إسرائيل والخليج

أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينيتس أن الحكومة الإسرائيلية لديها علاقات دبلوماسية سرية مع المملكة العربية السعودية. وبما أن علاقات إسرائيل الاقتصادية والدفاعية مع دول مجلس التعاون الخليجي كانت سرية منذ سنوات، فإن إعلان شطاينيتس لم يكن مفاجئا. ومع ذلك، كان تصريحه ذا أهمية رمزية حيث انهار الستار الذي استمر عقود من الزمن حول الشراكة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.

البعد الاقتصادي للشراكة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي له جذور عميقة أيضا

وقد وصف الوزير المذكور في19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، العديد من المحللين الشراكة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي بأنها اصطفاف تكتيكي بحت يهدف إلى احتواء إيران وتوسيع نطاق الاعتراف الدبلوماسي الرسمي لإسرائيل في العالم العربي. هذا التصور يخالف ويقلل من عمق الشراكة. إسرائيل أقامت علاقات أمنية واقتصادية مع كتلة دول مجلس التعاون الخليجي قبل أن تظهر إيران كتهديد مشترك، ومن المرجح أن تستمر هذه الشراكة غير الرسمية في التعزز حتى لو لم تمنح السعودية والإمارات العربية المتحدة الاعتراف الدبلوماسي.

وقد نشأت الشراكة الأمنية الحالية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي من رغبة مشتركة في مواجهة مصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. كان أول مثال رئيسي على جهود مشتركة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق الاستقرار هو عملية "أوبرا" في سنة 1981 التي قامت بها إسرائيل ضد المنشآت النووية العراقية. على الأرجح أن هذه الضربة العسكرية تمت بموافقة ضمنية من المملكة العربية السعودية، حيث حلق الطيارون الإسرائيليون فوق المجال الجوي السعودي إلى العراق دون مقاومة نشطة من الرياض.

صعود إيران العسكري الحازم بعد حرب العراق عام 2003 والسعي إلى ردع نووي يزيد من ترسيخ الأجندة المؤيدة للاستقرار هما اللذان يربطان إسرائيل بالمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من إنكار المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين، أشارت تقارير عديدة إلى زيادة التعاون الاستخباراتي بين القدس والرياض خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد كرئيس لإيران. وقد بلغ هذا التعاون ذروته في اختبار عام 2009 لقدرات الدفاع الجوي السعودي وتقدير سري في عام 2010 لإمكانية تحليق الطائرات الإسرائيلية بأمان عبر الأراضي السعودية إلى إيران في حال نشوب حرب.

إن الأنشطة العسكرية الأخيرة، مثل تدريبات القوات الجوية الإسرائيلية المشتركة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في آذار / مارس 2017، بُنيت مباشرة على تقاسم المعلومات الاستخباراتية في عهد أحمدي نجاد، وتسلط الضوء على استمرار التحالف بين إسرائيل ومجلس التعاون الخليجي لتحقيق الاستقرار. وتمثل أزمة قطر امتدادا طبيعيا لهذا التحالف، حيث تعتبر كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية الدعم المالي القطري للجماعات الإسلامية تهديدا للاستقرار الإقليمي.

وأكد قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر في 4 آب / أغسطس بشأن إلغاء ترخيص قناة "الجزيرة" تضامن القدس مع السعودية ضد قطر. إن تعاون إسرائيل والسعودية السري لتقويض نفوذ قطر في الشرق الأوسط يدل على أن دور الاستقرار الذي يخدم اصطفافهما من المرجح أن يبقى على قيد الحياة حتى لو قامت إيران في نهاية المطاف بتعديل سلوكها الحربجي.

البعد الاقتصادي للشراكة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي له جذور عميقة أيضا. خلال التسعينات، أعرب المستثمرون الإسرائيليون عن اهتمامهم بتطوير العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بسبب نموها السريع في القطاعات المالية والأسواق العقارية. وأدى الضغط الذي مارسه المستثمرون الإسرائيليون وأصحاب الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي المهتمون بالحصول على رأس المال والتكنولوجيا الإسرائيلية إلى تطوير العلاقات التجارية بين إسرائيل وكل دولة. وقد بدأ هذا التاريخ الإسرائيلي المعلَم في سنة 1996 بفتح مكاتب تجارية في عُمان وقطر. وتلا هذا الاتفاق قرار المملكة العربية السعودية بإضفاء الشرعية على تدفقات رأس المال الإسرائيلي في عام 2005.

وعلى الرغم من أن الخلافات حول وضع المناطق الفلسطينية أوقفت فجأة جهود إسرائيل في مجال الوصول إلى عمان وقطر خلال أوائل العقد الأول من القرن الحالي، إلا أن العلاقات التجارية غير الرسمية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد نمت بسرعة خلال العقد الماضي. ومن خلال مبادرات ليبرالية للتجارة، حصلت المملكة العربية السعودية على تكنولوجيا الري الإسرائيلية. كما حصل قطاع الطاقة المتجددة الناشئة في دولة الإمارات العربية المتحدة وأسواق العقارات على تدفقات رأسمالية كبيرة من إسرائيل.

وقد شجع تطوير الصلات الشخصية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال المبادرات التجارية على تطوير التعاون غير الرسمي في قطاع الدفاع. في عام 2016، بدأت المملكة العربية السعودية بشراء طائرات إسرائيلية من دون طيار عبر جنوب أفريقيا. وكشف تقرير صدر في أكتوبر / تشرين الأول 2017 أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها شراكة طويلة الأمد مع رجل الأعمال الإسرائيلي ميتاي كوخافي، مما سمح لأبو ظبي بالوصول إلى تكنولوجيا القبة الحديدية.

وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية وتعبير البحرين مؤخرا عن تأييدها للاعتراف بإسرائيل، من غير المرجح أن تقيم السعودية والإمارات علاقات رسمية مع إسرائيل. ولا يزال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ينكر وجود تعاون غير رسمي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ومن الناحية الرسمية، يواصل الدبلوماسيون السعوديون الالتزام بشروط خطة عبد الله لعام 2002، التي سمحت بالاعتراف بإسرائيل فقط إذا ما تم بنجاح تنفيذ حل الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة مع السلطة الفلسطينية أصبحت أكثر توترا في السنوات الأخيرة، إلا أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عكس موقف المملكة العربية السعودية من خلال الحفاظ على علاقات غير رسمية مع إسرائيل، مع استضافة سفارة فلسطينية على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة.

إن عدم رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في منح الاعتراف الرسمي لإسرائيل ليس مشكلة بالضرورة. من وجهة نظري، مصالح إسرائيل تتعظم من خلال الحفاظ على علاقات غير رسمية مع مجلس التعاون الخليجي، ورفض الاعتراف الدبلوماسي إذا كان الأمر يتعلق بشروط غير مقبولة. إن المساومة غير الرسمية التي تجعل تقاسم التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية مع المملكة العربية السعودية متوقفة على الرياض بوقفها بشكل دائم دعمها المالي لحماس هو ترتيب بديل مناسب من شأنه أن يعزز أمن إسرائيل ويحافظ على العلاقات الودية بين القدس ودول مجلس التعاون الخليجي.

في حين توقع العديد من المحللين أن شراكة إسرائيل السرية مع دول مجلس التعاون الخليجي هي اصطفاف قصير الأجل ضد إيران وسوف تتفكك إذا لم تحصل إسرائيل على اعتراف دبلوماسي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن الشراكة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي أقوى وأكثر دواما مما توقعه الكثيرون. ومع استمرار تراجع اهتمام العرب بالقضية الفلسطينية، ستواصل الشراكة غير الرسمية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.