الخليل على قائمة التراث العالمي
هل سيلتزم الصهاينة بمقتضيات القرار؟ لا الصهاينة ولا أميركا سيلتزمون. هاتان دولتان مارقتان ولا تؤمنان لا بالتعاون الدولي ولا بالقوانين الدولية. هاتان دولتان لا تؤمنان إلا بالقوة. وما دامت القوة موجودة، سيستمر الصهاينة بدعم من الولايات المتحدة بتهويد الأماكن المقدّسة ومُجمل الضفة الغربية.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 11 تموز 2017 08:59
"لا الصهاينة ولا أميركا سيلتزمون بقرار اليونيسكو"
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم
والثقافة (اليونيسكو) مدينة الخليل الفلسطينية على قائمة التراث العالمي الذي لا
يجوز المساس به أو تغيير معالمه، أو التلاعُب بأصالته التاريخية والمعمارية، وقد
أثار هذا الإدراج غضب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ووُصِف بأنه عارٌ تاريخي.
مدينة الخليل هي كُبرى المدن الفلسطينية في
الضفة الغربية، وقد سُمّيت بهذا الإسم نسبة إلى نبيّ الله إبراهيم الخليل. ويُسمّيها
الصهاينة حبرون على خُطى التسمية الكنعانية المنسوبة إلى ملك الكنعانيين عفرون
والذي يُعتبر مؤسّس المدينة، وفيها يرتفع الحرَم الإبراهيمي الذي يُعتبر رابع
المساجد الإسلامية. ومنذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين، والصهاينة يُصوّبون عيونهم
نحوها بهدف الاستيلاء عليها والسيطرة على الحرَم الإبراهيمي. ولهذا كان يتوجّه عدد
من المُتدينين اليهود للسكن في مدينة الخليل قبل الغزو الصهيوني على اعتبار أن
المكان مقدّس، واليهودي الجيّد يختار دائماً مكاناً مقدّساً ليموت فيه. وقد شكّلت
مدينة الخليل مُعضلة تفاوضية بين الفلسطينيين والصهاينة، وكانت محور اتفاق خاص بين
الطرفين، تم بموجبه تجزئة المدينة إلى جزأين وهما h1 و H2. الحرف اللاتيني هذا يأتي من أول حرف في كلمة حبرون والذي هو
الإسم الكنعاني للمدينة. يتبع H1 والذي هو الجزء الحديث من المدينة للسلطة الفلسطينية أمنياً
وإدارياً وهو من مناطق أصبحت معروفة بالحرف (أ)، بينما بقي H2 الذي يضمّ المدينة القديمة والحرّم الإبراهيمي
تحت السيطرة الأمنية والإدارية الصهيونية.
تتواجد في الكهف الذي يقع تحت الحرَم
الإبراهيمي، وفق المؤرّخين، قبور الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب وأزواجهم
سارة ورفقة وليئة. وبسبب هذه القبور التي يقول اليهود إنها قبور أنبيائهم جروا على
تقديس المكان والادّعاء بأنه لهم. وهناك نصّ في التوراة التي بين أيدي اليهود الآن
يقول إن سيّدنا إبراهيم اشترى منطقة المغارة وما حولها بأربعمائة شاقل من الفضة
لكي يدفن زوجه سارة عند موتها من شخص إسمه عفرون بن صوحر الحثّي حيث كان الحثيّون
يقيمون في المكان. وهنا يقع كتابهم المقدّس في تناقُض عجيب من حيث أن أرض الشام
وجزءاً من العراق ومصر والجزيرة العربية قد خصّصها ربّ إسرائيل لبني إسرائيل وفق
النص التوراتي. وبالرغم من هذا التمليك لم يجد سيّدنا إبراهيم مكاناً لدفن زوجه
سارة فاشترى قطعة أرض.
أقام المسلمون أضرحة في المسجد الإبراهيمي
للأنبياء وأزواجهم، وهي ما تزال ماثلة حتى الآن، ويقوم الناس بزيارتها باستمرار إن
لم يضع الصهاينة عوائق. لكن الصهاينة أخذوا يزحفون على الحرّم بقصد الاستيلاء عليه
مباشرة بعد احتلالهم للضفة الغربية عام 1967. بداية قام اليهود باقتطاع جزء صغير
من المسجد ليؤدّوا فيه صلواتهم، ثم زحفوا إلى منطقة الأضرحة، وأخذوا يسمحون للمتديّنين
بالدخول. وقد توّجوا أعمالهم التوسعيّة بعد مجزرة الحرَم الإبراهيمي عام 1994والتي
تم تنفيذها من قِبَل طبيب يهودي إسمه باروخ جولدشتاين أثناء صلاة الفجر ضدّ المُصلّين.
استشهد في تلك الجريمة 29 فلسطينياً وجُرِح حوالى مائة وخمسين.
تُشير كل المُعطيات التاريخية المُستندة إلى
أبحاث علمية ألا علاقة لليهود بالمكان. اليهود لم يساهموا ببناء حجر واحد في الحرَم
الإبراهيمي، وأن ملكاً أدومياً إسمه هيرودس هو الذي أحاط المكان بسور إسمه الحير
في حوالى القرن الأول قبل الميلاد. المسلمون يعتبرونه مكاناً مقدّساً لأنهم
يعتبرون كل أنبياء الله أنبياءهم، وسيّدنا إبراهيم هو أب الأنبياء جميعاً، وهو أول
المسلمين. في مجمل التاريخ المدوّن عن المدينة، لا يوجد من بين المؤرّخين وخبراء
الآثار من أشار إلى جهد يهودي في بناء المسجد، ولا توجد في المكان آثار تدل على
وجود يهودي. ومن التسلسل التاريخي للبناء، اهتم الأمويون بالمكان، وسقفوا السور،
وأقاموا إضافات إليه ليستوعب الوافدين إليه. ولكن الملامح النهائية القائمة الآن
في المسجد تعود إلى الحُقبة الأيوبيّة حيث قام صلاح الدين بعد معركة حطين بترميم
المسجد وتجديده ليصبح أحد المعالِم الإسلامية البارزة لدى جميع المسلمين.
تدّعي إسرائيل أن المسجد ثاني أمكنتها المقدّسة
بعد ما يُسمّى بالهيكل ، لكنها لم تتمكّن من دعم ادّعائها بالوثائق والمُستندات
التاريخية. وبالرغم من ذلك تستمر في اعتداءاتها على المسجد الإبراهيمي وقضمها له
تدريجاً. وهي تعمل أيضاً على الاستيلاء على المدينة القديمة المجاورة للحرَم،
ونشطت في الاستيلاء على بعض بيوت الفلسطينيين وعقاراتهم، وأقامت مساكن للمستوطنين
في قلب المدينة. هناك الآن أكثر من أربعمائة مستوطن يهودي في المدينة يشيعون
الفوضى والفساد، ويستمرون في الاعتداء على الفلسطينيين الذين ما زالوا في المدينة.
الصهاينة يدّعون أن المدينة القديمة لهم، في حين أنهم لم يثبتوا أي لمسات يهودية
على المباني، ولم يكن لهم بيتاً واحداً فيها.
تمسّك الفلسطينيون بمدينتهم، وقاوموا مشاريع
الاحتلال الصهيونية، وتوفّرت لهم فرصة بعد اعتراف اليونيسكو بالدولة الفلسطينية
عام 2011 ليتقدّموا بطلبات مباشرة من خلال مندوبهم أو من خلال مندوبي دول عربية
لاتخاذ قرارات تضع مواقع فلسطينية على لائحة التراث العالمي. نجحت السلطة
الفلسطينية بإدراج كنيسة المهد في بيت لحم على هذه القائمة، وكذلك مدينة القدس،
ومؤخراً مدينة الخليل. صوّت مجلس المدراء لليونيسكو والذي يضم 58 دولة لصالح إعلان
مدينة الخليل على قائمة التراث العالمي رغماً عن كل المحاولات الصهيونية والأميركية
للحيلولة دون اتخاذ هكذا قرار. لقد ضغطت إسرائيل وأميركا بقوة على العديد من الدول
لتغيير مواقفها، لكن الفشل كان نصيبهم. جنّ جنون الصهاينة بعد القرار وصدرت مواقف
مُندّدة من قِبَل رئاسة وزراء الصهاينة ومن قِبَل الأحزاب السياسية والتنظيمات
المختلفة، وحملت وسائل الإعلام بشدّة على القرار. وأهم ما قيل إسرائيلياً إن
القرار عار تاريخي لأنه ينكر حقاً يهودياً، وتم اعتبار القرار مُعادياً لما يُسمّى
بالسامية. أما مندوبة أميركا في الأمم المتحدة فهاجت وماجت كعادتها، وقالت بأن أميركا
ستراجع علاقتها مع المنظمة الأممية بما يتناسب مع سلوكها المُسيّس الذي يعرقل
عملية التفاوض بين الفلسطينيين والصهاينة، ويخرج عن حدود الموضوعية والاتّزان.
ويذكر أن أميركا توقّفت عن تقديم مساهمات لليونيسكو بعد اعترافها بالدولة الفلسطينية.
قرار اليونيسكو مهم جداً بالنسبة
للفلسطينيين من الناحية الدبلوماسية. إنه يقوّي الجدلية الفلسطينية على الساحة
الدولية: في أروقة الأمم المتحدة وفي مختلف المؤتمرات والمحافِل العالمية. القرار
يضعف الجدلية الإسرائيلية التي تصرّ على حقها في الأرض الفلسطينية، وعلى الاستمرار
في نهب الأرض ومصادرتها والتضييق على الفلسطينيين بهدف ترحيلهم. لم تصمد الجدلية
الإسرائيلية أمام العالم، والعديد من الدول المضلّلة ووسائل الإعلام أخذت تعي حملة
التضليل الإسرائيلية والغربية عموماً والتي تبرّر العدوان، وتبرّر انتهاكات
القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة، وفي هذا ما يشكّل فائدة سياسية ودبلوماسية
للشعب الفلسطيني. وربما يشكّل أيضاً عبرة لبعض العرب الذين يُهرولون لإقامة علاقات
مع الكيان الصهيوني.
والسؤال المهم: هل سيلتزم الصهاينة بمقتضيات
القرار؟ لا الصهاينة ولا أميركا سيلتزمون. هاتان دولتان مارقتان ولا تؤمنان لا
بالتعاون الدولي ولا بالقوانين الدولية. هاتان دولتان لا تؤمنان إلا بالقوة. وما
دامت القوة موجودة، سيستمر الصهاينة بدعم من الولايات المتحدة بتهويد الأماكن
المقدّسة ومُجمل الضفة الغربية، والتضييق على الفلسطينيين واتخاذ مختلف الإجراءات
الطارِدة ضدّهم. وصحيح أن القرار مهم في خدمة الفلسطينيين، لكن الخدمة الأكبر تتأتّى
إذا أصرّ الفلسطينيون على مُراكمة القوة والاستمرار في المقاومة.