السعودية.. برج من ورق اللعب
بدأت النخبة الأمنية في إسرائيل مؤخراً، وبحماس شديد، ببناء تحالف استراتيجي إقليمي مع النظام السعودي. إلا أنهم لا يدركون عندنا أن الحديث يدور عن برج متداعٍ من ورق اللعب غير قادر على تلبية الآمال المعقودة عليه، وأن انهياره سيترك إسرائيل في وضع إستراتيجي سيء جداً.

المقابلة التي أجراها رئيس هيئة الأركان غادي إيزنكوت مع إحدى وسائل الإعلام السعودية، قبل عدة أيام، هي أبرز تعبير عن الحملة المتفاوتة في علانيتها للجهد الكبير الذي تبذله إسرائيل للتقارب الاستراتيجي مع ما يمسى "المحور السني المعتدل" وفي مقدمته السعودية.
يشار إلى أنه في أعقاب "الربيع العربي"، الذي تسبب في الانهيار المتلاحق لمجموعة من الأنظمة السنية المعتدلة، وإلى اهتزاز كبير لبعضها الآخر – في مقابل تعاظم كبير لقوة إيران – كانت هناك فرصة لتفكير استراتيجي جديد في إسرائيل.
وفي ضوء التفكك العملي لدول مثل العراق وسوريا، كان بالإمكان، بكل تأكيد، التفكير وفق النهج الذي صيغ منذ أيام دافيد بن غوريون والمعروف بـ"تحالف الأقليات" القائم على السعي لعقد تفاهمات مع الأقليات غير العربية وغير السنية، المعنية بالتخلص من نير الهيمنة العربية – السنية، والأكراد هم النموذج الأبرز على ذلك، إلا أن هناك جماعة أخرى في المنطقة مثل المسيحيين والدروز.
وبدلاً من ذلك، فإن كل المؤشرات تدل على أنه توجد عندنا محاولة بالذات لإحياء "الشرق الأوسط الجديد" من أيام شمعون بيريس، بقيادة سعودية هذه المرة، والتي يعمل فيها ولي العهد محمد بن سلمان على تنفيذ إصلاحات سياسية حادة. ولكن الحماس هو نهج قصير الرؤية وخطير. أولاً، لأنه غير قادر على تمييز الضعف الحقيقي الذي يعاني منه النظام السعودي. فعلى الرغم من الغنى الأسطوري فإن السعوديين قد فشلوا في محاولتهم لكبح إيران في كل من سوريا والعراق، كما أن ضعف موقفهم في لبنان قد انكشف مع استقالة تابعهم الحريري من رئاسة الحكومة. ومع امتلاكهم أغلى جيش في العالم وجزءاً من الأسلحة الأكثر تطوراً، إلا أنهم غير قادرين على التغلب على "الحوثيين" في اليمن المسلحين، بشكل رئيس، بأسلحة خفيفة وقديمة.
لكن الضعف الأكبر للسعوديين ينبع من أن كل الإصلاحات هي عبارة عن بناء متداعٍ من ورق اللعب، الذي يحاول فيه شخص وحيد تشييد مبنى جديد بمفرده، وذلك بالاعتماد على عائلة مالكة فاسدة ودولة فاشلة. وفي نهاية المطاف فإن الإصلاحات في النظام السعودي تقوّض الأرضية الثلاثية لوجوده: الولاء القبلي والتعصب الديني والفساد المستشري، الذي يسهل (يزيِّت) حركة العجلات. وهذه عملية محكومة بالفشل، وذلك لأنه كلما نجحت الإصلاحات، وقادت إلى التحديث وإلى تغيير المنظومة السعودية، كلما تقوضت شرعية قاعدة الحكم العائلي.
إن المشكلة الأكبر لبرج الورق السعودي، الذي يقومون ببنائه عندنا، هي أنه مطلوب، على وجه السرعة، دفع ثمن عالٍ مقابل السكن فيه.
قريباً سيظهر من يقترحون تقديم "تنازلات مؤلمة" – سواء كان ذلك مع الفلسطينيين، أو في الجولان ضمن تسوية مع سوريا – من أجل بناء الثقة مع العالم العربي. وعندما ينهار البرج الذي شيّدناه من ورق اللعب، سنجد أنفسنا من جديد، بعد أن تضررت مصالحنا، ونحن نحمل في يدنا مجرد ورقة جوكر.
ترجمة: مرعي حطيني