال محاولة لممارسة الضغط على الفصائل الفلسطينية قبيل لقاء القاهرة، وهم يقولون إن السلطة الفلسطينية تثير الموضوع بهدف نسف مسيرة المصالحة وذلك على الرغم من توافق سابق مع المخابرات المصرية بأن يتم تأجيل البحث في الموضوع إلى مرحلة متأخرة.
ومهما يكن من أمر فإن السلطة الفلسطينية ترفض نقل ثلاثة آلاف عنصر أمن إلى قطاع غزة، وفق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة 2011، ودمجهم في أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس. وتطالب السلطة الفلسطينية بحل كل الأجهزة الأمنية القائمة التابعة لحركة حماس وإقامة أجهزة أمنية جديدة يعمل فيها عناصر حركة فتح.
وفي الختام، يبدو أن القاهرة ستشهد معركة قاسية بين فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية التي تؤيد في غالبيتها موقف حماس وبشكل خاص ما يتعلق بموقفها الرافض للتخلي عن سلاحها. وهنا لا بد من أن تظهر المخابرات المصرية قدرات إبداعية خاصة لإيجاد حلول وسط حتى يكون بالإمكان مواصلة جولات المداولات.
وفي الشارع الفلسطيني، وبخاصة في قطاع غزة الخاضع للحصار، تسود مشاعر شديدة من التشاؤم واليأس إذ أن عملية المصالحة التي تقودها مصر لا يزال يُنظر إليها على أنها "صراع على الكراسي" يتواصل بين السلطة الفلسطينية وبين حماس وليست محاولة جدية للتوصل إلى مصالحة وطنية. وهذا هو السبب الذي حصل من أجله لقاء القاهرة في المناطق (الفلسطينية) على لقب "لقاء الفرصة الأخيرة". ومن المتوقع أن يكون هذا اللقاء حاسماً لمصير اتفاق المصالحة..
ترجمة: مرعي حطيني
المصدر: مركز القدس للعلاقات العامة