زيارة بومبيو.. شرعنة الاستيطان وترسيخ التطبيع
هذه الزيارة تعد النفس الأخير لترامب وإدارته الهادفة إلى تثبيت وقائع "صفقة القرن" وتعزيز ثقافة الاستيطان وتقويض القضية الفلسطينية.
هي الزيارة الثانية التي سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المنطقة خلال العام الجاري، لكنها ليست كالمرة الأولى التي حضر فيها عشية أداء حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو اليمين في الثالث عشر من أيار/مايو الماضي.
هذه الزيارة وصفت بغير المسبوقة لشخصية أميركية بارزة في هذا المستوى، وستبدأ بزيارة الجولان المحتل ومستوطنة "بساغوت" في الضفة الغربية المحتلة. صحيح أن كل ذلك في وضح النهار، لكنه لعب في الوقت الضائع، وهذه الزيارة تعد النفس الأخير لترامب وإدارته الهادفة إلى تثبيت وقائع "صفقة القرن" وتعزيز ثقافة الاستيطان وتقويض القضية الفلسطينية.
سيفتتح بومبيو خلال زيارته مصنع نبيذ في "مُستوطنة بساغوت" الاستيطانية، المُقامة على أراضي مدينة البيرة في مُحافظة رام الله، ويدشّن مشاريع في "مُستوطنة ترامب" على أراضي الجولان المُحتل، التي كان ترامب قد أعلن الاعتراف الأميركي بضمّها إلى "دولة" الاحتلال. وقد قام نتنياهو بتكريم ترامب بأن وضع الحجر الأساس لمُستوطنة حملت اسمه في مُرتفعات الجولان المُحتلّة في 16 حزيران/يونيو 2019 .
تفسير هذه الزيارة في مثل هذا التوقيت يمكن قراءته في اتجاهات كثيرة، ربما أبرزها أن الزيارة تحقق هدفاً رئيسياً متمثلاً بشرعنة المستوطنات المحتلة، لكن بغطاء واعتراف أميركي صريح وواضح، بعد أن اعتبرت كل الإدارات الأميركية سابقاً، قبل تولي ترامب السلطة، سيطرة "إسرائيل" على الجولان السوري المحتل وبناء مستوطنات في الضفة الغربية أمرين غير شرعيين.
الهدف الثاني، في تقديري، يأتي تعزيزاً لمسار التطبيع بين دولة البحرين و"دولة" الاحتلال الإسرائيليّ، ليصبح واقعاً راسخاً ونهجاً تستكمل "دولة" الاحتلال فيه هذا المسار حتى تحقيق كامل أهدافها، وهو ما كشفت عنه مصادر بأنَّ قمةً ثلاثية بين "إسرائيل" والبحرين والولايات المتحدة ستعقد بمشاركة كل من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير خارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، كخطوة تعد استكمالاً لاحتفال التوقيع على الإعلان المشترك لإقامة علاقات تطبيع بين "إسرائيل" والبحرين في العاصمة المنامة قبل عدة أسابيع.
يجب ألا ننسى أنَّ إدارة ترامب التي خسرت معركة الانتخابات لن تقبل باستمرار الخسارة ولن تستسلم، وستفكّر مجدداً في السّيطرة على الإدارات الأميركيّة القادمة، على قاعدة أن الانتخابات بعد 4 سنوات قادمة لا محالة، وسلوك الجمهوريين يثبت هذا المسار. ومن هذا المنطلق، يهدف بومبيو إلى تسجيل إنجازات قبيل مغادرته البيت الأبيض، في محاولةٍ لبناء مجد يتفاخر به مستقبلاً، وبالتالي يعطيه فرصة للترشح في السباق الانتخابي القادم كداعم قوي ومرشح عن الجمهوريين.
ربما الرسالة الأهم في زيارة مايك بومبيو المرتقبة لمستوطنات إسرائيلية في الجولان والضفة مفادها أنَّ هذه المستوطنات أصبحت قانونية بامتياز، وهو ما يوجه عملياً رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن الوقت لا يزال متاحاً أمامكم قبل تسليم جو بايدن الإدارة الأميركية.
يعمل الاحتلال الإسرائيلي حالياً في الوقت الضائع ويسابق الزمن. وفي تقديري، يقوم حالياً بأربع قضايا أساسية كمحاولة لاستغلال ما تبقى من الوقت لإدارة ترامب، أولها استمرارية الاستيطان، وهو ما تمثل في إعلانه عن طرح عطاء لبناء 1300 وحدة استيطانية جنوب مدينة القدس المحتلة، وثانيها شق طرق التفافية في مناطق الضفة الغربية كجزء من التحضير للبنية التحتية الاستيطانية في الضفة الغربية لإتمام السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وثالث هذه القضايا هو شرعنة المستوطنات العشوائية الصغيرة الموجودة على تلال الضفة الغربية المحتلة، بعد أن كانت هذه المستوطنات، وفق القانون الإسرائيلي، غير قانونية، فبهذه الزيارة، تصبح قانونية في قانون العربدة والبلطجة الأميركية الإسرائيلية، ورابع هذه القضايا هو تهيئة الظروف لدوام عملية البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لأجل غير مسمّى، كخطوة تجسيد وفرض واقع بعيداً من أي إدارات أميركية، سواء كانت تدعم منهج الاستيطان أو ترفضه.
بيانات الشجب والاستنكار والرفض التي صدرت عن مستويات عدة لما سيقوم به بومبيو من زيارة غير كافية، فمثل هذه الزيارة تعد عدواناً سافراً على الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه، ودعماً وإسناداً لا محدوداً لعدو صهيوني مجرم سرق الأرض ودنس المقدسات، وهو ضوء أخضر لمزيد من الاستيطان والعربدة، ما يستدعي ضرورة العمل فلسطينياً ومواجهة الخطر الاستيطاني، وتدفيع الاحتلال ثمن احتلاله لهذه الأرض، وإشعال المقاومة بأشكالها كافة، لوضع حد للغطرسة الصهيونية التي قتلت الحلم الفلسطيني ولا زالت تلتهم المزيد من الأرض وتدنّس المقدسات، بدلاً من الدعوة إلى عقد مؤتمرات سلام جديدة لن تحرر الأرض أو تعيد المقدسات.
إدارة ترامب التي نجحت على مدار 4 سنوات في دعم الاحتلال الصهيوني وتسهيل عمليات التطبيع مع دول عربية في المنطقة بدأت بالإمارات والبحرين والسودان، يزور وزير خارجيتها الأراضي المحتلة، لشرعنة المستوطنات وترسيخ التطبيع. وبكل تأكيد، لن تفلح هذه الإدارة في إضفاء أي شرعية للمحتل الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، أمام شعب مقاوم صامد متمسك بأرضه وحقوقه وثوابته، ويرفض التفريط أو التنازل، ولا تقف في وجهه أي قرارات أميركية أو إجراءات إسرائيلية.