قمة بوتين - أردوغان ستخبرنا عن مستقبل سوريا

على وقع التوتر مع الغرب حط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سان بطرسبورغ وعقد لقاء القمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقاء يتصدر اليوم الصحف الغربية التي قاربته من زوايا عديدة أبرزها ما هو مرتبط بتأثيرات الحدث على المشهد في سوريا وعلى العلاقة بين أنقرة والغرب بجناحيه الأميركي والأوروبي.

هل تتبدل سياسة أنقرة في سوريا بعد لقاء سان بطرسبورغ؟
في صحيفة "اندبندنت" ربط روبرت فيسك بين اللقاء والحرب في سوريا قائلاً إن الأول من شأنه أن يخبرنا بما يخبئ المستقبل لسوريا معدداً المتضررين والرابحين من هذه القمة.

الكاتب البريطاني قال إن على الناتو والاتحاد الأوروبي أن يعيدا التفكير مرة ثانية في حال ظنا أنه يمكن الاعتماد على حليفهما أردوغان لمتابعة تدمير نظام الأسد أو وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا أو التساهل مع استخدام الطائرات الأميركية لقاعدة أنجيرليك أو التسامح مع إعادة الأراضي في الأناضول لأرمينيا.

فيسك دعا إلى قراءة تصريحات السلطان "الانبطاحية" التي نقلتها عنه وسائل الاعلام الروسية قبيل زيارته لافتاً في هذا الصدد إلى قوله "إنه لا يمكن إيجاد حل للأزمة السورية بدون روسيا. يمكننا حل الأزمة السورية فقط من خلال التعاون معها".  
وأضاف الكاتب "والتعاون مع بشار الأسد؟" لافتاً إلى أنه إذا كان بوسع أردوغان أن يسقط طائرة روسية ثم يعانق "صديقه" بوتين، فما الذي يحول دون أن يفعل الأمر نفسه مع بشار الأسد؟ 
وفق روبرت فيسك فإن لائحة الخاسرين المحتملين من لقاء سان بطرسبورغ تطول وتبدأ بداعش والقاعدة سواء جبهة النصرة أو فتح الشام، وكل المجموعات الاسلامية التي تقاتل النظام في سوريا والتي وجدت فجأة أن الدولة الأكثر موثوقية في تزويدها بالأسلحة تحالفت مع أكثر أعدائها شراسة. ومن بين الخاسرين سمى فيسك المليارديرات في السعودية وقطر الذين كانوا يزودون بالأموال والأسلحة من أسماهم "المحاربين السنة" الذين يريدون إسقاط النظام في دمشق وبغداد. 

من بين من يذكرهم الكاتب البريطاني "الجيش التركي". وفي هذا السياق لفت فيسك إلى الدور الاستخباراتي الذي لعبته كل من روسيا وإيران في تحذير أردوغان من مؤامرة الانقلاب العسكري. بحسب الكاتب فإن العرب علموا بأن بوتين، ضابط الـ"كي جي بي" السابق، أرسل شخصياً رسالة لأردوغان بعد معرفته بمخطط الانقلاب من خلال ما رصده الروس في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية. كذلك أبلغ العرب بأن الإيرانيين الذين سيكونون سعداء بانقلاب أردوغان على الجماعات الاسلامية في سوريا، حذروا الرئيس التركي من الانقلاب.     

وخلص الكاتب إلى الدعوة لمراقبة كلمة "إرهابيين" في البيانات التي ستلي قمة السلطان والقيصر، "تحالف سان بطرسبورغ ضد الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب". وقال "في حال سمعت هذه الكلمة من الأم روسيا في الساعات المقبلة عندها ستدرك أن الأمور ستتغير في سوريا".    

بين نظرة واشنطن وأوروبا

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية توقفت عند نظرة واشنطن والاتحاد الأوروبي للقاء بين بوتين وأردوغان اللذين أصلحا العلاقات بينهما فيما "يواجه كلاهما على حد سواء علاقات متوترة مع الغرب".

في واشنطن قللت وزارة الخارجية من أهمية الاجتماع قائلة إنه لا يشكل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة. المتحدثة باسم الخارجية اليزابيث ترودو قالت روسيا وتركيا تدعمان القتال ضد داعش وكلاهما جزء من المجموعة الدولية التي تحاول إنهاء الحرب في سوريا.

بحسب توم غراهام المدير الاداري في معهد كيسنجر ومستشار الأمن القومي السابق حول روسيا في عهد الرئيس جورج بوش فإنه بالرغم من أن تركيا حليف للناتو إلا أن الدفاع عنها سيأخذ منحى مختلفاً في حال أصبحت دولة استبدادية وعلاوة على ذلك متملقة لروسيا.

أما في أوروبا، وفق "وول ستريت جورنال" فإنه ينظر إلى تقارب أردوغان وبوتين على أنه محاولة من الرئيس التركي لإثبات أن روسيا يمكن أن تكون بديلاً عن الاتحاد الأوروبي الذي انتقد أداءه في أعقاب الانقلاب.    

وقال مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي "رغم ذلك فإن مصالحهم لن تلتقي على المدى الطويل، خصوصاً في سوريا وفي مجالي الاقتصاد والطاقة أيضاً. لذلك من المهم أن نبقي قنواتنا مفتوحة مع أنقرة".    

مسؤول أوروبي آخر وصف زيارة أردوغان إلى روسيا بأنها استعراض للقوة ليس أكثر. 

سياسة تركيا الخارجية عند مفترق طرق

صحيفة "واشنطن بوست" توقفت عند تجنب أردوغان وبوتين المواضيع التي من شأنها تقويض اللقاء من بينها الصراع في سوريا حيث روسيا تدعم الرئيس بشار الأسد فيما تدعم تركيا أعداءه، كما حيدا الحديث في العلن عن التعويضات التي تطالب روسيا تركيا بدفعها لضحايا طائرة السوخوي 24 التي أسقطها سلاح الجو التركي في سوريا.  

ونقلت الصحيفة عن محللين أن خطوة أردوغان لإعادة الدفء إلى العلاقات مع تركيا، في ظل مناخ من المشاعر المعادية للغرب، من شأنها أن تكرس ابتعاد تركيا عن حلفائها التقليديين.

وفق سونر كاغابتاي مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فإن "السياسة الخارجية التركية تقف عند مفترق طرق" مضيفاً إنها المرة الأولى في التاريخ الحديث التي نشهد فيها نقاشاً جدياً حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي". ونقل عن مسؤولين أتراك تساؤلاتهم عن جدوى الخطوة التركية باتجاه موسكو.

"يمكن لأردوغان أن ينجز بسهولة هذا التحول" يضيف كاغابتاي خصوصاً في ظل تراجع الجيش التركي، الذي لديه المصلحة الأكبر في إبقاء العلاقات مع حلف شمال الأطلسي، والتي تضررت في أعقاب عمليات الاعتقال المستمرة منذ محاولة الانقلاب. 

من جهة ثانية توقفت الصحيفة عند أهمية بناء العلاقة الشخصية بين الرجلين. وفي هذا السياق نقلت عن اسلي ايدنتاسباس الخبير في السياسة الخارجية التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "أن كلا الرجلين بنيا نوعاً من الحكم الاستبدادي والشخصاني والصفات المشتركة بينهما يمكن أن تساعد في تقوية العلاقات" على حد تعبيره.

بدوره رأى بافيل شليكوف المحلل في معهد آسيا وأفريقيا للدراسات في جامعة موسكو "أن العلاقة السياسية بين البلدين تعتمد بشكل كبير على شخصيتي أردوغان وبوتين إذ إن المبادرات تبدأ من عندهما".

وفق سيرغي كاراغانوف المفكر المؤثر في السياسة الخارجية الروسية وعميد الدراسات العليا في الاقتصاد في جامعة موسكو فإن تمايل الاحداث المتدفقة جعلت أردوغان أقرب، فيما اعتبر الكسي ماليشينكو المحلل في معهد كارنيغي "أن بناء العلاقات مع روسيا بالنسبة لأردوغان خطوة طبيعية" مؤكداً أنه سيكرر على مسامع الزعماء الغربيين المقولة التالية: إذا رفضتم مساعدتي أو احترامي لا تنسوا علاقاتي الجيدة مع بوتين.