هل ستكون صفقة القرن مؤامرة القرن؟

يمكن إيجاد خشية من أن دبلوماسية الأضواء التي تبهر ترامب ستجذبه من صفقة نووية هزيلة مع كوريا الشمالية إلى اتفاق نووي ركيك مع إيران. يمكن لتوق الرئيس الأميركي للحصول على جائزة نوبل للسلام أن يحول "صفقة القرن" إلى حل دولتين قد يقبله الفلسطينيون. فبعد رفعه إلى مستوى مسيح، سيكون من الصعب تحويله إلى كاره إسرائيل.

(إسرائيل) والسعودية سوف تباركان الخطة الأميركية وسوف تدفعان الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات على أساس المخطط الجديد

بعد وقت قصير من افتراق الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن صديقه الجديد، الدكتاتور الكوري الشمالي كيم جون أون (12 حزيران / يونيو)، أُفيد أن صهره جاريد كوشنير ومبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط جايسون غرينبلات سيصلان إلى الشرق الأوسط في الأسبوع المقبل لمناقشة خطة السلام الأميركية. وسوف يزوران القدس وسيُجريان محادثات في السعودية ودول خليجية أخرى. رام الله غائبة عن برنامج الزيارة. حتى الساعة، لا يتضمن جدول أعمال الفريق أي ذكرٍ للفلسطينيين. لو أن كائناً فضائياً هبط على الأرض لكان على قناعة بأن "صفقة القرن" خاصة ترامب التي يجري الحديث عنها هدفها هو إحلال سلام بين (إسرائيل) والسعودية ودول النفط الغنية.

الدكتور إفرايم سنِه كتب في نيسان/ أبريل عن أهمية الحلف الإقليمي لـ(إسرائيل). (إسرائيل) بحاجة لحلف إقليمي يمر عبر رام الله، وليس حلفاً إقليمياً يضحي بها.

الكائن الفضائي لن يكون بعيداً عن الحقيقة. وسط مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين تحدثوا هذا الأسبوع مع "المونيتور" وطلبوا إبقاء أسمائهم طي الكتمان، يسود رأي بأن إدارة ترامب ترى في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مجرد عقبة في الطريق لإقامة حلفٍ استراتيجي أميركي – إسرائيلي – عربي ضد إيران وملحقاتها. وفقاً لنفس المصادر، السفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان، صديق للمستوطنين، حرص على أن تكون "صفقة القرن" مصممة خصيصاً وفق قياسات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وضيقة إلى حد انها تخنق قياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

بحسب هذا السيناريو، إسرائيل والسعودية سوف تباركان الخطة الأميركية وسوف تدفعان الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات على أساس المخطط الجديد. سوف يرفض الفلسطينيون الخطة كلياً، مدعين أن الخطة تتجاهل التفاهمات التي تم التوصل إليها مع (إسرائيل) على مر السنين. الأزمة ستؤدي إلى تفكيك السلطة الفلسطينية وإلغاء اتفاقات أوسلو. السعوديون سيتهمون الفلسطينيين بإفشال الخطة ويعلنون أنهم يرون أنفسهم في حلٍّ من المبادرة السعودية – العربية، التي اشترطت التطبيع مع إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

يمكن إيجاد مستندات لهذا السيناريو في خطاب ألقاه نتنياهو يوم الأحد الماضي (10 حزيران / يونيو) في مؤتمر الكونغرس اليهودي – الأميركي. نتنياهو قال: "إذا أراد الرئيس عباس صنع سلام، فليعترف بالدولة اليهودية. هذا سيجلب سلاماً مرة واحدة وإلى الأبد". لاحقاً كرر نتنياهو مرتين المطالبة بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية وأضاف إليها: "توقفوا عن الدفع للإرهابيين واستثمروا في سلام". لكل من هذين الشرطين آذان مصغية جداً في البيت الأبيض، لكنهما لا يملكان أي فرصة أي فرصة للتسلل عبر عتبة المقاطعة في رام الله. قائد فلسطيني يتبنى روح الصهيونية ويتخلى عن أُسر الإرهابيين، الذين هم مناضلون من أجل الحرية بالنسبة للفلسطينيين، سيوقّع شهادة وفاته. في أحسن الأحوال – وفاة سياسية.

في مقالٍ غير مألوف في حدته صدر في الأسبوع الماضي في هآرتس (9 حزيران / يونيو)، أعدّ المبعوث غرينبلات الأرضية لجولة إضافية من حملة "لا يوجد شريك فلسطيني". غرينبلات حمّل الفلسطينيين المسؤولية الحصرية عن إفشال عملية السلام، من خلال التحريض ونشر الأكاذيب. ولا كلمة عن 51 سنة احتلالٍ عسكري وانتهاك حقوق الانسان في المناطق (الفلسطينية المحتلة). رئيس فريق التفاوض الفلسطيني صائب عريقات كتب رداً انه في عشرات اللقاءات معه، غرينبلات رفض التطرق إلى القضايا الجوهرية، بينها الحدود والمستوطنات، ولا حتى مبدأ حل الدولتين. وختم عريقات قائلاً: "يبدو أن غرينبلات وفريدمان وهايلي وأشباههم لن يكونون راضين إلا عندما يتبنى الفلسطينيون الصهيونية ويتخلون عن حقوقهم السياسية ويوافقون على العيش في نظام فصل عنصري".

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يمكنه أن يظهر ضمن قائمة الأسماء التي كتبها عريقات في مقالته. في اجتماع مع قادة يهود في نيويورك في نهاية مارس / آذار، اتهم القيادة الفلسطينية بتفويت كل الفرص التي واتتها في الأربعين سنة الماضية ورفض جميع المقترحات التي عُرضت عليها. بحسب تقرير في القناة العاشرة، الأمير فاجأ المستمعين إليه بقوله انه "حان الوقت لكي يقبل الفلسطينيون بالمقترحات ويوافقوا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو فليصمتوا وليكفّوا عن التذمّر"، وأوضح أن القضية الفلسطينية ليست أولوية للحكومة السعودية والرأي العام السعودي، وحسب قوله "هناك قضايا أكثر إلحاحاً وأكثر أهمية بكثير للمعالجة - مثل إيران".

بحسب تحقيق مفصّل نشر هذا الأسبوع في صحيفة "نيويوركر"، ولي العهد السعودي أعرب لموظفين أميركيين أنه على استعداد لإقامة علاقات كاملة مع (إسرائيل) وبدا متحمساً لإنهاء الصراع، حتى لو لم يكن الفلسطينيون راضين عن الشروط. وقال: "(إسرائيل) لم تهاجمنا أبداً. لدينا عدو مشترك". وورد في التحقيق أن إدارة أوباما اشتبهت في أنه في إطار الجهود الرامية لتشكيل جبهة مشتركة ضد الاتفاق النووي مع إيران، التقى نتنياهو سراً بقادة من الخليج في قبرص في عام 2015. مؤخراً (هكذا أفادت "نيويوركر")، زاد التعاون العسكري والاستخباري بين (إسرائيل) ودول الخليج ضد المنظمات الإرهابية الجهادية في شبه جزيرة سيناء. لكن نتنياهو يتجاهل نقطة حاسمة. كما كتب الدكتور إفرايم سنِه في نيسان / أبريل، (إسرائيل) بحاجة لحلف إقليمي يمر عبر رام الله، وليس حلفاً إقليمياً يضحي بها.

في خطابه في مؤتمر الكونغرس اليهودي – الأميركي، قال نتنياهو إن "شيئاً جيداً واحداً نتج عن إيران: لقد قرّبت (إسرائيل) من جيراننا العرب". وحسب قوله "الدول العربية ترى مزايا الموقف الأمني الصارم لإسرائيل ويمكنها أن تساعد في مكافحة مخاطر الارهاب". وانتقد الاتفاق النووي مع إيران، قائلاً إن الدول التي دعمته لم تكن ضمن مدى صواريخها، وتجاهلت المخاطر الكامنة لجيران إيران، وعلى رأسهم (إسرائيل) والسعودية. نتنياهو ربط خطاً مباشراً بين الاتفاق النووي مع إيران وبين الاتصالات لاتفاقٍ نووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية: "تخيلوا لو أن الرئيس ترامب عاد باتفاقٍ ما، وتبنّته بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكوريا الجنوبية واليابان تقولان إنه يعرض وجودهما لخطر - هل سيستمع إليهما أحد؟ كلا. نفس الشيء يحدث في الاتفاق مع إيران".

بين هذه السطور، يمكن إيجاد خشية من أن دبلوماسية الأضواء التي تبهر ترامب ستجذبه من صفقة نووية هزيلة مع كوريا الشمالية إلى اتفاق نووي ركيك مع إيران. يمكن لتوق الرئيس الأميركي للحصول على جائزة نوبل للسلام أن يحول "صفقة القرن" إلى حل دولتين قد يقبله الفلسطينيون. فبعد رفعه إلى مستوى مسيح، سيكون من الصعب تحويله إلى كاره (إسرائيل).