"أكسيوس": الديمقراطية التونسية على المحك
تونس الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من "الربيع العربي"، ولا تزال الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. لكن السياسة فيها وصلت إلى طريق مسدود وسط أزمة اقتصادية وأسوأ تفشٍ لوباء كورونا.
كتب دايف لاولر تقريراً في موقع "أكسيوس" الأميركي تناول فيه التطورات الأخيرة في تونس قائلاً إن الديمقراطية القائمة منذ عقد في البلاد أصبحت على المحك بعد أن أقال الرئيس قيس سعيّد رئيس الوزراء وعلّق البرلمان الأحد.
كانت تونس الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من "الربيع العربي"، ولا تزال الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. لكن السياسة في البلاد وصلت إلى طريق مسدود وسط أزمة اقتصادية وأسوأ موجة تفشي لوباء كورونا، مما أدى إلى أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
واستند سعيّد إلى بند دستوري للمطالبة بصلاحيات الطوارئ للأيام الثلاثين المقبلة وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، بعد صراع على السلطة امتد لأشهر. وقال إنه سيعيّن رئيساً جديداً للوزراء ورفض المزاعم بأنه ينفذ انقلاباً. لكن رئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي يقود حزب النهضة الإسلامي المعتدل، نظم احتجاجاً خارج البرلمان بعد منعه من الدخول وحض التونسيين على مقاومة هذه "العودة إلى الديكتاتورية".
وقال الكاتب إن "ردود الفعل الأولية في شوارع تونس بدت وكأنها ابتهاج، وهي علامة على مدى عمق الإحباط من الحكومة. لكن آخرين سمعوا أصداءً لمصر، حيث أطاح عبد الفتاح السيسي بحكومة منتخبة ديمقراطياً في انقلاب عام 2013".
تجدر الإشارة إلى أن تركيا رفضت خطوة سعيد بينما عرض خصماها الإقليميان السعودية ومصر دعماً ضمنياً.
أما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فهما في حالة انتظار وترقب إلى حد كبير، حيث رفضا حتى الآن وصف تصرفات سعيّد بأنها "انقلاب".
وشددت وزارة الخارجية الأميركية على ضرورة حماية الديمقراطية وأعربت عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد بأن الشرطة أغلقت بالقوة المكتب المحلي لقناة الجزيرة. واتصل وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين بسعيّد يوم أمس.
وقالت انتصار فقير، مديرة برنامج شمال أفريقيا والساحل في معهد الشرق الأوسط، إن سعيّد، الوافد الجديد في المجال السياسي وأستاذ القانون الدستوري الذي فاز في انتخابات عام 2019 بصورة مفاجئة، نصّب نفسه على أنه من خارج النادي السياسي، وهو بديل غير كاريزماتي للمشغلين السياسيين الأذكياء في تونس.
ومع عدم وجود حزب سياسي له وسلطة قليلة أحادية كرئيس للجمهورية، كان سعيّد محمياً من الكثير من الغضب المناهض للحكومة.
وقالت سارة يركس، الخبيرة في الشؤون التونسية في مؤسسة كارنيغي، إن سعيّد كان أيضاً يمهد الطريق للاستيلاء على السلطة. وقد وفّرت الاحتجاجات "لحظة جيدة لاتخاذ ما كان يمكن أن يكون عملاً محفوفًا بالمخاطر". وأضافت: "نحن لا نعرف فعلاً ما هي نهايته. لا نعرف ما إذا كان يحاول فقط إعادة ضبط الوضع السياسي ثم سيعيد السلطة، أو ما إذا كان يحاول فعلاً أن يصبح زعيماً استبدادياً ويتولى زمام الأمور".
وأشارت يركس إلى بعض تصريحات سعيّد السابقة، مثل الرغبة في إلغاء منصب رئيس الوزراء، مما يجعلها تشك في أن هشام المشيسي هو رئيس الوزراء الأخير.
حتى قبل الوباء، كان ثلثا التونسيين غير راضين عن الطريقة التي كانت تعمل بها الديمقراطية، بحسب استطلاع لمركز بيو.
وتراجعت الثقة في الحكومة إلى 15 في المائة بحلول آذار / مارس الماضي، بحسب استطلاع أجراه الباروميتر العربي.
وقال 89 في المائة من التونسيين إن الفساد منتشر في بلادهم وقريب من مستوى الفساد في لبنان الذي يأتي في المرتبة الأولى بين البلدان السبعة التي شملتها العينة، إذ يعتقد 34 في المائة فقط من التونسيين أن الحكومة تعمل على معالجة هذا الفساد.
كما أكد الاستطلاع على عمق الأزمة الاقتصادية. قال ربع التونسيين إن طعامهم نفد في الشهر السابق.
وخلص الكاتب إلى أن "هذه النتائج تتحدى سرد قصة نجاح ديمقراطية حيث لا يزال التونسيون يعربون عن فخرهم بثورتهم بعد عقد من الزمن، لكن الكثيرين يعتقدون أنها ضلّت طريقها".
ومع ذلك، فإن حقيقة أن الشوارع امتلأت بالمحتجين وأن وسائل الإعلام المستقلة تقدم تقارير عن التطورات الأخيرة هي علامات على أن الديمقراطية قد تجذرت، كما تشير يركيس.
وقالت يركيس إن ما يجب مشاهدته هو إذا كان سعيّد سيعين بسرعة رئيس وزراء جديداً ويضع طريقاً إلى الأمام أو "يسير ببطء حتى يصبح من المعتاد أنه مسؤول عن كل شيء". وأضافت أنها ستراقب كذلك رد الجيش، حيث هدد سعيّد بأن الجيش سيستخدم القوة المميتة إذا لزم الأمر في حالة حدوث اضطرابات عنيفة.
وقالت فقير إنه "على المدى القصير، يمنح هذا الأمر الناس التغيير الكبير والدراماتيكي الذي يريدونه. ولكن هل سيسهل هذا فعلاً على سعيّد أن يحكم، من دون أن يقول شيئاً عن العملية الديمقراطية؟". وأضافت: "بمجرد أن يسير بلد ما في هذا الطريق - بإثارة هذا النوع من قانون الطوارئ، ومحاولة الالتفاف على العمليات السياسية القائمة - يكون من الصعب للغاية العودة بالبلاد إلى الخلف".
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت