هل يمكن تحقيق التطبيع الإقليمي بدون عملية سلام؟
في الاحتفال الذي أقيم في وزارة الخارجية بمناسبة السنة (العبرية) الجديدة تفاخر رئيس الحكومة نتنياهو بأن علاقات التعاون بين إسرائيل وبين الدول العربية قد وصلت إلى ذروة غير مسبوقة. ومع ذلك، ذكَّر نتنياهو بأن هذه العلاقات ليست علنية، وأشار إلى أن العائق الرئيسي الذي يقف أمامها هو الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين.
في الاحتفال الذي أقيم في وزارة الخارجية بمناسبة السنة (العبرية) الجديدة تفاخر رئيس الحكومة نتنياهو بأن علاقات التعاون بين إسرائيل وبين الدول العربية قد وصلت إلى ذروة غير مسبوقة. ومع ذلك، ذكَّر نتنياهو بأن هذه العلاقات ليست علنية، وأشار إلى أن العائق الرئيسي الذي يقف أمامها هو الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال نتنياهو: "لقد كان الافتراض الأساسي هو أننا إذا ما صنعنا السلام مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذي كنا راغبين به ولا نزال، فإن هذا سيفتح العالم أمامنا". وأضاف نتنياهو: "لا شك في أن ذلك سيساعد، ولكن العالم ينفتح أمامنا بدون ذلك، وهذا لا يقلل من أهمية اختبار مسارات العملية السياسية والتطبيع".
لقد أراد نتنياهو أن يمسك بالعصا من طرفيها. فمن الجهة الأولى هو يعترف بأهمية العلاقات الإقليمية وبمركزية عملية السلام وتحقيقها. ومن جهة أخرى، أعرب عن رضاه من الحجم الحالي للتعاون بين إسرائيل وبين الدول العربية والثقة بأنه بالإمكان تطويرها أيضاً بدون مفاوضات سياسية. وهذا التوتر بين التطبيع وبين الجمود (السياسي) يجد تعبيراً عنه أيضاً في مواقف الجمهور الإسرائيلي.
ووفقاً لمؤشر السياسية الخارجية الإسرائيلية لعام 2017، الصادر عن معهد "متڤيم"، فإن 35% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن دفع العلاقات مع الدول العربية يجب أن يكون المهمة الأولى في جدول أولويات وزارة الخارجية، و31% يعتقدون الشيء نفسه في ما يتعلق بدفع مسيرة السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. فيما أعرب 70% من الجمهور عن اعتقادهم أن التعاون الإقليمي بين إسرائيل وبين دول الشرق الأوسط هو أمر ممكن، وهو التوجه الآخذ بالصعود منذ 2015.
ومع ذلك فإنه عندما تم سؤال المشاركين في الاستطلاع عن العلاقة بين التعاون الإقليمي الإسرائيلي وبين عملية السلام مع الفلسطينيين ظهرت صورة أكثر تعقيداً، والتي تُذكِّر بموقف نتنياهو: إذ يعتقد 48% من الجمهور أنه بوسع إسرائيل أن تحقق انطلاقة كبيرة مع الدول العربية بدون التقدم في عملية السلام، بينما يعتقد 39% أن انطلاقة كهذه ستتحقق فقط بعد التقدم في عملية السلام. وقد شارك في الاستطلاع عرب من مواطني إسرائيل، ومع ذلك فإن 24% فقط يعتقدون أن التعاون الإقليمي ممكن أيضاً بدون التقدم في عملية السلام، في مقابل 58% يعتقدون أن التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين هو شرط ضروري للتعاون الإقليمي.
وبكلمات أخرى فإن الجمهور يميل إلى الاعتقاد، كما يدعي نتنياهو، إلى أنه يمكن تحقيق علاقات إسرائيل مع دول الشرق الأوسط أيضاً بدون التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين. ومع ذلك فإن قسماً من الجمهور بقي متشككاً، وكذلك هو حال الجمهور العربي في إسرائيل. فهل تخلق المصالح الإستراتيجية المتغيرة في الشرق الأوسط فرصاً غير مسبوقة لإسرائيل، وهي المصالح التي تطغى على الالتزام العربي بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، أم أن الأمر لا يتعدى كونه مجرد أمنية؟
يسود في أوساط الباحثين والخبراء الاتفاق على أن الدول العربية ستمتنع عن إقامة تعاون علني وجدي مع إسرائيل بدون حل المشكلة الفلسطينية. بينما تكمن مصلحة رئيس الحكومة، والسياسيين في اليمين، في إدعاء ما يخالف ذلك. ولكن السؤال هو: لماذا ينتشر هذا الرأي في أوساط الجمهور؟
من الردود المحتملة على ذلك هو أن الأمر قد يعود إلى التقدير غير السليم لأهمية الموضوع الفلسطيني بالنسبة للدول العربية، أو التقدير المبالغ به لتضافر المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية مع الدول العربية، أو وجود تصور محدود للتعاون الإقليمي المرغوب والاكتفاء بعلاقات سرية تحت القيود.
ومن الممكن أيضاً الإشارة إلى احتمال آخر: فعلى الرغم من إدراك الجمهور الإسرائيلي لأهمية عملية السلام مع الفلسطينيين فإنه لا يزال متشككاً لجهة النتائج المحتملة. وفي مثل هذه الظروف يمكن أن يكون التعاون مع الدول العربية بديلاً قيمياً وبراغماتياً.
وتشكل نتائج استطلاع مؤشر السلام الذي أجراه مركز تامي شتاينمتس والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، الذي اُجري في تشرين الأول / أكتوبر 2017، تأكيداً لهذا التفسير. إذ أعرب 30.9% من المشاركين في الاستطلاع عن تأييدهم بشكل "كبير جداً" لإجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية (25.3% من اليهود، 59.2% من العرب)، و 35.1% أعربوا عن "تأييدهم" (37.3% من اليهود، 23.9% من العرب). أي أن 66% من كل الجمهور قد أيدوا إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن عندما تم سؤال المشاركين عن رأيهم إذا ما كانت المفاوضات ستُفضي إلى اتفاق سلام أشار 6.7% فقط إلى أنهم "يؤمنون جداً" بذلك، بينما قال 18.3% إنهم "يؤمنون كفاية". مقارنة بـ 42.9% أجابوا بأنهم "لا يؤمنون مطلقاً" و 29.9% أجابوا بأنهم "لا يؤمنون كفاية" بأن المفاوضات بين إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية ستؤدي إلى اتفاق سلام.
ويتضح من هذه المعطيات أنه على الرغم من أن ثلثي الجمهور يؤيدان إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين فإن غالبية أكبر من ذلك غير قانعة بفرص نجاح المفاوضات. وعندما تكون هناك حالة من عدم الثقة الجارفة بالنتائج المحتملة لعملية السلام فإن الحوافز لتطبيقها عملياً، وبخاصة لجهة الاستعداد للإقدام على مخاطرات ولتنفيذ الحلول الوسط، تبقى متدنية سواء في أوساط الجمهور أو في الساحة السياسية.
إن الاعتقاد السائد في الساحة السياسية، وفي أوساط الجمهور، بأنه من الممكن حصول تقدم علني وجدي في العلاقات بين إسرائيل وبين الدول العربية بدون تقدم في مسيرة السلام مع الفلسطينيين هو مجرد أمنية. ومجابهة عدم الثقة السائدة في أوساط الجمهور، في ما يتعلق بآمال ونتائج المفاوضات مع الفلسطينيين، ستساعد في إزالة أحد التفسيرات لهذا الانقطاع على صعيد الوعي.
ترجمة: مرعي حطيني
المصدر: منتدى التفكير الإقليمي