هل انتهى مستقبل ميركل السياسي؟

تباينت نتائج الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى المنطقة بين الأردن ولبنان، ففي حين أعلنت المستشارة عن قرض ميّسر للأردن بقيمة مئة مليون دولار، اكتفت في بيروت بإعلان الاستمرار في دعم لبنان، بعد النتائج السلبية التي حصدتها سواء من خلال عدم قدرتها على الاستثمار في الانقسام اللبناني اللبناني، وعدم انجرار اللبنانيين وراء الوعود الاقتصادية الألمانية لتغيير رأيهم بالنسبة لقضية النزوح السوري.

تباينت نتائج الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى المنطقة بين الأردن ولبنان

واقعياً، أتت الزيارة السريعة التي قامت بها ميركل إلى المنطقة، ومحاولتها ربط وجود النازحين السوريين في لبنان بالحل السياسي النهائي، كجزء من محاولة لحلّ أزمتها السياسية المزدوجة؛ الداخلية والأوروبية:
- على الصعيد الداخلي، يداهم الوقت ميركل لإيجاد حل لأزمة اللجوء، بعدما أعطيت مهلة أسبوعين لإيجاد ذلك الحل، وإلا فإن حليفها البافاري في الحكومة الائتلافية، وزير الداخلية هورست زيهوفر سوف يقوم بترحيل اللاجئين المسجّلين في بلدان أوروبية أخرى على الحدود الألمانية، أو سيعلن الاستقالة من الحكومة ما يهدّد بفرط الائتلاف الحكومي القائم بين حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، ما يعني عودة ميركل إلى المربّع الأول أي البحث عن تحالفات أخرى تسمح لها بتشكيل حكومتها أو الانتخابات المُبكرة.
- أما على الصعيد الأوروبي، فقد ازدادت المشاكل حول الهجرة في ظل انقسام واضح بين الأوروبيين الذين باتوا يعانون بشكلٍ كبيرٍ من تدفّق المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين تدفّقوا إلى الدول الأوروبية بكثافة منذ عام 2015. ويتّهم الأوروبيون أنجيلا ميركل بأن سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجتها كانت المُشجّع لهذه الموجات.
وفي ظل ارتفاع أسهم اليمين الأوروبي ووصول اليمين إلى مواقع القرار في عدد من الدول الأوروبية، تتباين نظرة الأوروبيين حول التعامل مع مسألة الهجرة، فمن الدول مَن تطالب بتطبيق اتفاقية دبلن أي توزيع اللاجئين على كافة دول الاتحاد، ومنها من تطالب بأن تكون الدولة التي يتم تسجيل اللاجئين فيها عند وصولهم إليها كمحطة أولى هي المسؤولة عنهم، في ظل رفض واضح لهذا الخيار من قِبَل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
وفي ظل هذه الأزمة المزدوجة التي تعاني منها ميركل، أتت إلى لبنان وفي جعبتها مساعدات مالية لإغراء اللبنانيين لإبقاء النازحين السوريين إلى ما بعد الحل السياسي النهائي والشامل. ولعلّ المستشارة كانت قلقة من التقارير التي تتحدّث عن مبادرات يقوم بها اللبنانيون لتأمين عودة طوعية وآمنة للنازحين المتواجدين على أرضه. ولعلّ ما يُقلق أنجيلا ميركل في هذا الإطار ما يلي:
أولاً: تخشى ميركل من انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني نتيجة الضغط المتزايد والأزمات التي سبّبتها أزمة النزوح السوري، ما يساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية السيّئة للاجئين السوريين المتواجدين في لبنان، ما يدفعهم للتفكير بالهجرة إلى أوروبا، وهو ما لا تريده ميركل بالتأكيد.
ثانياً: تخشى ميركل من عودة النازحين السوريين المتواجدين في لبنان "طوعاً" الى بلادهم، ما يعني أن هناك مناطق آمنة يستطيعون العودة إليها، وهذا قد يغري الألمان في الداخل والأوروبيين إلى الطلب من ميركل التراجع عن سياساتها السابقة وإعادة اللاجئين الذين لا تتوافر فيهم شروط اللجوء إلى العودة إلى سوريا، باعتبارها باتت بلداً آمناً يستطيع السوريون العودة إليه.
ثالثاً: خلال لقائها مع الرئيس بوتين في شهر أيار المنصرم، ربطت ميركل مساهمتها في إعادة الإعمار في سوريا، بألا تضع دمشق عقبات أمام عودة اللاجئين إلى سوريا، اي أن ميركل تتصوّر مقايضة مرتبطة بالحل السياسي؛ مقايضة تتلخّص بتقديم ألمانيا القروضّ لإعادة الإعمار في سوريا، مقابل أن تسهّل الحكومة السورية عودة اللاجئين غير المرغوب بهم في ألمانيا. ولكن، ميركل، وفي تصريح سابق، اعتبرت أن الرئيس السوري بشار الأسد هو "أقوى مما نرغب"، لذا هي تعتقد ميركل إن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم للمساهمة في إعمارها وعودة الأموال السورية للاستثمار في الداخل، سوف تجعل موقفها أضعف مقابل الأسد الذي تزداد قوّته يوماً بعد يوم.
إذاً، لا يبدو أن الوقت يلعب لصالح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فلا الأوروبيون مستعدون لتقديم المزيد من التنازلات لإنقاذها من تداعيات أزمة الهجرة واللجوء، ولم تستطع أن تحصد أية نتائج يُبنى عليها في لبنان، وأسهم اليمين ترتفع في معظم أنحاء أوروبا... فهل تمتد "اللعنة السورية" إلى ألمانيا وتطيح مستقبل أنجيلا ميركل السياسي؟. يبدو هذا الأمر صعباً في الوقت الحاضر، وستبقى ميركل في الحُكم لأن حزبها ما زال يتمتّع بنفوذٍ كبيرٍ، ولكن الأزمات المُتلاحقة سوف تضعف ميركل وتضعف معها إمكانية بقاء الاتحاد الأوروبي متماسكاً، ما يجعل مستوى التشاؤم بمستقبل هذا الاتحاد يرتفع أكثر فأكثر