تتمة لصداقة رائعة

مصلحة بوتين وأردوغان المركزية في هذه اللحظة في تحسين العلاقات هي اقتصادية – حجم التجارة الكبير بين الدولتين هام جداً لكلتيهما، ولكن في التوقت الحالي، يسر الزعيمان أن يمارسا بعض الضغط على برلين.

مصلحة بوتين وأردوغان المركزية في هذه اللحظة في تحسين العلاقات هي اقتصادية
أيّ فرق تفعله تسعة أشهر وانقلاب فاشل واحد، قبل وقت غير بعيد كانت روسيا وتركيا على شفا حرب محدودة حين رأى كل منهما الأخرى كتهديد مباشر على مصالحها في سوريا. 
ولم يكن هذا فقط إسقاط طائرة روسية من طراز سوخوي 24 في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بعد أن اجتازت هذه الحدود وموت إثنين من العسكريين الروس. 
كان أيضاً تخوّف في العواصم الغربية من أن يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فحص وحدة حلف الناتو بالهجوم على تركيا، العضو المركزي وإن كان العاق في حلف الدفاع الغربي. 
في بعض من الدول الأعضاء في الناتو كان خوف من أن تعمد تركيا، في  حالة معارك حدودية مع الروس، إلى تفعيل المادة 5 من ميثاق الناتو، والتي تجبر الدول الأخرى في الحلف على الهرع لمساعدتها.
 لقد ازيحت هذه الإمكانية عن الطاولة الآن في أعقاب اللقاء بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب اردوغان في سان بطرسبورغ. 
وعاد اردوغان ودعا بوتين "الصديق العزيز" وشكره على دعم روسيا في الأسابيع الأخيرة في أعقاب المحاولة الفاشلة لأجزاء من الجيش التركي خوض انقلاب ضد حكومته. 
أمّا بوتين من جهته،  فوعد برفع العقوبات الاقتصادية التي مسّت بشدة في فرع السياحة في تركيا، والتي تعتمد غير قليل على المستجمين الروس، وعلى استيراد البضائع الزراعية من تركيا.  
كما اتفق على استئناف الصفقات الكبرى لتصدير الغاز الروسي ومساعدة الأتراك في بناء مفاعل نووي.
 

لقد كانت العلاقات بين انقرة وموسكو في ميل تحسّن في الأسابيع التي سبقت الانقلاب، ففي نهاية حزيران/ يوليو وافق أردوغان على ارسال كتاب اعتذار لبوتين على اسقاط الطائرة وموت الجنديين، ولكن الانعطافة الدراماتيكية وقعت في أعقاب الانقلاب في 15 تموز/ يونيو، حين سارع بوتين للاتصال والاعلان عن التضامن، قبل وقت طويل من الزعماء الآخرين الحلفاء لتركيا في الناتو. 
وأمس أجرى اردوغان أول زيارة له خارج تركيا منذ الانقلاب الى روسيا بالذات، ولعل الارتباط المفاجىء بين الزعيمين نزع تهديد المواجهة العسكرية بين الدولتين، ولكن هذا ليس بالضرورة أنباء طيبة للغرب. فالعلاقات المتوترة على أي حال بين حكومة اردوغان والقوى العظمى الغربية ساءت في اعقاب الانقلاب الفاشل. 
كما ان العلاقات بين تركيا والإتحاد الأوروبي تختبر الآن في ضوء حملة التطهيرات التي يعتقل فيها الآلاف، بمن فيهم من قضاة وصحافيين، والخطاب المتصاعد عن إعادة حكم الإعدام. 
وتنتهك هذه الخطوات إلتزام تركيا للاتحاد بتعزيز الديمقراطية فيها، كجزء من الحملة التي لا تنتهي نحو قبولها في الاتحاد كعضو عادي. 
توتر مشابه يسود مع الناتو، الذي تساهم فيه تركيا بالجيش الثاني في حجمه في الحلف، بعد الولايات المتحدة. لقد امتنعت تركيا في البداية عن التعاون مع الأميركيين ودول أخرى في الناتو في صراعها  ضد داعش، وفي السنة الماضي فقط بدأ هذا يتغير. 
ولكن حقيقة ان بعض المتآمرين ضد أردوغان استخدموا قاعدة سلاح الجو "انشرليك" والتي يستخدمها أيضاً سلاح الجو الأميركي للهجمات ضد داعش، واتهامات اردوغان ضد الداعية الاسلامي فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة، بانه يقف خلف الانقلاب، أدت كلها الى اطلاق الاتهامات من جانب اعضاء في حزب اردوغان والاعلام التركي ضد الادارة الأميركية، وكأنها أيّدت الانقلاب.

ليس مفاجئاً في واقع كهذا أن يكون بوتين، الذي يرى في الاتحاد الاوروبي وفي الناتو المنظمتين اللتين تضيقان على خطى روسيا وتهددان سيطرتها في محيطها القريب، الجمهوريات السوفييتية السابقة، فرحاً بتصعيد التوتر. 
فضلاً عن ذلك، فان هذا لا يعني ان تركيا تعتزم الانسحاب من الناتو، الذي منذ بداية الحرب الباردة كان سندها المركزي ضد التدخل الروسي. كما أنها لا تنوي على ما يبدو انهاء محادثات الانضمام للاتحاد الاوروبي. 
تركيا وروسيا تتشاركان منذ مئات السنين في خصومات إقليمية، وهذا أيضا لن ينقضي في السنوات القريبة القادمة.

بوتين بالطبع هو الراعي المركزي لنظام الأسد في دمشق، والذي اقسم اردوغان على العمل على تغييره. والروس في السنة الاخيرة يتعاونون أيضا ويسلحون المقاتلين الاكراد في سوريا والذين تراهم تركيا ارهابيين. واعترف الزعيمان في اللقاء أمس بانه تبقى بينهما خلافات في الرأي بالنسبة لسوريا. 
مصلحتهما المركزية في هذه اللحظة في تحسين العلاقات هي اقتصادية – حجم التجارة الكبير بين الدولتين هام جدا لكلتيهما. ولكن في التوقت الحالي، يسر الزعيمان ان يمارسا بعض الضغط على برلين، بروكسل وواشنطن.

 القلق الأعمق في الغرب الآن هو أن يكون بوسع أردوغان في كل لحظة أن يفتح السدّ ويسمح لمئات الآف اللاجئين، من سوريا ومن دول مصابة المصير الاخرى، بالانتقال إلى الحلقة الاضعف في الاتحاد الاوروبي – اليونان. 
اكثر من مليون لاجيء وصل إلى أوروبا في 2015 في الأشهر الأولى من 2016، فيما استخدم قسم كبير منهم المسار البحري القصير بين أزمير وبدرم، على شاطيء بحر إيجا، إلى الجزر اليونانية. 
وقد هدأ تيار اللاجئين في نيسان/ ابريل  فقط حين بدأت الشرطة التركية في اطار اتفاق بين الاتحاد الاوروبي وتركيا على نحو مفاجيء تنفيذ الاعتقالات للمهربين الذي كانوا يعملون بشكل شبه علني في شاطئها الغربية.
 

تجني مجموعات الجريمة المنظمة في تركيا منذ عشرات السنين الأرباح من مسارات التهريب البحرية إلى اليونان.
 في الماضي كانوا يهربون المخدرات ولا سيما الهيروين والمرغوانا في افغانستان، ، عبر ايران، العراق وسوريا، وبعدها من خلال المهربين الاتراك إلى اوروبا.من خلال المهربين الأتراك إلى أوروبا. 
ولكن انتشار داعش، وعودة التنظيم السرّي الكردي – حزب العمال الكردستاني، الذي شارك بشكل مركزي في تجارة المخدرات، إلى دائرة القتال ضد تركيا وحالة الحرب العامة في حدود تركيا، مسّت جدا بتوريد المخدرات. 
وبالتوازي فتح لجماعات الجريمة أفق دخل جديد – تهريب مئات الاف اللاجئين الذين دفعوا مئات الدولارات على الرأس الواحد في الحملة الخطيرة، في قوارب مطاطية مهترئة، الى اوروبا، الحملة التي انتهت غير مرة بالغرق.
 

والى أن عرض الاتحاد الاوروبي على الأتراك 6 مليار يورو لمساعدة اللاجئين المتواجدين في نطاقهم واتفاق دخول الى الاتحاد  للمواطنين الاتراك دون حاجة الى التأشيرة، لم يكن لأردوغان مصلحة حقيقية في الوصول مع الأوروبيين في إطاره تستعيد إلى نطاقها اللاجئين وبشكل غير رسمي تعمل أخيراً على اعتقال المهربين. 
ولكن الاتفاق لم يوّقع بعد، ولا سيما بسبب المعارضة داخل الإتحاد لازالة التأشيرة عن المواطنين الأتراك. أمّا اللاجئون في هذه الاثناء فلم يعودوا إلى البحر ولكن في تركيا يوجد حسب تقديرات منظمات الاغاثة نحو 2.2 مليون لاجىء من سوريا، وكثيرون آخرون يدقّون بوابات معابر الحدود.
يبقي اردوغان هذا التهديد فوق رأس الإتحاد الأوروبي، وبالأساس فوق رأس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يتهمها نظراؤها في الاتحاد، وغير قليل من مواطني بلادها بأنها تسببّت في السنة الأخيرة بتعاظم تيار المهاجرين حين وعدت بأن كل من يصل إلى المانيا سيستوعب في نطاقها. 
ولم تتراجع ميركل عن عرضها، رغم أنها أقل حماسة الآن بكثير مما كان قبل سنة. وفي السنة القادمة ستكون أمام انتخابات، ورغم أنه لا يوجد بعد أي مرشح في ألمانيا يهدد مكانتها، ففي الوضع السياسي المتفجّر في اوروبا الان، لم يعد ممكنا استبعاد أي شيء.

ليس واضحاً اذا كان موضوع اللاجئين طرح في المحادثات المغلقة بين بوتين واردوغان. ولكن لا شك أن الأول سيسعده استئناف تيار اللاجئين إلى أوروبا. وتضخّم قنوات الدعاية في الكرملين كل تقرير عن الجريمة من جانب لاجئين في الدول الغربية، ولا سيما المانيا، بل وأحياناً تلفّق افعالا كهذه. فالتشكيك في مكانة ميركيل وخلق توترات اخرى بين اعضاء الاتحاد، المختلفين جداً على أي حال في الشكل الذي يتعيّن فيه التعاطي مع اللاجئين، يلعب في صالحه فقط.