هل القضاء على حماس مصلحة إسرائيلية؟
ما بين المطالبين بالقضاء على حماس، مثل حاييم رامون، وبين أعضاء اليمين التواقين إلى رؤية الجيش الإسرائيلي وهو يحقق النصر "دفعة واحدة وإلى الأبد"، هناك أمل مشترك لتحقيق الحسم النهائي. فالطرفان يصران على أن الهدوء مؤقت. إن مشكلة غزة معقدة، ولا يوجد للمشاكل المعقدة حل ليس مؤقتاً. وكان هنري كيسنجر قد قال إن "حل المشكلة القائمة يفتح الباب لمشكلة الغد".
الانتقادات الموجهة إلى الإنهاء المبكر لجولة القتال الأخيرة في غزة "قبل أن يتم حسم المعركة" ليست بالأمر الجديد، فهي تشبه إلى درجة كبيرة خيبة أمل جمهور في حلبة للملاكمة لم تنتهِ بالضربة القاضية. وفي ظل خيبة الأمل هذه يجب أن نتساءل: هل القضاء على حماس، في هذه المرحلة، هو أمر ضروري أصلاً؟ وعلى خلاف حلبة الملاكمة فإنه يجب إصدار الحكم على نتائج المعركة في سياقها الإستراتيجي.
في صباح يوم الأربعاء، في الوقت الذي لم يكن فيه أحد قد عرف إذا ما كانت جولة القتال قد وصلت إلى نهايتها، كان الطريق من مفترق ياد – مردخاي وسديروت وأوفاكيم وبئر السبع يعج بالحركة الكثيفة كما هو الحال في كل يوم. وكانت وتيرة العمل في التجارة والمعامل والزراعة والبناء وفي قطاع التعليم تبدو في الصباح نفسه أقوى من الخوف من الصواريخ ومن قذائف الهاون.
صحيح أنه، هناك وراء الحدود، كان من الضروري لحركة حماس إنهاء جولة القتال بأسرع وقت ممكن إلا أن العجلة لم تكن تنبع من استعجال العودة إلى النشاط المدني الروتيني. فوتيرة التنمية والازدهار في قطاع غزة قد تم القضاء عليها منذ سنوات. ففي صيف عام 2006 كتب الناطق باسم الحكومة الفلسطينية في غزة غازي حمد، كتب يقول: "ما بال غزة هكذا؟ حزينة وبائسة ومجروحة، دمها لا يتوقف عن النزف، ودمعها لا يكف عن الجريان. والشوارع متسخة تنبعث منها رائحة البؤس. وأصابنا فيروس البلادة حتى بتنا نسير في الشوارع على غير هدى". كما أن حمد واصل خلال عملية "الجرف الصامد" الندب على الخراب واليأس، إلا أن رأيه هذا لم يؤدِ إلى أي تغير سواء في أوساط قيادة حماس أو في المزاج العام في الشارع الغزي.
وهنا يُختصر الفرق بين المصالح الإسرائيلية وبين مصالح حركة حماس وشركائها. فمن ناحية إسرائيل فإن القدرة على إعادة الأمن والاستقرار إلى الحياة الروتينية، في المستوطنات الحدودية أيضاً، هي غاية الانتصار. بينما تريد حركة حماس وإيران عكس ذلك: البحث عن أية طريقة للتقويض الدائم للاستقرار في إسرائيل. والحكم على قضية ما إذا كانت إسرائيل قد حققت في الجولة الأخيرة ما هو ضروري لها يجب أن يتم في هذا السياق.
وما بين المطالبين بالقضاء على حماس، مثل حاييم رامون، وبين أعضاء اليمين التواقين إلى رؤية الجيش الإسرائيلي وهو يحقق النصر "دفعة واحدة وإلى الأبد"، هناك أمل مشترك لتحقيق الحسم النهائي. فالطرفان يصران على أن الهدوء مؤقت. إن مشكلة غزة معقدة، ولا يوجد للمشاكل المعقدة حل ليس مؤقتاً. وكان هنري كيسنجر قد قال إن "حل المشكلة القائمة يفتح الباب لمشكلة الغد". وعليه دعونا نفترض أننا قد قبلنا اقتراح رامون، وقمنا باحتلال (قطاع) غزة من جديد، وقضينا على حكم حماس، ونقلناه إلى يد السلطة الفلسطينية: "سلطة واحدة ، وقانون واحد، وسلاح واحد". فهل هذا الأمر هو ما نريده؟
يتطلب الرد على هذا السؤال طرح ثلاث قضايا: (1)- التوقيت: هل أن عملية حاسمة مطلوبة لإسرائيل في الظروف الاستراتيجية القائمة؟ (2)- القدرة على التنفيذ: هل هناك أمل معقول بأن تحقق عملية كهذه هدف الاستقرار المنشود؟ ففي شهر تشرين الأول / أكتوبر 2001، على سبيل المثال، نجح الأمريكيون خلال ثلاثة أسابيع في تفكيك قوات طالبان في أفغانستان. ومنذ ذلك الوقت، وعلى الرغم من الجهود الهائلة، لم يتم تحقيق الاستقرار هناك. وكذلك الحال المعركة ضد داعش في الموصل، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، استمرت تسعة شهور، فما هي الخلفية التي تم الاستناد إليها عند التقدير بأن حرب مشابهة في غزة ستكون أقصر من ذلك؟ (3)- قضية المصالح الإسرائيلية العلنية والخفية: هل المطلوب لإسرائيل القضاء على حكم حماس؟ ولماذا مطلوب منا أن نعيد من جديد، بدماء جنودنا، حكم السلطة الفلسطينية من رام الله إلى غزة؟
هنا يفترق الطريق بين الذين يواصلون تطلعهم لتقسيم البلاد عبر حل الدولتين – وفق صيغة باراك وأولمرت، التي ترتبط بانسحاب إسرائيلي كامل تقريباً حتى الخط الأخضر وبتقسيم القدس – وبين الذين يرون في ذلك خطراً وتهديداً إستراتيجيَيْن ومدمرَيْن. وحسم إسرائيل لنقطة الخلاف هذه يتقدم في أهميته على هزيمة حركة حماس في غزة.
ترجمة: مرعي حطيني