إردوغان يستنفر. المعركة في إسطنبول مصيرية

الرئيس إردوغان معظم المشاريع التي أقرّها إمام أوغلو وبتمويل دول ومؤسسات أوروبية حتى لا يقال عن إمام أوغلو إنه نجح في تقديم الخدمات البلدية لسكان إسطنبول.

  • هل تشكّل إسطنبول عاصمة إردوغان التاريخية من جديد؟
    هل تشكّل إسطنبول عاصمة إردوغان التاريخية من جديد؟

بعد أن حكمها الإسلاميون 25 عاماً للفترة بين 1994 – 2019 استطاع أكرم إمام أوغلو، بصفته مرشح أحزاب وقوى المعارضة، أن يهزم الرئيس إردوغان في عاصمته التاريخية إسطنبول، لأنه كان رئيساً لبلديتها قبل أن يصبح زعيماً لحزب العدالة والتنمية، ثم رئيساً للجمهورية حيث تبنّى شخصياً الحملة الانتخابية ضد إمام أوغلو في انتخابات آذار/مارس 2019.

ولم يكتفِ إردوغان آنذاك باستنفار كلّ إمكانيات الدولة ضد إمام أوغلو بل قال خلال الحملة الانتخابية مخاطباً الناخبين: "إما أن تصوّتوا لمرشحنا بن علي يلدرم أو تصوّتوا للسيسي"، ويقصد به إمام أوغلو باعتبار أن السيسي كان آنذاك عدو إردوغان اللدود بعد أن قال عنه إنه: "انقلابيّ وعدو الديمقراطية واستبدادي ويقتل أبناء شعبه المسلمين".

ومن دون أن يكون ذلك كافياً بالنسبة لرئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم لتحقيق انتصاره على إمام أوغلو، ممّا دفع المفوضية العليا للانتخابات وبتعليمات إردوغان لإلغاء الانتخابات وتكرارها بعد 3 أشهر. وأدى ذلك لردّ فعل الناخبين الذين صوّتوا بكثافة لصالح إمام أوغلو، وزادت أصواته نحو 815 ألفاً عن يلدرم بعد أن كانت نحو 10 آلاف في انتخابات آذار/مارس.

ومرّت السنوات الخمس الماضية صعبة بالنسبة لإمام أوغلو حيث كانت المعارضة تسيطر على أغلبية المجلس البلدي، كما عرقل الرئيس إردوغان معظم المشاريع التي أقرّها إمام أوغلو وبتمويل دول ومؤسسات أوروبية حتى لا يقال عن إمام أوغلو إنه نجح في تقديم الخدمات البلدية لسكان إسطنبول.

وتبيّن استطلاعات الرأي المستقلة أنه ما زال يحظى بتأييد نحو 56-58% من أصوات الناخبين على الرغم من تخلّي زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار عن تأييدها له، وهو ما فعلته في انتخابات 2019. في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن انتصار إمام أوغلو في إسطنبول من جديد سيجعل منه المنافس القوي لإردوغان في انتخابات الرئاسة عام 2028، حيث سيبلغ إردوغان الرابعة والسبعين من عمره وإمام أوغلو في السابعة والخمسين. 

الرئيس إردوغان الذي رشّح وزير البيئة وتنظيم المدن السابق، مراد كوروم، لرئاسة بلدية إسطنبول كمنافس لإمام أوغلو، تتوقّع له الأوساط السياسية والإعلامية أن يستنفر كلّ إمكانياته وإمكانيات الدولة ويقود الحملة الانتخابية بنفسه لمنع إمام أوغلو من تحقيق انتصاره الثاني في إسطنبول التي لها معانٍ رمزية شخصية وسياسية وتاريخية بالنسبة له. فقد أصبح إردوغان رئيساً لبلديتها في آذار/مارس 1994 بعد أن فشل مرشّحو اليسار الثلاثة آنذاك في توحيد صفوفهم، ففاز إردوغان برئاسة البلدية بنسبة 25% من الأصوات مقابل ما مجموعه 66%؜ من الأصوات لمرشحي اليسار الثلاثة معاً.

الرئيس إردوغان الذي يتغنّى بأمجاد السلطنة والخلافة العثمانية ويرى في نفسه وريثاً طبيعياً لها عبر حكمه لإسطنبول التي فتحها محمد الفاتح عام 1453 وجعلها عاصمة للدولة العثمانية، لا يهمل في الوقت نفسه العاصمة السياسية أنقرة التي فاز فيها أيضاً مرشّح المعارضة منصور ياواش في انتخابات 2019 بعد أن حكمها صديق إردوغان مليح كوكجاك 25 عاماً على التوالي.

كما لن يهمل إردوغان المدن الكبرى كأنطاليا ومرسين وأضنة التي فاز فيها مرشّحو المعارضة في الانتخابات ذاتها، إذ سيبذل كلّ ما بوسعه لاسترجاع ليس فقط هذه البلديات، بل العديد من البلديات المهمة التي تسيطر عليها المعارضة.

ويعتقد إردوغان أن انسحاب زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار من جبهة المعارضة سوف يساعده على تحقيق أهدافه والفوز أولاً في إسطنبول وأنقرة ثم الولايات الرئيسية الأخرى.

ومن دون أن يهمل حساباته الخاصة بولايات جنوب شرق البلاد حيث يعيش الكرد الذين يصوّتون عادة لحزب "الشعوب الديمقراطي" وأصبح اسمه الآن حزب "الشعوب من أجل المساواة والديمقراطية". ومن المتوقّع أن يفوز مرشّحو هذا الحزب في 10 ولايات في المنطقة على الرغم من تهديدات إردوغان بعدم الاعتراف بهم وإقالتهم فوراً، وتعيين بدائل لهم بعد أن يتهمهم بالعلاقة مع "الإرهاب" ومقصود به حزب العمال الكردستاني.

وسبق لوزير الداخلية أن أقال رؤساء بلديات الحزب المذكور الذين فازوا في انتخابات 2019 وما زال معظمهم في السجون. ومن المتوقّع أن يؤدي أنصار وأتباع الحزب المذكور وعددهم نحو 6 ملايين في عموم البلاد، دوراً مهماً في فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري خاصة في إسطنبول وإزمير وأضنة ومرسين ومدن أخرى يعيش فيها الكرد بكثافة.

ومن دون أن تعني كلّ هذه المعطيات أنّ ما يهم إردوغان فقط هو استعادة إسطنبول وأنقرة وولايات أخرى مهمة، بل هو وضع العديد من الخطط حول مستقبل البلاد بعد أن يخرج منتصراً من الانتخابات البلدية وهي ذات طابع نفسي ومعنوي أكثر من السياسي.

وتبيّن المعطيات أنّ إردوغان سيستغلّ انتصاره المحتمل في إسطنبول وأنقرة لحشد التأييد الشعبي له ولمشاريعه الاستراتيجية، وأهمها صياغة دستور جديد للبلاد يضمن له البقاء في السلطة إلى الأبد بعد أن يحكم سيطرته المطلقة على جميع مؤسسات وأجهزة الدولة.

وتتوقّع الأوساط السياسية للرئيس إردوغان أن يعمل خلال المرحلة المقبلة على تقوية التيار الديني والقومي على طريق التخلّص من النظام العلماني، وإقامة "جمهورية" جديدة على أسس دينية شرعية وقومية لا وجود فيها لأيّ نوع من أنواع المعارضة السياسية الديمقراطية والعلمانية والقومية (الكردية) والمذهبية (العلوية)، طالما أنه سيحكم البلد حتى منتصف 2028 وربما لولاية أخرى بعد تغيير الدستور.

وتتحدّث المعلومات أيضاً عن حسابات إردوغان لما بعد الانتخابات، وتهدف لجمع كلّ أحزاب وقوى اليمين في جبهة مشتركة تأتمر بأوامره مع احتمالات انضمام زعيمة الحزب الجيّد أكشنار إلى هذه الجبهة، إذ سبق لها أنّ انشقّت عن حزب الحركة القومية حليف إردوغان الحالي.

وحينها سيسعى إردوغان للتخلّص من تركيا الحالية لتحلّ محلّها تركيا جديدة بملامح دينية وقومية، قد تشجّعها واشنطن والعواصم الغربية وتسعى للاستفادة منها خدمة لمشاريعها المستقبلية الخبيثة في المناطق المجاورة لتركيا، وأهمها روسيا (القوقاز وآسيا الوسطى) وإيران وسوريا والعراق.

وعلى أن تتجاهل العواصم الغربية كلّ ما سيقوم به إردوغان في الداخل ضاربة بعرض الحائط المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع وعود بدعم مالي لمساعدته في مساعيه لتجاوز أزمته المالية الخطيرة بعد أن فشل في تجاوز هذه الأزمة من خلال الدعم الذي سعى إليه عبر مصالحاته مع السعودية والإمارات.

تراقب الرياض وأبو ظبي بدورهما ومعهما قطر الوضع التركي عن كثب، وهي تفكّر للاستفادة من إردوغان بشكل أو بآخر، وبشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وضد من ترى فيه عدواً تقليدياً لها ولتركيا كما كان الوضع عليه في سنوات ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، ولا تختلف معطياتها في جوهرها كثيراً عمّا نعيشه الآن طالما أنّ المؤامرة مستمرة بلاعبيها المعروفين ومهما اختلفت العناوين والتسميات.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.