إنجازات "الثوار" الوهمية في لبنان

التغني اليوم ببطولات إعلامية وتحقيق إنجازات عبر هاشتاغ في وسائل التواصل، فلا يعدو كونه بروباغندا، لا تطعم جائعاً، ولا تدفع إيجار منزل عائلة فقيرة.

  • إنجازات "الثوار" الوهمية في لبنان
    سكوت المنتفضين على "ركوب" الثورة من قبل بعض الانتهازيين، قد حرف الثورة فعلاً عن أهدافها الحقيقية

يعيش لبنان منذ ما قبل انطلاق ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 مشاكل اقتصادية واجتماعية، وفساداً ضرب كل مفاصل الدولة السياسية والإدارية، وأدّيا إلى كفر المواطنين بكل الطبقة السياسية المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع التي تحكم لبنان منذ اتفاق الطائف.

ولم يكفِ اللبنانيين مآسيهم والإفلاس الاقتصادي والمالي الذي تعاني منه الدولة، حتى أتى الوباء والحجر الصحي وإعلان التعبئة العامة ليعمّق الأزمة.

وفي خضمّ هذا الواقع، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الإعلامية حرباً مستمرة على الحكومة اللبنانية، وتبخيساً في الإجراءات المتبعة التي أثبتت فعاليتها بشهادة الكثيرين في الداخل والخارج.

هكذا، وفي خضمّ تسارع مبادرات المجتمع المدني للتكافل والتضامن للردّ على جائحة كورونا والتعامل معها، نجد أنّ الأموال التي كانت تصرف منذ أشهر على المنصات وحشد الجمهور والمياه والأكل والحملات الإعلانية الداعمة للثورة وغيرها اختفت! وحلّت مكانها أموال لشراء "الهاشتاغ" على تويتر لدعم الطاقم الطبي، أو للدعوة إلى خفض أسعار بطاقات السفر للعائدين من الخارج... ليخرج بعدها من يقول إن الهاشتاغ هو الذي حقق النتائج، وليس إجراءات الحكومة وكفاءة وزرائها.

أبطال هذه الحروب الإعلامية طرفان:

1) القوى السياسية التي رأت في الثورة سابقاً إمكانية للانقلاب على حلفائها، والتي شعرت بالخذلان بعدما تبين أن ركوب الثورة لم يؤدِ إلى تحقيق الأهداف المرجوة.

2) "المؤثرون في الرأي العام" (influencers) الذين يعتبرون أن الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة، ليست على قدر طموحات الثورة، وبالتالي لن يمنحوها أي "جائزة" أو "هدنة"، حتى لو كنا في زمن الوباء.

وبمراقبة هذه المشاهد الثورية منذ تشرين الأول/أكتوبر ولغاية اليوم، ورؤية خيبة الفقراء من اللبنانيين الّذين ثاروا للتغيير، تحضرنا رواية جورج أورويل الشهيرة بعنوان "مزرعة الحيوانات".

تدور أحداث الرواية حول قيام حيوانات إحدى المزارع في الريف اللندني بالثورة على صاحب المزرعة الذي كان يعاملها بطريقة سيئة، ولم يطعمها لأيام. على أثر الثورة، قام 3 خنازير (سنوبول، نابوليون، سكويلر) بإعداد مجموعة من المبادئ كمانيفستو الثورة، أسموها "الحيوانية"، وأهمّهما مبدآن: "كل من يسير على قدمين هو عدو... وكل الحيوانات متساوية".

وبالفعل، نجحت الثورة، وتولت الحيوانات إدارة المزرعة وقيادتها. وأصبح كل من "سنوبول" و"نابليون" بمثابة العقول القيادية فيها. أما "سكويلر"، فقد شغل منصب المتحدث باسم الجهاز القيادي، لقدرته الكبيرة في التعبير، وبراعته في قلب الحق إلى باطل أو العكس.

بعدها، قرر "السياسي المحنك" نابليون التخلص من أصدقائه الثوار للتفرد بالسلطة، فكلّف "سكويلر" بتشويه سمعة "سنوبول" واتهامه بالتعامل مع الإنسان، وأفلت كلابه لمهاجمته، ما اضطره إلى الهرب من المزرعة.

وهنا بدأ عصر الاستبداد الذي فرضه نابليون بدعم من الكلاب الشرسة، وتشويه سمعة كل مخالف للرأي أو معارض. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ انتهاك المبادئ الأساسية - الوصايا السبع وإعادة صياغتها. 

على سبيل المثال، الوصية التي تنص على "أن كل الحيوانات متساوية"، صارت: "كل الحيوانات متساوية، لكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من البعض الآخر".

وينهي جورج أورويل قصته بمشهد نابليون (سياسي)، الذي اتخذ منزل صاحب المزرعة مسكناً له، يجلس وسكويلر (إعلاميinfluencer) مع مزارعين بشر من الجيران، يشربون الخمر، ويدخنون التبغ، ويلعبون الورق...

المغزى من القصة وارتباطها بالثورة، أن سكوت المنتفضين على "قيادة" و"ركوب" الثورة من قبل بعض السياسيين والانتهازيين والمتلاعبين بالكلام ومحترفي البروباغندا، قد حرف الثورة فعلاً عن أهدافها الحقيقية، وأن تقاطع المصالح السابق، والحاصل اليوم، لتقويض سلطة حكومة حسان دياب لن يأتي بالخير على اللبنانيين- الثائرين الحقيقيين. 

أما التغني اليوم ببطولات إعلامية وتحقيق إنجازات عبر هاشتاغ في وسائل التواصل، فلا يعدو كونه بروباغندا، لا تطعم جائعاً، ولا تدفع إيجار منزل عائلة فقيرة.