فزاعة لاهاي
نتنياهو خائف لأن مصادرة حقوق الانتفاع ببضع مئات من الدونمات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) – وليس مصادرة ملكية الأرض – ستجره مع وزراء في حكومته وقادة من الجيش الإسرائيلي إلى محكمة لاهاي.
وهو ما يعني أن هؤلاء المعارضين، الذين لا يثقون بكلام نتنياهو في مواضيع أخرى، يتبنون هذه الأقوال مثل التوراة المقدسة التي نزلت في سيناء. فهل في الحقيقة أن نتنياهو خائف لأن مصادرة حقوق الانتفاع ببضع مئات من الدونمات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) – وليس مصادرة ملكية الأرض – ستجره مع وزراء في حكومته وقادة من الجيش الإسرائيلي إلى محكمة لاهاي؟
إن هذا هراء. فأنا لا أستطيع أن أتفهم هؤلاء الذين يدعون أن القانون "غير أخلاقي". فإذا كانت المصادرة أخلاقية إلى الغرب من الخط الأخضر فهي أخلاقية أيضاً إلى الشرق منه. فالأخلاق هي قيمة عامة. وأكثر من ذلك، أنا أجد صعوبة في تفهّم هؤلاء الذين يدعون أن "القانون ليس دستورياً". فقد قرأت ما كتبه قضاة آخرون وهم يرون العكس تماماً. لكن النقاش هو ليس حول الأخلاق أو حول القضاء، بل هو يتركز حول عدم وجود إمكانية بالمطلق لتفهم أولئك الذين يحاولون أن يمارسوا علينا التخويف عن طريق المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ليس في محكمة العدل الدولية، التي مقرها في لاهاي والتي تبحث فقط في النزاعات بين الدول، وبعد موافقتها فقط على التقاضي أمام هذه المحكمة، وإنما في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وهذه المحكمة مخوّلة للبحث في الجرائم ضد الإنسانية، والاعتداءات وجرائم الحرب. ومنذ إقامتها في عام 2002 درست هذه المحكمة حوالي 30 قضية. وكلها لحالات أعمال إبادة في إفريقيا. وعلى حدّ علمي، لم تتم في هذه المحكمة، حتى اليوم، مناقشة أية دعوى حول مصادرة حق الانتفاع بقطعة أرض في مقابل تعويضات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن في المحكمة الجنائية الدولية البحث فقط في قضايا ترتبط بالدول الموقعة على "معاهدة روما"، والتي لم تستثنِ نفسها من التقاضي في لاهاي. وإسرائيل، مثلما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، قد فعلتا ذلك وبالتالي من غير الممكن مقاضاتهما أمام هذه المحكمة.
بيريس ورابين صادرا أيضاً أراضٍ ذات ملكية خاصة
وبطبيعة الحال لم تجرِ هذه "الدراسة" بسبب "قانون التسوية" بل على خلفية عملية "الجرف الصامد" والادعاءات العربية بأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب.
وربما يكون هذا هو أصل الهستيريا التي أصابت تسيبي ليفني، التي تخاف من أنها قد لا تستطيع السفر في العالم إذا ما صدر بحقها أمر اعتقال دولي.
فليست الأراضي في عامونا أو في عوفرا هي ما يثير قلقها، بل "التحقيق" المنافق الذي فُتح ضدنا قبل زمن طويل من "قانون التسوية".
فليفني تدعي بحماس، وأنا أصدقها، بأنها فخورة بأنها كانت عضوة في حكومات قادت إسرائيل إلى "حرب لبنان الثانية" وعملية "الرصاص المصهور" (والتي صدر على إثرها أمر اعتقال ضدها في بريطانيا) وعملية "الجرف الصامد".
وعلى الرغم من التأييد الدولي الذي يتمتع به الفلسطينيون في العالم فإنه من الصعب أن نرى حدوث محاكمة في لاهاي بسبب مصادرة حق الانتفاع بأرض ما، وليس بسبب ما يقدمه العرب على أنه جرائم حرب، وقتل للمدنيين الأبرياء، والحصار والتجويع، وما إلى ذلك من افتراءات.
وعلى هامش هذا الحديث فإنه يمكن القول إنه قد تمت مصادرة أراضٍ خاصة من أصحابها العرب في إسرائيل منذ إقامتها بهدف بناء مستوطنات يهودية.
فقد تم على هذا النحو إقامة الناصرة العليا وكرميئيل من قبل حكومات اليسار. ولم يحدث هذا فقط "داخل الخط الأخضر": فقد تمت بنفس الطريقة مصادرة أراضي في القدس الشرقية بهدف إقامة الأحياء اليهودية بعد حرب الأيام الستة، وهو الأمر الذي تم على يد حكومات اليسار.
وبالطريقة نفسها تمت إقامة عوفرا على يد بيريس ورابين، اللذين استوليا على أراضٍ بملكية خاصة. وكانت هناك قطعة أرض صغيرة فقط لم يتم الاستيلاء عليها، وهي أرض كان يوجد عليها تسعة منازل، فأصدرت محكمة العدل العليا قراراً بهدمها.
كما أن ابن غوريون، واشكول أيضاً، وكذلك بيريس ورابين، كانوا يدركون وجود العالم والعداء الذي يكنه لنا. وكانوا قبل أن يتخذوا قراراتهم حول خطوات صهيونية مناسبة – كانوا يأخذون هذه القوى بعين الاعتبار. القوى الحقيقية. وليست الفزاعات. وهم، على خلاف نتنياهو، لم يكونوا جبناء. ترجمة: مرعي حطيني