لا أحد معني بالحرب، لكن الأمور قد تخرج عن السيطرة
لا يوجد أحد على استعداد لإعطاء تقييم مؤكد للطريقة التي ستتطور وفقها الأحداث في قطاع غزة، إلا أنه يتضح من حوارات جرت مع وزراء وضباط في الجيش الإسرائيلي بأن التقدير هو أنه لن تكون هناك تتمة ليوم القتال الذي جرى يوم أمس والليلة الماضية. ويستند هذا التقدير إلى النوايا المعلنة للأطراف، وبطبيعة الحال، إلى قدراتهم. وقد أوضحت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أنهما ليستا معنيتين بالحرب. ذلك أنهما تدركان أنها ستنتهي بسقوط حكمهما. كما أن إسرائيل لا ترغب في ذلك لأنها غير مستعدة لدفع ثمن الحرب القاسي.
بالنسبة للقدرات، بطبيعة الحال الوضع يميل بشكل أكبر لمصلحة إسرائيل. فحركة حماس في ذروة ضعفها. وهي معزولة سياسياً. ومن الناحية العسكرية تواصل الحركة خسارة سلاح الأنفاق. فيوم أمس اكتشف الجيش الإسرائيلي نفقاً آخر وقام بتدميره، وهو العاشر خلال أقل من سنة. كما أن القبة الحديدية تتطور وتكشف عن قدرات لاعتراض قذائف الهاون، وإن لم يكن ذلك بنسبة 100%، وليس لاعتراض الصواريخ فقط. وحماس قد فشلت على المستوى الإستراتيجي في تحشيد الجماهير للخروج في الاحتجاجات الشعبية على السياج الحدودي حتى وإن كانت قد تمكنت من تحقيق نجاحات تكتيكية هنا وهناك مثل استخدام الطائرات الورقية الحارقة لإضرام النار في الحقول في منطقة "غلاف غزة"، وهي السلاح الذي لم تتمكن الجهات الأمنية بعد من إيجاد حل له.
غزة تلامس قاع برميل الفاقة والعوز
غالبية مواطني غزة، البالغ عددهم نحو مليوني مواطن، بدأوا بالفعل بملامسة قاع برميل الفاقة والعوز الاقتصادي. ويوم أمس توقف تزويد التيار الكهربائي من الجانب الإسرائيلي إلى قطاع غزة. وتدعي إسرائيل أن ذلك حدث نتيجة استهداف صاروخ أو قذيفة هاون لخطوط التوتر العالي، وأن إصلاح الأضرار بحاجة إلى عدة أيام. إلا أنه وعلى الرغم من ضائقتها الشديدة فإن حركة حماس تريد أن توصل إشارة إلى إسرائيل بأنه ليس بوسعها أن تهزمها وتجعلها تجثو على ركبتيها مقابل اتفاق "هدنة" طويلة الأمد مريحة لها. وهي تقوم بإرسال هذه الإشارات عبر "وسيط" – حركة الجهاد الإسلامي، والتي هي عملياً منظمة فلسطينية سنية إلا أنها موضوعة في يد إيران، والتي توجد لها مصلحة قوية بالتصعيد في الجنوب.
وبالفعل عشنا أمس يوماً كاملاً من التصعيد المصغَّر. إذ قامت خلية (فلسطينية) بوضع قطع من الشريط الشائك المفخخ عند السياج الحدودي. وكان هذا جزءاً من "النضال الشعبي" الذي تحول إلى جهد لا يتوقف، والذي يهدف إلى إزالة السياج. وتم تفجير العبوة الناسفة، ورد الجيش الإسرائيلي على ذلك بإطلاق نيران الدبابات باتجاه موقع قريب للرصد تابع لحركة الجهاد الإسلامي، حيث لا يمكن التصديق أن عناصره لم يروا الأشخاص الذين وضعوا العبوة الناسفة. وقُتل ثلاثة من عناصر الحركة. وفي رد على ذلك سمحت حركة حماس للجهاد الإسلامي بإطلاق حوالي 50 صاروخ وقذيفة هاون، والتي سقطت إحداها في باحة روضة للأطفال في إحدى المستوطنات.
لن يكون هناك حلاً إستراتيجياً، ولكن ربما تخفيف تكتيكي
لقد كان هذا أكبر عدد من الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة منذ عملية "الجرف الصامد". صحيح أنه لم يُصب أي شخص، باستثناء ثلاثة جنود أصيبوا بجراح طفيفة، إلا أنه لم يكن باستطاعة الجيش الإسرائيلي ضبط نفسه وقام بهجوم مكثف من بالبر والجو استهدف 30 موقع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وكان هذا الهجوم الأوسع منذ "الجرف الصامد".
هنا يكمن الخطر الأكبر: فعلى الرغم من أنه لا توجد لكل ذوي العلاقة مصلحة في الانجرار بإرادتهم إلى حرب شاملة إلا أنه يمكن للأمور أن تخرج عن السيطرة. ولا يزالون في الجهات الأمنية والمستوى السياسي يقدرون أنه بالإمكان العودة إلى التهدئة. وإذا ما عاد الهدوء بالفعل فإنه سيتحقق بدون اتفاق، بل عن طريق تفاهمات صامتة بين الجانبين صاحبي العلاقة، وذلك عبر تدخل المخابرات المصرية التي تحاول تحقيق الهدوء.
إن الأمل أمام تحقيق هدنة طويلة المدى، أو حتى قصيرة المدى، هو أمل ضعيف، وذلك بسبب الطلبات التي لا يبدي أي طرف استعداده للموافقة عليها. فإسرائيل قد طلبت تجريد حركة حماس من سلاحها وتبادل الأسرى والجثث بأقل ثمن. وحماس لن توافق على ذلك. وعليه فإن الأمر الذي تبقّى هو محاولة تهدئة الأوضاع، وتقوم إسرائيل في مقابل ذلك بتخفيف معاناة مواطني غزة، على المستوى التكتيكي وليس الإستراتيجي، بحيث تزيد من المساعدات الإنسانية، وربما تسمح ببدء بناء أحد مشاريع البنى التحتية.
ترجمة: مرعي حطيني