عين على "الميادين".. ما دافع طلب التجسّس على غسان بن جدو؟
انطلقت "الميادين" برئاسة الأستاذ غسان بن جدو خارج منطق السوق، من دون التفكير في منافسة أحد أو جهة إعلامية بعينها، وإنما في بحث مستقلّ صادق عن الحقيقة.
هي ليست عين محبّيها ومشاهديها هذه المرة. هي ليست عين الباحث عن الحقيقة في صورتها وصوتها وتغطياتها. هي ليست عين المنحاز إلى قضيتها فلسطين. هي عين الجاسوسية التي تلاحقها وتحاول استهداف رئيسها.
إنَّ إدراج اسم الإعلامي المخضرم، الأستاذ غسان بن جدو، في قائمة الأسماء المستهدفة في برنامج "بيغاسوس"، يحمل دلالات عميقة، قوامها أن تحالف الحرب (السعودي الإماراتي الإسرائيلي) ما زال مصمّماً على استكمال مشروعه في جرف الوعي العربي. وفي واحدة من أقصر الطرق لتحقيق هذا الهدف، يتم العمل على تعقّب مفاتيح الإعلام الصادق، بطريقة تحمل معاني التنبيه أو التحذير أو التهديد بالضرورة.
لا يخوننا التعبير إذا قلنا إنَّ إعلام هذا التحالف أدى في سنوات العشرية دور "سلطة ما فوق الواقع" (كما يسمى في أدبيات الإعلام)، بمعنى أنه تمكَّن، من خلال شهود العيان المزوّرين، وعبر السّيطرة على الصورة، وإنتاج الدخان، وأزيز الطائرات، واجتزاء الروايات والقصص، وصناعة بدايات أو نهايات أو شخوص مختلفة لها، من حقن الواقع بما ليس فيه؛ بوهم أصبح لاحقاً حقيقة.
هذا ما طُبق تماماً على سوريا!
خلال 10 سنوات، حاول تحالف الحرب "طيفنة" كلّ شيء، وحقن الجرعات الفتنوية العالية في كلّ تجمّع صادق. كانت كاميرات التحالف تشيح عن لافتات "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل". كانت تحوّل المظلومية الحقيقية والدفاع عن النفس إلى اعتداء، والكرامة إلى تنمّر.
هذا ما طُبِّق تماماً على اليمن!
سُخِّرت كلّ الإمكانيات المالية والتقنية الضخمة لتعميم الشعور باللاجدوى أو عنوان "نهاية التاريخ". عملت وسائل إعلام التحالف على إراحة هذا البلد من تحدٍّ حقيقيٍ عبر هذه الرواية؛ زراعة الوهم في رأس الجمهور بأن لا معنى لأي معركة، فهي خاسرة سلفاً! هذا ما حاولت تعميمه حول مقاومة الوجود الأميركي وإمكانية طرد قواته.
هذا ما طُبِّق تماماً على العراق!
عمل إعلام التحالف ليلاً ونهاراً على التخفيف من أثر الانتصارات وتشويه صورتها، وصولاً إلى اعتبارها هزائم. هكذا جرى التعامل مع انتصار تموز 2006م، وهكذا أيضاً، وعبر استراتيجية لئيمة وخبيثة، جرى تصوير معركة "سيف القدس".
هذا ما طُبِّق على لبنان وفلسطين!
في الاتجاه المعاكس لكلِّ ذلك، انطلقت "الميادين" برئاسة الأستاذ غسان بن جدو خارج منطق السوق، من دون التفكير في منافسة أحد أو جهة إعلامية بعينها، وإنما في بحث مستقلّ صادق عن الحقيقة. وفي طريقها هذا، انكسرت "سلطة ما فوق الواقع" أمام الواقع الحقيقي نفسه. مع "الميادين"، ومع وسائل إعلام مهنية أخرى أيضاً، عادت صورة سوريا لتُعرض بواقعية ومهنية، بدلاً من توليفها بمنطق هوليوود أو الألعاب الإلكترونية.
انطلقت "الميادين" ولم تترك اليمن وحيداً، ليس في الكشف عن مظلوميته وتعرّضه لاعتداء وحشي فحسب، وإنما في عرض إمكانياته الحقيقية ومقاومته الصادقة أيضاً، والتي وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه. على السكة نفسها، غطّت "الميادين" الجهد العراقي الخالص والناجح في طرد الإرهاب، من دون الحاجة إلى مساعدة التحالف (الذي كان يرمي الأسلحة لتنظيم "داعش" من الجو). كان إعلامه حينها يصور العراق بلا حول ولا قوة، وبعجز عن مواجهة خطر الإرهاب بنفسه!
في معركة "سيف القدس"، كانت كاميرات التحالف تتباكى عمداً، وتمرّر رسالة إعلامية مفادها: "آه من كل هذا الدمار! لن نستطيع مواجهتهم. لنستسلم ونسلّم". كانت "الميادين"، فرداً فرداً، من الإعلاميين أمام الكاميرا إلى فريق العمل الإنتاجي في الخلف إلى رئيسها المستهدف، تبكي بحرقة وصمت، ولكنها كانت تبثّ أيضاً لحظات النّصر القادم الذي يريد تحالف الحرب قتله باكراً عبر استهدافات كثيرة!